استمرت التوترات بين نيودلهي وإسلام آباد، بعد تفجير في 14 فبراير/شباط لسيارة ملغومة ما أسفر عن مقتل 40 من قوات الأمن الهندية على الأقل في الشطر الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير، ولا يزال القصف المتبادل خبراً أساسياً ومتكرراً بنشرات الأخبار في الأسابيع الماضية.
واكتسب الهجوم الانتحاري الذي قتل أفراد القوات شبه العسكرية الهندية أهمية إضافية في الداخل الهندي، إذ جاء الحادث في سياق الانتخابات العامة التي تلوح في الأفق في الهند والتي يحاول حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي الاحتفاظ خلالها بقبضته على السلطة، وهو ما يجعل لهذا التصعيد بين الجارتين اللدوديتين أهمية خاصة في السياسة الداخلية الهندية في هذا التوقيت بالغ الأهمية.
هل نجح مودي وحزب بهارتيا في إقناع الناخبين؟
وصل مودي وحزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة بأغلبية ساحقة في مايو 2014 ، واعدا بالتطور الحكومي والاقتصادي الكفء والنظيف.
ومع ذلك ، لم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة للحكومة خاصة في الأشهر الأخيرة إذ يعاني الاقتصاد الهندي من الآثار بعيدة المدى لقرار صادم بإلغاء أوراق النقد من الفئات الكبيرة في محاولة لكشف ثروات مخفية في عام 2016.
وفي ظل عدم القدرة على توليد وظائف جديدة وفرص عمل خاصة للشباب هًزم حزب بهاراتيا جاناتا أيضا في انتخابات الولاية الخمس في عام 2018 ، بما في ذلك المقاطعات الرئيسية في الحزام الهندي مثل راجستان ومادهيا براديش.
وتسبب قرار الحكومة وبنك الاحتياطي الهندي المركزي قبل عامين ونصف بغضب شعبي واحتشد الآلاف من المواطنين أمام البنوك في أنحاء البلاد لتغيير الأوراق النقدية من فئة خمسمئة روبية وألف روبية التي ألغتها الحكومة في خطوة مفاجئة لتطهير الاقتصاد.
وتشكل أوراق النقد الملغاة أكثر من 80% من العملة المتداولة في الهند، وهو ما يجعل ملايين المواطنين يعانون من شح السيولة ويهدد بشل الاقتصاد.
وفي خضم سيناريو التوتر بين الجارين والأمن المتذبذب الذي يمكن أن يخيف المستثمرين والغموض السائد في الأسواق العالمية ، عمدت الحكومة الهندية (28 فبراير الجاري) إلى تعديل تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد للعام المالي 2019 إلى 7٪ ، وبذلك تكون الأبطأ خلال خمس سنوات، وتصل حالياً لأدنى مستوى لها في ستة أشهر، والأرقام المعلنة بعيدة كل البعد عن وعود مودي بزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي أثناء الحملة الانتخابية في عام 2014. وكانت وعود (الأيام الجيدة) قد أذهلت الناخبين وأدت إلى فوز حزب بهاراتيا جاناتا (BJP).
لكن مع اندلاع حرب التصريحات والمواقف والقصف المتبادل بين الهند وباكستان ، سيكون المستفيد الوحيد هو حزب بهاراتيا جاناتا. وفي الوقت الذي يرتفع فيه الحماس الشعبي في الهند والتأييد الجماهيري للحزب الحاكم، فإن الرئيس والنخبة المقربة منه سيأملون في أن يحتفظوا بمناصبهم الحالية بعد الانتخابات المقبلة بالاستفادة من تلك الموجة.
والآن ، مع حلول الانتخابات في مايو المقبل ، تتعرض الحكومة لضغوط على مختلف الجبهات. وتواجه الهند أزمة حادة في الوظائف ، حيث ارتفع معدل نمو البطالة إلى أعلى مستوى له منذ 45 عامًا في العام المالي 2018. حتى إن هذه الأرقام الصعبة تتناقض بشكل حاد مع وعود توفير عشرة ملايين وظيفة التي وعد بها حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2014 وكانت أحد أسباب فوزه حينها.
وإلى جانب ذلك تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر لأول مرة منذ خمس سنوات، وشكلت قيود التمويل أزمة إضافية في أعقاب أزمة السيولة في قطاعات الشركات المالية غير المصرفية.
رئيس هندي يميني متشدد
ومع كون سجل مودي المفترض للكفاءة الاقتصادية والحكم الرشيد لا يزال جديداً وفي طور التجريب والتحدي ، فقد اعتمد بشكل متزايد على نسخة حزبه الخاصة من القومية المتطرفة للحفاظ على دعم الجماهير.
وترى إيديولوجيا هندوتفا التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الهند كدولة هندوسية وتعتقد أن جميع المسلمين الهنود كان يجب أن يكونوا مضطرين للانتقال إلى باكستان عام 1947 ، وهم يشكلون الآن طابورا خامسا في البلاد. لذا فإن هجومًا مثل التفجير الانتحاري الأخير – سواء أكان فعلًا من قبل باكستان أم لا – يلعب دورًا في قصة مودي.
