منذ استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي في يوليو/تموز 1962، تناوب 9 رؤساء على حكم البلاد، آخرهم عبد القادر بو صالح الذي استلم الحكم بشكل مؤقت بعد استقالة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد قرابة 20 عاماً، واضطر للتنحي بعد موجة احتجاجات غاضبة اجتاحت الشارع الجزائري.
فما هي الأطوار السياسية التي مرت بها الجزائر منذ أن نالت استقلالها؟
ما بعد استقلال الجزائر
لم يكن للأحزاب السياسية تأثيرٌ كبيرٌ في الشارع قبيل الاستقلال، ما أتاح للتيارات الشعبية قيادة الثورة على فرنسا – أو "المجتمع الأم" كما كانت باريس تعتبر نفسها -.
وبالفعل، اندلعت الثورة الجزائرية بإمكانات مادية ضعيفة؛ حيث كان الثوّار يستخدمون بنادق الصيد والسكاكين في بدايات المواجهة المسلحة مع المستعمر، إلى أن انتهى الأمر باستقلال الجزائر بعد 130 عاماً من الاحتلال، في حربٍ راح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد.
أحمد بن بلة 1963: الرئيس المعزول.. صديق عبد الناصر
تبع الاستقلال وصول أحد أبرز مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية وهو أحمد بن بلة إلى السلطة في سبتمبر/أيلول 1963.
تدرج بن بلة في عدة مناصب ومسؤوليات إلى أن وصل إلى الحكم، وحظي حينها بدعم كبير من نظيره المصري آنذاك جمال عبد الناصر.
كان معجباً بالفكر الاشتراكي اليساري، وحكم 13 عاماً اتهمه البعض خلاله بأنه شذّ عن مسار الثورة الجزائرية واستأثر بالسلطة.
كما اتهمه بعض المعارضين باتباع نهجٍ ديكتاتوري، وكان يُأخذ عليه احتكاره 9 مناصب حساسة في وقت واحد.
انتهى به الأمر معزولاً من قبل مجلس الثورة بقيادة من كان أحد أقرب رفاق النضال ضد المستعمر؛ هواري بومدين.
لجأ بومدين إلى الانقلاب إنقاذاً للثورة وتصحيحاً للمسار السياسي وحفاظاً على مكتسبات الثورة الجزائرية، كما أعلن.
إثر عزله، سُجن بن بلة 15 سنة في مكان معزول ولم تُجدِ تدخلات جمال عبد الناصر الشخصية في إطلاق سراحه.
هواري بومدين 1976: وصل إلى السلطة بانقلاب.. وأمَّمَ الأراضي والمحروقات
كان هواري بومدين قائد الأركان العامة لجيش التحرير الوطني، إبان حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي.
شغل منصب وزير الدفاع في عهد بن بلة، قبل أن يَعزل "رفيق السلاح". وبقي رئيساً للجزائر حتى وفاته في العام 1978.
يعتبر بومدين أحد قادة الجزائر الأكثر إثارة للجدل؛ إذ يرى مؤيدوه أن الجزائر ازدهرت سياسياً واقتصادياً في عهده حيث أنه وضع نهايةً لسوء إدارة أحمد بن بلة،
ونظم السلطات المحلية، أمم الأراضي الزراعية والمحروقات، وأطلق مجانية التعليم.
إلا أن معارضيه يأخذون عليه عدم فتحه الباب أمام الحريات العامة.
تعامل بومدين بحذر مع التعددية النقابية والسياسية وجمّد العمل البرلماني، مكرساً قبضة الجيش على السلطة.
اتهمه البعض أيضاً بعدم التعامل بالصرامة الكافية مع التجارب النووية والكيميائية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
1979 الشاذلي بن جديد: عصر الانفتاح في الجزائر
بعد وفاة بومدين، تقلد الحكم رابح بيطاط لفترة انتقالية لم تتجاوز 45 يوماً، ليخلفه الشاذلي بن جديد الذي استطاع الحفاظ على الحكم لمدة 13 عاماً.
ظلت سياسة الشاذلي وفية لنهج هواري بومدين بشكلٍ عام، لكنه أجرى بعض التغييرات مثل الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي لم يكن موجوداً في عهد سلفه.
كان من أهم ما قام به بن جديد، إطلاق سراح أحمد بن بلة، والسماح بعودة المعارضين السياسيين إلى الجزائر، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
كما انتهج الشاذلي سياسة الانفتاح على الدعاة الإسلاميين خارج البلاد.
الانفتاح الذي اعتمده الشاذلي في سياسته جاء نتيجة غضب الشارع الجزائري من الحالة السياسية القمعية التي كانت سائدة في البلاد.
1988: خريف الغضب يعصف بالجزائر
في نوفمبر/تشرين الأول 1988 شهدت الجزائر العاصمة تظاهر حاشدة، سرعان ما امتدت لتشمل كل مدن البلاد تقريباً.
حينها، هاجم المتظاهرون كل ما صادفهم من مبانٍ ترمز إلى سلطة الدولة.
فاضطّر الشاذلي بن جديد أن يعلن عن مشروع للإصلاحات السياسية والاقتصادية، لتجاوز الانتفاضة الشعبية العارمة وآثارها.
دعا الشعب الجزائري لإبداء رأيه في الدستور الجديد المعدّل الذي تصبح التعددية السياسية بموجبه متاحةً وكذلك التعددية الاعلامية.
مرّت التعديلات الدستورية بموافقة الشعب في شهر فبراير/شباط من العام 1989 وكان ذلك إيذاناً بميلاد التعددية السياسية والإعلامية للمرة الأولى منذ الاستقلال.
