في منتصف عام 2018، كانت أنظار العالم متجهة صوب منتجع كابيلا، في جزيرة سينتوسا بسنغافورة، حيث كان أول اجتماع بين رئيس أمريكي وزعيم كوريا الشمالية، إنها قمة كيم وترامب الأولى، التي أَسَّست للقاء الثاني، الذي على ما يبدو قد فشل، الخميس 28 فبراير/شباط 2018.
القمة السابقة التي كانت في يونيو/حزيران 2018، كان يُنظر إليها على أنها الاجتماع الدعائي، دون انتظار نتائج ملموسة من ورائها، خاصة أنها الأولى بين زعماء واشنطن وبيونغ يانغ، لكن هذه المرة اصطدمت أحلام كل منهما بمصالح الآخر، لاعتبار أن هذه القمة كان الهدف منها تحقيق نتائج ملموسة في الملفات العالقة والهامة بين البلدين.
ما هي الملفات الشائكة؟
- برنامج بيونغ يانغ النووي:
قبل قمة العام الماضي كان برنامج الصواريخ النووية هو الأمر الأخطر الذي كان يثير غضبَ الإدارة الأمريكية، وفي بعض الأوقات خوفها من كوريا الشمالية، ولاسيما أن عام 2017 شهد توتراً كبيراً بين واشنطن وبيونغ يانغ، بسبب تجارب كيم المتكررة، لكن بعد اللقاء الأول الذي لم يشرع فيه أي من الزعيمين التحدث صراحة عن نقاط الخلاف الحساسة بينهما، كان الأمر مختلفاً هذه المرة.
الزعيم الكوري الشمالي عبَّر الخميس 28 فبراير/شباط، عن استعداده للتخلي عن أسلحة بلاده النووية، قائلاً إنه ما كان لِيَعقد قمة ثانية مع ترامب لو لم يكن مستعداً لذلك.
ولم يُدلِ كيم بتفاصيل بشأن ما سيستلزمه "نزع السلاح النووي"، لكنه سُئِل عما إذا كان مستعداً لاتخاذ إجراءات ملموسة، فقال إنه تحدَّث للتوّ بشأن ذلك مع ترامب، قبل أن يختلف الزعيمان.
فبرغم تصريحات كيم التي لا يمكن النظر إليها إلا في سياقها الدبلوماسي، فإن الحقيقة لن تكون بهذه السهولة، فلن ترضخ كوريا الشمالية لمطالبات ترامب بتخليها عن البرنامج النووي، ولن تقدم أي تنازلات إلا إذا رأت مقابلاً أمريكياً يستحق، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية، التي ربما قد تكون هي السبب في فشل المفاوضات هذه المرة.
مسؤولون أمريكيون وكوريون جنوبيون قالوا إنهم بحثوا إجراءات لنزع الأسلحة النووية جزئياً، مثل السماح للمفتشين بمراقبة تفكيك مفاعل يونغ بيون النووي، في كوريا الشمالية.
في المقابل ستكون التنازلات الأمريكية عبارة عن فتح مكاتب اتصال، أو تمهيد الطريق أمام إقامة مشروعات بين الكوريتين، وهو ما لم يوافق عليه كيم فقط، فالزعيم الكوري يحتاج إلى المزيد كي يوقف برنامجه النووي، الذي يُعد من ثوابت أمنه القومي.
- العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية:
يعد ملف العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية هو الأهم في المفاوضات التي انتهت للتو في فيتنام، فبيونغ يانغ على قائمة الدول المارقة في القائمة الأمريكية، كما أن الاقتصاد الكوري الشمالي يعاني الأمرّين من هذه العقوبات، كان اللقاء قد ناقش هذا الأمر بشكل مفصل، لكن ترامب رفض التطرّق إليه رغم مطالب كيم.
ففي عام 2018 أدرجت الخزانة الأمريكية 27 شركة للنقل والملاحة البحرية، و28 سفينة، وفرداً واحداً على قائمتها للعقوبات ضدَّ كوريا الشمالية، ضمن أكبر حزمة عقوبات على بيونغ يانغ، وفق البيت الأبيض.
