أعلن وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، استقالته، أول من أمس، على حسابه بإنستغرام، لم يأخذ الأمر كثيراً حتى يرفض الرئيس حسن روحاني استقالته سريعاً، وبين التخمينات والتحليلات عن أسباب هذه الاستقالة، يبرز سؤال: من هو محمد جواد ظريف؟ هذا الدبلوماسي الذي استطاع أن يزيد القوة الناعمة لإيران بشكلٍ يكاد يكون استثنائياً.
تولّى محمد جواد ظريف وزارة الخارجية الإيرانية عام 2013 بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً للبلاد. قاد الوفد الإيراني المخوَّل بالتفاوض مع مجموعة القوى العظمى 5+1 المكونة من الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا حول برنامج إيران النووي.
نتج عن هذا التفاوض الاتفاق على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في يوليو/تموز عام 2015.
كما عمل ظريف بالبعثة الإيرانية الدائمة لدى مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وتقلَّد العديد من المناصب بوزارة الخارجية الإيرانية، من بينها منصب مستشار وزير الخارجية ونائب الوزير للشؤون القانونية والدولية.
وصفه المعلِّقون الإيرانيون بأنه "دبلوماسيٌّ مخضرمٌ". حصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، ويتحدّث الإنجليزية بطلاقةٍ.
كتب عدداً هائلاً من المنشورات في السياسات الأجنبية، وقد عمِل أستاذاً زائراً في معهدين بطهران. أُعيد تعيين ظريف وزيراً للخارجية في أغسطس/آب عام 2017 خلال الفترة الرئاسية الثانية لروحاني.
اقرأ أيضاً
البدايات في أمريكا!
ولد ظريف في 8 يناير/كانون الثاني عام 1960، لعائلةٍ متدينة تقطن بطهران، متزوّج ولديه طفلان منذ عام 2006، درس في أمريكا، وكان عضواً باتحاد الطلاب المسلمين في كندا وأمريكا.
كما عمل في مجالس تحرير العديد من الصحف الأكاديمية، منها الصحيفة الإيرانية للشؤون الدولية و Iranian Foreign Policy. وكتب بغزارةٍ عن نزع السلاح، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والنزاعات الإقليمية.
حصل ظريف على درجة البكالوريوس في مجال العلاقات الدولية من جامعة سان فرانسيسكو، بأمريكا عام 1981. كما حصل على درجة الماجستير في مجال العلاقات الدولية من جامعة سان فرانسيسكو، بأمريكا عام 1982.
أكمل رسالة الماجستير في مجال العلاقات الدولية في جامعة دنفر، بأمريكا عام 1984. كما حصل على شهادة الدكتوراه في القانون والسياسة الدولية من كلية الدراسات العليا في مجال الدراسات الدولية بجامعة دنفر، بأمريكا عام 1984.
عيِّن في عام 1982 بالبعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كما تقلّد مناصب: مستشارٍ، وقنصلٍ، وقائمٍ بالأعمال. وفي عام 1989 عُيِّن أستاذاً زائراً بكلية العلاقات الدولية في طهران.
في نفس العام عُيِّن كذلك ممثلاً دائماً لإيران في الأمم المتحدة بنيويورك.
اقرأ أيضاً
يتصاعد في سلّم الخارجية الإيرانية
وفي نفس العام عُيِّن مستشاراً لوزير الخارجية الإيراني، كما عُيِّن عام 1992 نائباً لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية. وفي 23 يونيو/حزيران 1996 أوكل إلى فاطمة ابنة الرئيس الإيراني في ذلك الوقت أكبر هاشمي رافسنجاني إدارة المرأة والشؤون الاجتماعية الدولية بوزارة الخارجية.
في عام 1997 وبصفته نائباً لوزير الخارجية الإيراني، ألقى خطاباً في المؤتمر الاقتصادي الدولي المُقام في مدينة دافوس بسويسرا تعرّض فيه لموضوع الفتوى الخاصة بالكاتب الهندي-الإنكليزي سلمان رشدي قائلاً: "هذا الكتاب المدنس قد أهان القيم الدينية التي يعتنقها أكثر من 1.5 مليار مسلم".
وأضاف قائلاً: "دعم بعض الدوائر السياسية لهذا الكاتب الزنديق وروايته (آياتٌ شيطانيةٌ) يتسبب في التأثير سلباً على روابط الصداقة بين أوروبا والعالم الإسلامي". انتخب في عام 2000 رئيساً للجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة (UNDC) كما أصبح في نفس العام عضواً في مجموعة الأمم المتحدة للشخصيات البارزة لإجراء الحوار بين الحضارات.