شرع المعارضون التقليديون للنظام بالعودة إلى الجزائر، وتشكيل الأحزاب المعارضة التي كانت محظورة قبل هذا التاريخ.
جلبت أول انتخابات ديموقراطية في تاريخ الجزائر الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة، لكن الجيش تدخّل وأبطل الانتخابات وأجبر الشاذلي على الاستقالة في العام 1992، بعد 13 عاماً من الحكم.
1992 محمد بوضياف: السي الطيب الوطني
يعد محمد بوضياف أحد كبار رموز الثورة الجزائرية وقادتها، لقب بالـ "السي الطيب الوطني".
بعد استقالة الرئيس الشادلي بن جديد، استدعى الجيش بو ضياف ليكون رئيسا للجزائر بعد إبطال نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدت تقدم الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
رفض بو ضياف أن يتقاضى راتبا ليؤكّد على نزاهته، وأنّه يختلف عن الآخرين الذين اتهموا باختلاس أموال الجزائر.
لكن في 29 يونيو/حزيران 1992، اغتيل الرئيس محمد بوضياف بينما كان يلقي خطاباً في قاعة مغلقة في مدينة عنابة.
وظلت ملابسات الاغتيال غامضة.
1992 علي كافي: خليفة بوضياف الضعيف
في يناير/كانون الثاني 1992، عين علي كافي عضواً في المجلس الأعلى للدولة ثم رئيساً له، بعد اغتيال محمد بوضياف.
دامت فترة قيادته للدولة الجزائرية عبر المجلس الأعلى للدولة لغاية تسليمه للسلطة لليمين زروال في العام 1994.
1994 اليمين زروال: هل كان حقاً أول رئيس منتخب؟
تدرج اليمين زروال في عدة مناصب في الدولة بعد الاستقلال، إلى أن استلم السلطة في العام 1994.
يعد أول رئيس للجمهورية انتخب بطريقة ديمقراطية، إلا أن بعض معارضيه شككوا بنزاهة الانتخابات.
حكم الرئيس زروال البلاد في أصعب الظروف ويعاب عليه عدم قدرته على التحكم في تناقضات المشهد السياسي للجزائر، وعدم مرونته في التعامل مع القضايا الشائكة.
لكن مناصريه يعتبرون أنه كان شجاعاً عندما تحمل مسؤولية الرئاسة في ظروف "العشرية السوداء" الصعبة.
كما أنه الأكثر نزاهة وتواضعاً من بين كل رؤساء الجزائر، حيث عاد بعد نهاية عهدته إلى منزله المتواضع في مسقط رأسه – باتنة -.
في 11 سبتمبر/أيلول 1998 أعلن الرئيس زروال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ليسلّم السلطة لخلفه في 27 أبريل/نيسان 1999.
عبد العزيز بوتفليقة 1999: الرئيس المستورد؟
عندما أنهى زروال عهدته الرئاسية كان بوتفليقة مستقراً في الإمارات العربية المتحدة.
وعاد إلى الجزائر بطلب من دوائر السلطة للانتخابات الرئاسية، حيث دخل المنافسة كمرشح حر.
لكن قبل يوم من إجراء الانتخابات انسحب جميع المرشحين المنافسين لبوتفليقة بحجة دعم الجيش له، ليبقى المرشح الوحيد لرئاسة البلاد.
بدأت وعكاته الصحية في العام 2005، وتعرض لمحاولة اغتيال نجا منها في العام 2007.
عدل الدستور ليترشح لفترة رئاسية ثالثة إذ كان عدد العهدات المسموح بها اثنتان فقط في الدستور القديم.
انتخب للمرة الثالثة، ثم الرابعة بأغلبية رغم مرضه الشديد.
تعرض لجلطة دماغية في العام 2013، نقل إثرها إلى مصحة في باريس وعاد منها إلى الجزائر على كرسي متحرك.
ترشح بوتفليقة للفترة الرئاسية الخامسة للانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان من العام 2019، مما فجر الشارع الجزائري غضباً، وتوالت التظاهرات حتى أجبرت الرئيس الجزائري على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان 2019 بعد حكم دام قرابة 20 عاماً.
عبدالقادر بن صالح 2019
بعد استقالة بوتفليقة أعلن البرلمان الجزائري عبدالقادر بن صالح رئيساً للدولة لمدة 90 يوماً وفقاً للمادة 102 من الدستور، وذلك في 9 أبريل/نيسان 2019.
ينتمي بن صالح لحزب التجمع الوطني الديمقراطي وكان قد عمل كرئيس لمجلس الأمة (الغرفة العليا في البرلمان الجزائري) لمدة 17 عاماً قبل أن يتولى الرئاسة المؤقتة للبلاد.
وبعد انقضاء فترة الـ90 يوماً مدد المجلس الدستوري بفتوى دستورية بقاء رئيس الدولة بن صالح في منصبه لغاية تنظيم الانتخابات الرئاسية الجديدة لعام 2019.
وبالرغم من أنه من المقرر أن تجرى انتخابات لرئاسة الجمهورية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، إلا أن الشارع الجزائري مستمر في التظاهر والاحتجاج تعبيراً عن رفضه للمرشحين الخمسة الذين يعتبرهم الشعب ذيولاً لنظام بوتفليقة.
حيث يوجد اثنان من المرشحين كانا قد توليا سابقاً رئاسة حكومة بوتفليقة هما عبدالمجيد تبون وعلي بن فليس، أما بقية المرشحين (عزالدين ميهوبي وعبدالقادر بن قرينة وعبدالعزيز بلعيد) فقد تقلدوا أيضاً مناصب رفيعة في حكومة بوتفليقة مما دفع الشارع الجزائري إلى رفض تلك الانتخابات معتبراً إياها إعادة تدوير لنظام بوتفليقة الفاسد.