فشل الاتفاق مع حكومة كشمير الموالية للهند
ويساعد الهجوم الذي نفذه شاب من كشمير الهندية في توضيح فشل حكومة مودي في التعامل مع مشكلة كشمير. فلأكثر من ثلاث سنوات كان حزب بهاراتيا جاناتا نفسه جزءًا من حكومة كشمير بالتحالف مع حزب الشعب الديمقراطي الذي تترأسه محبوبة مفتي الموالية للهند. وقد انهار هذا التحالف في عام 2018 ، بسبب خلافات بين الحزبين حول كيفية التعامل مع زيادة العنف في كشمير وما يسمى بتطرف الكشميريين الشباب ، الذين حملوا السلاح مرة أخرى ضد الهند.
واعلنت جماعة جيش محمد ، على غير العادة ، المسؤولية الفورية عن الهجوم. وبالمثل ، كان الرد الهندي على الهجوم هو الأول ، حيث قررت مهاجمة باكستان. تعتبر غارة الهند الجوية الأخيرة أول استخدام رئيسي للقوة الجوية ضد باكستان منذ عام 1971.
في هذه المرحلة ، هناك ادعاءات ومطالبات مضادة من الجانبين حول ما حققته غارات القصف الهندية. تهدد باكستان برد مناسب ، لذلك هناك إمكانية لتصعيد هذه الحالة المتقلبة بين دولتين مسلحة نوويتين.
جذور النزاع بين القوتين النوييتن
وتعود جذور نزاع كشمير لمرحلة فك ارتباط الاستعمار البريطاني في شبه القارة الهندية. فعند الاستقلال في عام 1947 ، حاول مهراجا الهندوس الكشميري الذي لا يحظى بشعبية منع رجال القبائل الباكستانيين في المنطقة المتنازع عليها. وطلب من الهند المساعدة ، ووقع على معاهدة انضمام لكشمير داخل الاتحاد الهندي وهكذا بدأت الحرب الأولى بين الهند وباكستان.
وبدأت اشتباكات قوات الهند وباكستان بعد أن سيطرت باكستان على ثلث كشمير في عام 1948.الذي تحتفظ به فيما تحتفظ الهند بالثلثيين المتبقين بما في ذلك وادي كشمير.
وتم تحديد الحدود بين هاتين المنطقتين في كشمير من قبل خط المراقبة الذي أنشئ بعد الحرب في 1947-1948. وتغير هذا الترسيم الحدودي قليلا في جميع الصراعات بين البلدين في السنوات اللاحقة.
وتم دعم تحرك المهراجا هاري سينج للانضمام إلى الهند من قبل الحركة السياسية الكشميرية العلمانية المعروفة بإسم المؤتمر الوطني ، بقيادة الشيخ عبد الله.
ووافقت الهند على وضع خاص لكشمير داخل الاتحاد الهندي – المنصوص عليها في المادة 370 من الدستور الهندي. هناك مادة أخرى في الدستور تحظر على الناس من خارج كشمير شراء الأراضي والممتلكات في الولاية ، مما يسمح لحكومة كشمير الموالية للهند بالحفاظ على التوازن بين سكانها الإثنيين والدينيين المختلطين (60٪ من المسلمين و 35٪ من الهندوس و 5٪ بوذيين).
وكان مفتي محمد سيد رئيس وزراء جامو وكشمير السابق الذي تحتفظ ابنته محبوبة بمنصبه قد دخل في شراكة غير معتادة مع حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي ينتمي إليه مودي، ودعا سيد للحوار مع باكستان لتسوية النزاع بينهما، وسعى لتشجيع التجارة والسفر بين الشطرين المنقسمين من المنطقة الواقعة على سفوح جبال الهيمالايا.
وهناك الدور الأمريكي أيضاً
لم يُظهِر ترامب اهتماماً يُذكَر بكونه على مسافة واحدة من مختلف الأطراف في المنطقة، فانحاز على نحوٍ متزايد إلى الهند ونبذ باكستان، جزئياً بسبب تراكم الشكوك الأمريكية حيال الدور الذي اضطلع به الجيش الباكستاني في التساهل سراً مع الجماعات "الإرهابية" على الأراضي الباكستانية وفي أفغانستان، وهو الاتهام الذي تنفيه إسلام آباد بشدة.
وأوضح ترامب موقفه تجاه باكستان في يناير/كانون الثاني 2018، حين ألغى خططاً لمنح باكستان مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، وفرض عليها عقوباتٍ بسبب دعمها المزعوم للجماعات الإرهابية. واتَّهم باكستان على تويتر صراحةً بـ "عدم تقديم أي شيء سوى الأكاذيب والخداع".