في 9 فبراير/شباط 2003 وقُبيل الغزو الأمريكي للعراق، الذي وقع في مارس/آذار من نفس العام، أوردت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) أنه قال إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أمدّت العراق بأسلحة الدمار الشامل لاستخدامها ضد إيران.
وفي ديسمبر من عام 2004 أورد موقع إيران الإخباري أنه قد يكون على رأس فريق المفاوضات في ما يتعلق بالمباحثات النووية الإيرانية. كما أورد الموقع أيضاً أن رئيس فريق المفاوضات أمير حسين زماني نيا سيترك منصبه؛ لأنه سيشغل منصب سفير إيران في ماليزيا، وأن ظريف سيحل محله على الأرجح.
في 20 ديسمبر/كانون الأول 2006 في خطابٍ أرسله إلى السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان مفاده أن السلام والاستقرار لن يتحققا في الشرق الأوسط طالما امتلكت إسرائيل سلاحاً نووياً.
قال ظريف: "لا شك في أن وجود سلاحٍ نوويٍ في يد نظامٍ صاحب تاريخٍ فريدٍ من عدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن، وسجلٍ طويلٍ ومظلمٍ من الجرائم والانتهاكات مثل الاحتلال، والعنف، والسياسات المسلحة، وإرهاب الدولة، والجرائم ضد الإنسانية يمثل تهديداً حقيقياً للأمن والسلام الإقليمي والدولي".
وفي 21 مايو/أيار 2007 قاد بعثةً إيرانيةً للمحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة الوضع الأمني في العراق. وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2013 انتُخِب رئيساً للقسم الثقافي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وفي 24 أغسطس/آب عقب توليه مهامه وزيراً للخارجية، وثّق صفحته الشخصية المنسوبة إليه على موقع فيسبوك، والتي تحمل اسمه (jzarif) قائلاً: "سوف أتولى أنا وابني مهمة النشر على هذه الصفحة. محمد جواد ظريف".
في 4 سبتمبر/أيلول 2013 أنشأ على موقع تويتر صفحته الرسمية @JZarif. وصرح بأنه سيغرد عليها بالإنجليزية، بينما سوف ينشر على موقع فيسبوك بالفارسية. أولى تغريداته على تويتر كانت: "شكراً للترحيب الحار على تويتر. آمل أن نتفاعل معاً وأن نظل على تواصلٍ" .
في نفس العام قال خلال جلسةٍ حكوميةٍ معلقاً على نية أمريكا القيام بعمليةٍ عسكريةٍ داخل سوريا: "نحن نؤمن بأن القسوة والعنف سوف يثيران موجاتٍ من التعصب".
الوجه "الناعم" لإيران
كما غرَّد برسالة تهنئةٍ من حسابه الخاص على تويتر @JZarif للشعب اليهودي على احتفالهم بمناسبة روش هاشناه (رأس السنة اليهودية)، ورد عليه أحد مستخدمي الموقع قائلاً: "شكراً، كان الاحتفال برأس السنة ليكون أفضل لو أن إيران توقَّفت عن إنكارها للهولوكوست، سيدي"، فرد ظريف بعدها: "لم تنكره إيران أبداً، الرجل الذي كان متحمساً لإنكاره (يقصد على الأغلب الرئيس محمود أحمدي نجاد) قد ذهب الآن. سنةٌ جديدةٌ سعيدةٌ".
وفي 5 سبتمبر/أيلول 2013 أوردت وكالة أنباء تسنيم على موقعها الإلكتروني أن الرئيس الإيراني حسن روحاني أوكل إلى ظريف مسؤولية المفاوضات النووية. وفي نوفمبر من نفس العام حضر الجولة الثانية من المحادثات مع مجموعة 5+1 في مدينة جنيف بسويسرا.
في نفس الشهر غرَّد على حسابه الرسمي بتويتر قائلاً: "لقد توصلنا إلى اتفاق". مشيراً إلى المحادثات النووية التي كانت لا تزال جاريةً.
وفي 24 نوفمبر/تشرين 2013 الثاني توصل كلٌّ من مجموعة الخمسة +1 وإيران إلى اتفاقٍ نوويٍ مؤقتٍ. كانت النقاط الأساسية فيه:
- سوف تعلق إيران تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ تتخطى 5%.
- لن تقوم إيران بإنشاء أي مفاعلاتٍ، ولن تبني أية منشآتٍ لتخصيب اليورانيوم.
