بعد أيام من هجوم انتحاري أودى بحياة 44 عنصراً من الأمن الهندي في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان في 14 فبراير/شباط الجاري، يتصاعد التوتر شيئاً فشيئاً في تلك المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وسط مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين القوتين النوويتين، إذ يعد هذا الهجوم الذي ما زالت تبعاته مستمرة حتى اليوم، أسوأ هجوم منذ عقود من النزاع بين الطرفين.
ومنذ تقسيم الهند وقيام دولة باكستان عام 1947 وقعت عدة حروب بين البلدين في تلك المنطقة التي توصف بأنها "جنة على الأرض محاطة بالنيران" لجمال طبيعتها وتضاريسها، والتي يسعى البلدان لفرض السيادة عليها، ودفعهما لسباق التسلح حتى امتلك كل منهما القنبلة النووية، فأصبح هذا الإقليم الجميل واحداً من أكثر مناطق العالم المدججة بالسلاح.. فما قصته التاريخية؟
قصة كشمير
يقع إقليم كشمير الذي عرف باسم جامو وكشمير (Jammu and Kashmir) في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، ومنطقة التيبت شرقاً، وجنوباً تحده ولاية البنجاب الهندية، أما غرباً فتحده الباكستان، وبذلك يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود هذه الدول النووية الثلاث.
وتبلغ مساحة الإقليم حوالي 222.236كلم2، تسيطر الهند على حوالي 48٪ منها، وتسيطر باكستان على حوالي 35٪ من المساحة، أما الصين فتسيطر على 17٪.
وبحسب الإحصائيات، يبلغ عدد سكان الإقليم ما يقارب 13 مليون نسمة، يمثل المسلمون نحو 90% منهم، أي نحو 10 ملايين كشميري مسلم. ويمكن تقسيم منطقة "كشمير" إلى ثلاث مناطق رئيسية، منطقة تقع في الهند وتسمى بـ"كمشير وجامو" وتعتبر الجزء الأكبر من تلك المنطقة والذي يمتلك العدد الأكبر من السكان ومنطقة تقع في باكستان وتعرف بـ"ولاية كشمير الحرة" ومنطقة تقع في الصين وتسمى بـ"أكساي تشين" وتعد هذا المنطقة هي الجزء الأصغر من الإقليم.
ويتحدث سكان "كشمير" الكثير من اللغات مثل الهندية والأردية والصينية وتعود أصول الشعب الكشميري إلى الأعراق التركية والأفغانية والمغولية.
يعتبر إقليم جامو وكشمير من الناحية السياسية منطقة متنازعاً عليها بتعريف القانون الدولي، وقد قامت الهند بضم الإقليم لها في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير.
وتضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 الصادر في عام 1948 النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.
بداية النزاع الدموي
في عام 1947 وعندما أصدرت بريطانيا العظمى قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم الاستعماري لها، أوعزت بريطانيا للإمارات التي كانت تحكمها في تلك المنطقة بأن تنضم إلى الهند أو باكستان وفقاً لرغبة السكان، مما شكل تبعاً لذلك دولتي الهند وباكستان، حسب التقسيمات الجغرافية لكل إمارة.
إلا أن ثلاث ولايات لم تتخذ قراراً بهذا الشأن هي حيدر آباد وجوناغاد وكشمير، ثم قرر حاكم إمارة جوناغاد المسلم أن ينضم إلى باكستان رغم وجود أغلبية هندوسية في الإمارة، وأمام معارضة هذه الأغلبية لقرار الحاكم دخلت القوات الهندية وأجرت استفتاء انتهى بانضمامها إلى الهند، وحدث الشيء نفسه في ولاية حيدر آباد حيث أراد حاكمها المسلم أن يظل مستقلاً بإمارته ولم تقره الأغلبية الهندوسية في الولاية على هذا الاتجاه فتدخلت القوات الهندية في 13 سبتمبر/أيلول 1948 مما جعلها ترضخ للانضمام إلى الهند.
أما كشمير فقد كان وضعها مختلفاً عن الإمارتين السابقتين، فقد قرر حاكمها الهندوسي هاري سينغ -بعد أن فشل في أن يظل مستقلاً- الانضمام إلى الهند متجاهلاً رغبة الأغلبية المسلمة لديه (أكثر من 90% من السكان) بالانضمام إلى باكستان، متجاهلاً القواعد البريطانية السابقة في التقسيم.
وقد قبلت الهند انضمام كشمير إليها، إلا أن حاكمها خاف من رد فعل الأغلبية المسلمة في إمارته فعرض معاهدتين على كل من الهند وباكستان لإبقاء الأوضاع كما كانت عليه وللمحافظة على الاتصالات والإمدادات، فقبلت باكستان بالمعاهدة في حين رفضتها الهند ومن ثم راحت الأمور تتطور سريعاً باتجاه الحرب.
حرب 1947
اندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قراراً في 13/8/1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي 1000 كم) لباكستان، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (300 كم) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبراً على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.
حرب 1965
عاد التوتر بين الجانبين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتتابعت بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في سبتمبر/أيلول 1965 على طول الحدود بينهما في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان واستمر الصراع العسكري 17 يوماً لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.
حرب 1971
عاد القتال بين الجارتين ليتجدد مع مطلع السبعينيات إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلاديش) في محاولتها الانفصالية، وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض غيرت من التفكير الاستراتيجي العسكري الباكستاني وأدخل البلدين في دوامة من سباق التسلح كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أهم محطاته. وأسفر قتال 1971 عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلاديش.
اتفاقية شملا 1972
في ذلك العام، دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية أطلق عليها اتفاقية شِملا عام 1972، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في 17 ديسمبر/كانون الأول 1971 هو خط هدنة بين الدولتين. وبموجب الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1971 في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.
حقبة التسعينيات وما بعد الألفية الثانية
منذ عام 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، فضلًا عن اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، بينما قتل 7000 شخص في ظل حكم السلطات الهندية، بحسب الجهات المناوئة لنيودلهي.
وأدى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تغير خريطة تحالفات الهند والباكستان كما أدى ظهور حركات التمرد الداخلي في الإقليم، وبروز منظمات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند والباكستان نفسها، مع أن أكثر هذه المنظمات والأحزاب مثل حركة "المجاهدين"، و"حركة تحرير كشمير" و"تحالف الحرية لكل الأحزاب" مدعوم من باكستان كما تقول الهند، فإن الصراع الهندي الباكستاني ازداد حدة مع بروز السباق النووي بينهما، فقد ربطت الدولتان هذا السباق بما يحدث في كشمير، وقامتا (في شهر أيار/مايو العام 1998) بإجراء تجارب تفجير نووية، وهكذا أصبح النزاع بينهما محكوماً بسقف الردع النووي بينهما.
ومنذ ذلك الحين، تتصاعد بين الفينة والأخرى أعمال العنف داخل كشمير وعمليات مسلحة ضد الهند، لتزيد من احتمالات وقوع الصدام مجدداً بين الدولتين النوويتين، الأمر الذي يهدد استمراره بتفجر حرب رابعة بين الهند وباكستان، هي الأولى بعد دخولهما النادي النووي في تسعينيات القرن الماضي.
إلا أن الولايات المتحدة -حليفة الطرفين- ما زالت تمارس ضغوطها عليهما لوقف حدة الصراع، في حين تستمر تجاذباتها بين أخذ ورد لكليهما لخدمة مصالحها في معاركها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع كل من روسيا والصين وإيران.