كما حذَّرت الخزانة الأمريكية في حينها من "مخاطر فرض عقوبات على الأطراف التي تواصل السماح بنقل البضائع عبر البحر إلى كوريا الشمالية ومنها".
وبيَّنت واشنطن أن توسيع العقوبات ضد بيونغ يانغ "يأتي في إطار الحملة لممارسة أكبر قدر من الضغط (على كوريا الشمالية)، وهذا نهج حكومتنا".
وأكدت واشنطن أن هذه العقوبات هي الأكبر، لكنها ليست الأخيرة، والولايات المتحدة ستستمر في فرض العقوبات على كوريا الشمالية مستقبلاً، حتى "نزع السلاح النووي منها بالكامل".
هذه العقوبات وغيرها كانت سبباً هاماً في رغبة الزعيم الكوري في الجلوس مع ترامب، لكن تصريحات ترامب أثناء الاجتماع تؤكد رفض الرئيس الأمريكي التام لرفع هذه العقوبات.
وقال ترامب إن الاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية لم يُسفر عن التوصل لاتفاق بسبب مطالب كوريا الشمالية برفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وقال ترامب للصحفيين: "بشكل أساسي كانوا يريدون رفع العقوبات كلية، لكننا لا نستطيع فعل ذلك… كان يتعيَّن أن ننسحب".
- إعلان وقف الحرب في شبه القارة الكورية:
من نقاط الخلاف الحساسة أيضاً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية الحرب الكورية بين الجارين الشمالي والجنوبي، فكلا البلدين لديه تحالفات هامة مع القوى الدولية الكبيرة، فكوريا الشمالية تربطها علاقات وثيقة بالصين، العدو التقليدي للولايات المتحدة، كذلك فإن الشق الجنوبي من كوريا تربطه علاقات قوية بأمريكا، ومن ثم كانت قمة ترامب تهدف إلى تفكيك التحالف الكوري الشمالي مع الصين، في حال أُعلن رسمياً عن وقف الحرب بين الكوريتين، والتي ترجع لحقبة الحرب العالمية الثانية.
الرئيس الأمريكي وخلال الفترة بين القمتين لم يكن يتوقع أن يتم الإعلان عن وقف الحرب بين الكوريتين، رغم زيارة زعيمي البلدين التاريخية، لكنه أراد أن يصبح هذا الأمر كورقة ضغط على الزعيم الكوري الشمالي، للتملّص من رفع العقوبات الأمريكية عن بيونغ يانغ، رغم أنه يدرك تماماً مدى هذه الخطوة لكوريا الشمالية.
أيضاً كيم كان لديه ربما نفس الموقف تجاه الإعلان رسيماً عن وقف الحرب التي هي بالأساس مجمَّدة منذ 1950، لكن يريد الزعيم الكوري أن يحتفظ ببعض أوراق الضغط في محادثاته مع الرئيس الأمريكي، التي قد تكون لها جولات في الفترة المقبلة، بحسب ما أشار ترامب، الذي قال إنه غير متعجّل من أجل التوصل إلى حلٍّ شامل مع كوريا الشمالية.
- ماذا يريد ترامب من هذه القمة؟
فَشِلت القمة هذه المرة في النهاية، لكن الرئيس الأمريكي كان يراهن على استمرارها لعدة أسباب، فيما هو داخل في ظل ما يواجهه من ضغوط داخلية بشأن التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، في نفس الوقت محاولة تحقيق فوز كبير، بإقناع كوريا الشمالية أن تتخلى عن أسلحتها النووية، مقابل وعود بالسلام والتنمية، وهو من أهداف السياسة الخارجية التي لم يتمكن عدد من أسلافه من تحقيقها.
أيضاً يحاول ترامب من خلال هذه القمة إقناع الأمريكين الرافضين للتقارب مع كوريا الشمالية، بأنه نجح في ترويض الزعيم الكوري، وثناه عن إجراء اختبارات نووية أو بالستية جديدة منذ القمة السابقة، وهو ما حدث بالفعل، إذ لم يشهد العام الأخير أيّ إجراء من قِبَل كوريا الشمالية بشأن تطوير برنامجها النووي وتجاربها البالستية المتكررة.