- سوف تقوم إيران بإيقاف العمليات في مفاعل الماء الثقيل في مدينة آراك.
- سوف تسمح إيران بالمزيد من عمليات التفتيش على أنشطتها النووية.
في المقابل سوف تحصل الدولة على تخفيفٍ محدودٍ، ومعينٍ، ومؤقتٍ للعقوبات المفروضة عليها.
في 2014 حضر مراسم تنصيب رجب طيب أردوغان رئيساً جديداً لتركيا. كما سافر إلى العاصمة العمانية مسقط بصحبة فريق المفاوضات للمشاركة في المحادثات الثلاثية مع ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري والتي تناولت برنامج إيران النووي.
في 20 أغسطس/آب 2017 صوّت البرلمان على تجديد الثقة فيه لاستكمال مهام منصبه وزيراً للخارجية في الولاية الثانية للرئيس حسن روحاني.
في نفس العام انتقد خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ألقاه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي استهدف فيه إيران ووصفه بأنه "خطاب كراهيةٍ جاهلٍ".
وانتقد محمد جواد ظريف الخطاب على حسابه على موقع تويتر قائلاً: "خطاب ترامب الذي يحمل الجهل والكراهية ينتمي للعصور الوسطى -وليس للأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين- ولا يستحق الرد".
وكان ترامب قد وصف إيران في خطابه الأول أمام الأمم المتحدة بأنها: "ديكتاتوريةٌ فاسدةٌ" و"دولةٌ مارقةٌ"، وأضاف قائلاً: "إن أقدم الضحايا الذين يعانون من قادة إيران، هم في الحقيقة شعبها".
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 قام ظريف بالتغريد على تويتر بالعربية رداً على اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل قائلاً: "القدس – أورشليم سوف تظل عربيةً ومسلمةً للأبد، سواءٌ أعجبهم ذلك أم لم يعجبهم".
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2018 صرح بأنه لن يناقش الاحتجاجات واسعة النطاق التي تحدث مؤخراً في إيران خلال لقائه مع ثلاثة من رؤساء دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة اتفاق إيران النووي.
وفي يناير 2018 أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية تصريحاً يُدين العقوبات الجديدة المفروضة على المسؤولين الإيرانيين، من بينهم رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني، مؤكدةً أن تلك العقوبات "تخطت كل الخطوط الحمراء" لكل الأعراف الدولية، وجاء في التصريح: "سوف تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة لعواقب تلك الأفعال العدوانية".
وفي فبراير من نفس العام نادى الإيرانيون وغيرهم بمقاطعة منتجات شركة سامسونغ بعد أن استبعدت اللجنة الدولية للأولمبياد الأبطال الإيرانيين من تسلُّم هدايا الشركة من الهواتف الذكية. كما صرَّح أيضاً بأن إيران ليس لها قواعد ولا وجودٌ عسكريٌ في سوريا.
كما أصدرت وزارته تصريحاً يُدين الملاحظات التي أوردها سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمير خالد بن سلمان عن ظريف، وصفت فيه تصريح المسؤول السعودي بأنه "اتهاماتٌ باطلةٌ وأكاذيب".
في 6 أغسطس/آب 2018 وعلى أثر تجديد العقوبات، غرد ظريف على تويتر قائلاً: "تُريد حكومة ترامب أن تُقنع العالم بأنها تهتم لأمر الشعب الإيراني، في حين أن العقوبات الأولى، التي تجددها هي الآن، تضمنت إلغاء تراخيص عمليات بيعٍ لأكثر من 200 طائرة ركابٍ لأعذارٍ واهيةٍ، ما سبّب الضرر لعوام الإيرانيين. النفاق الأمريكي ليس له حدود".
بعدها بأيام قال إن إيران ستقدِّم دعمها الكامل لأنقرة في مواجهة العقوبات الأمريكية، مشيراً إلى التوترات الاقتصادية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقال: "لن تقوم إيران بتغيير سياساتها في المنطقة بسبب عقوبات وتهديدات الولايات المتحدة".
وفي ديسمبر الماضي أُسقط طلبٌ مقدمٌ في البرلمان لعزله بعد أن حصل الطلب على أقل من 10 إمضاءاتٍ، إذ تراجع 15 برلمانياً من أصل 24 عن طلبهم. جاء طلب العزل بعد تعليقاته الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني والتي تتعلق بالانتشار الواسع لغسيل الأموال في إيران.