وعلى العكس من ذلك، احتفى الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، فأثنى علناً على قيادته، ووقَّع عدة اتفاقيات للتعاون العسكري مع الهند، وأعاد تسمية "القيادة الأمريكية لمنطقة المحيط الهادئ" ليصبح "القيادة الأمريكية لمنطقة الهند والمحيط الهادئ" في عام 2018.
لكنَّ النفوذ الأمريكي في المنطقة تراجع بسبب الإهمال الواضح، إذ كان اهتمام ترامب مُنصبَّاً على مناطق أخرى، فركَّز على إطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وإقامة علاقة صداقة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وسعى للضغط على النظام في طهران بقوة تكفي لدفع الطبقة الوسطى الإيرانية للثورة.
وحتى درجة النشاط الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة كان الهدف منها تأمين التوصُّل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأفغانية وإعادة القوات الأمريكية إلى بلادها. فعلى سبيل المثال، لا يوجد مساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون وسط وجنوب آسيا. وتحظى مساعدة وزير الخارجية، الدبلوماسية المخضرمة أليس ويلز، باحترامٍ كبير، لكنَّها لا تملك التأثير السياسي لرايس أو ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي إبَّان أزمة 2002، وهو رجلٌ يملك إرث عقدين من الزمن من الاتصالات مع الجيش الباكستاني.
يوجد أيضاً شعور بأنَّ هذه الأزمة اندلعت دون إشاراتٍ تُذكَر. إذ استمر الخلاف في كشمير بإطلاق النار المتكرر عبر الخط الفاصل في كشمير، وتخلَّلته اعتداءات واسعة النطاق، لكن لم تكن هناك معلومات مسبقة عن هجومٍ "إرهابي كبير" على مجندي الجيش الهندي، ناهيك عن هجوم "إرهابي كبير" بما يكفي لدفع الطائرات الحربية لتجاوز الحدود.
والنزاع طويل بين الجارين اللدودين
وتتهم نيودلهي، إسلام أباد بتسليح وتدريب "انفصاليي" كشمير، الذين يقاتلون من أجل الاستقلال أو الاندماج مع باكستان منذ عام 1989، إلا أن الأخيرة تنفي ذلك وتقول إن دعمها يقتصر على تقديم الدعم المعنوي والسياسي للكشميريين.
ومنذ عام 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، فضلًا عن اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص في ظل حكم السلطات الهندية، بحسب الجهات المناوئة لنيودلهي، الأمر الذي يهدد استمراره بتفجر حرب رابعة بين الهند وباكستان، هي الأولى بعد دخولهما النادي النووي في تسعينيات القرن الماضي.
وصدر عن الأمم المتحدة 12 قراراً متعلقاً بكشمير منذ بداية الأزمة، عام 1947، رسخت جميعها بشكل كامل مبدأ حق تقرير المصير لشعب الإقليم، الأمر الذي اشترطت باكستان بأن يُعهد تنفيذه إلى الأمم المتحدة، بينما ترفض الهند ذلك حتى اليوم، وخاض الجاران النوويان 3 حروب أعوام 1948، و1965، و1971.
إذن هل تخاطر الهند ببدء حرب شاملة أخرى؟
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، إن الهند –على الأغلب- لن تورط نفسها بحرب شاملة، فمع أنَّ هناك ضغطاً داخلياً هائلاً للرد بقوة، لطالما كانت الهند مُقيدة بحقيقة أنَّ كلا البلدين يملكان أسلحةً نووية. فبعد هجوم 2016 على مدينة أوري، أذنت حكومة مودي بضربات محدودة وتأكَّدت من عدم تصعيد الوضع، وهو مأزق ساعد فيه نفي باكستان وقوع أي هجمات عابرة للحدود.
لكن هذا الهجوم الأخير يأتي في الوقت الذي يشهد تراجع حزب مودي في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات، ما قد يفرض مزيداً من الضغط على رئيس الوزراء الهندي، للقيام بردٍّ أوسع لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة لصالحه.
ما المرجح حدوثه الآن؟
بحسب بلومبيرغ، فمن المرجح أن تتعرَّض باكستان لضغوطٍ دبلوماسية جديدة. وقد دعا البيت الأبيض باكستان لـ "إنهاء الدعم والملاذات الآمنة المُقدَّمة لكل الجماعات الإرهابية العاملة على أراضيها".
وتفرض الأزمة ضغوطاً كذلك على الصين، الحليف المقرب لباكستان، كي تُغيِّر موقفها في مجلس الأمن، إذ عرقلت بكين محاولات الهند إدراج زعيم جماعة "جيش محمد"، مسعود أظهر، على لائحة الإرهاب.
وأعادت وزارة الخارجية الصينية دعوتها الهند وباكستان لممارسة ضبط النفس. وسعت باكستان للحصول على مساعدة الأمم المتحدة لتهدئة الموقف، فيما تواصلت الهند مع بلدان تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا، وحثَّت حكومة إسلام آباد على التحرُّك ضد الجماعات الإرهابية الموجودة في البلاد.