وَبَّخ أعضاءٌ من الحزب الديمقراطي عضواً من بينهم هذا الأسبوع، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السياسية في واشنطن استقطاباً واسعاً.
إذ اتهم كبار المشرعين في الحزب الديمقراطي عضوة الكونغرس إلهان عمر بأنَّها استخدمت استعارات معادية للسامية بعد تغريدة "الأمر كله يتعلق بالأموال"، التي قالت فيها إنَّ الدعم الأمريكي لإسرائيل يدفعه المال السياسي.
ويقول محللون لموقع Middle East Eye البريطاني إنَّ الفائز الأكبر في هذا الجدال هم الجمهوريون، الذين يحاولون استخدام إسرائيل لإحداث انقسامات بين منافسيهم الديمقراطيين واستغلالها.
وكانت إلهان عمر وزميلتها عضوة الكونغرس الأمريكية المسلمة رشيدة طُليب قد واجهتا سابقاً مزاعم بمعاداة السامية منذ اللحظة التي أدتا فيها اليمين القانونية لدخول المجلس الشهر الماضي.
وحين أدلت عمر بالتعليقات التي أشعلت موجة الاستنكار الأخيرة، كانت بالأساس ترد على تغريدة تقول إنَّ زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي هدد بمعاقبتها هي وطليب لانتقادهما إسرائيل.
الجمهوريون هم المستفيدون
وقال خبراء، في تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ استهداف عمر وطُليب يصب في صالح الجمهوريين؛ لأنه يضع قيادة الحزب الديمقراطي التي لطالما دعمت إسرائيل في مواجهة مع قاعدته التقدمية الناشئة التي يتنامى تعاطفها مع الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، تشير استطلاعات رأي إلى أنَّ الديمقراطيين منقسمون على أنفسهم بالتساوي حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، في حين أنَّ الغالبية العظمى من الجمهوريين يتعاطفون أكثر مع الإسرائيليين.
وقد وصل هذا التحول داخل الحزب الديمقراطي الآن إلى مراكز القوى في واشنطن.
من جانبها، قالت مايا بيري، المديرة التنفيذية للمعهد العربي الأمريكي في واشنطن، إنَّ قادة الحزب الديمقراطي يسعون لتقويض الانقسام المتزايد، وهو ما لا يريد الحزب الجمهوري أن يحدث.
وصرحت بيري لموقع Middle East Eye: "يمكنني القول إنهم لم يكتفوا بمجرد الانتفاع من الانقسام، بل هم من أوجدوه".
وأضافت أنَّ الجمهوريين لديهم مصلحة قوية في دفع الديمقراطيين إلى الدخول في خلاف مع بعضهم البعض حول هذه المسألة.
وتابعت بيري: "لا يمكن لأي مشاهد حيادي أن ينفي حدوث تغير في الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بـ(الموقف من) إسرائيل وفلسطين. لكن يبقى السؤال: إلى أين سيمضون قدماً من هنا؟".
جدل على صفحات تويتر
وسارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعرض لانتقادات بسبب تصريحاته وسياساته التي غالباً ما ينظر لها على أنها متعصبة، بالانضمام إلى الجدل، مطالباً عمر بالاستقالة من الكونغرس.
وفي اجتماع حكومي الثلاثاء 12 فبراير/شباط، قال ترامب: "ليس لمعاداة السامية مكان في الكونغرس الأمريكي".
وأضاف: "أعتقد أنَّ عليها إما الاستقالة من الكونغرس أو الاستقالة من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب".
فيما جاء رد قيادة الحزب الديمقراطي أقل درامية، لكنه مع ذلك أدان النائبة.
ففي بيان أصدرته رئيسة مجلس النواب الأمريكي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، ووقعه كبار الديمقراطيين، طالب رؤساء الحزب باعتذار فوري، واتهموا عمر باستخدام "استعارات معادية للسامية"، واصفين تعليقاتها بأنَّها "مهينة للغاية".
وفي غضون ساعات، نشرت عمر اعتذاراً عن اللغة التي استخدمتها في التغريدة السابقة.
ومع ذلك، جددت عمر تأكيدها على ما سمّته "إشكالية دور جماعات الضغط في سياستنا (الأمريكية)"، وكذلك انتقادها للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "آيباك".
انقسام حول السياسة الخارجية
وترى مايا بيري أنَّه من الواضح أنَّ الديمقراطيين يخوضون نقاشاً حقيقياً حول كيفية التعامل مع التغير الحادث في الحزب من الآن فصاعداً.
وقالت: "ليس هناك شك أنَّ هذا سيمثل إشكالية في 2020″، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، والانتخابات التمهيدية للرئاسة في الحزب الديمقراطي استعداداً لها.
وأضافت: "سيحرص الجمهوريون على أن تأتي هذه المسألة في محور المناظرة، لكن يظل السؤال هنا، وما أنا متخوفة بشأنه، هو كيف سيرد الديمقراطيون".
وتابعت: "هل سيستمرون في التفاعل مع هذه الحوادث العامة على مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدناها مؤخراً أم سيخوضون نقاشات حقيقية؟".
وبالتأكيد، بدأت الانقسامات حول السياسة الخارجية داخل الحزب الديمقراطي تتضح قبل انتخابات 2020.
ففي الأسبوع الماضي، أيَّد تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مشروع قانون مناهض لحركة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" المدعوم من لجنة "آيباك"، في حين عارضه المرشحون الأبرز في السباق الانتخابي 2020، من بينهم بيرني ساندرز وكمالا هاريس وكوري بوكر، بحسب الموقع البريطاني.
وفي هذا الصدد، قال خالد الجندي، زميل باحث في مركز سياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنغز في العاصمة الأمريكية، إنَّه من المزمع أن يصبح النقاش الدائر حول سياسات الحزب المعهودة المؤيدة لإسرائيل مسألة خلافية بارزة في الانتخابات التمهيدية؛ وقد تسفر عن مواجهة داخل الحزب الديمقراطي بين أعضائه القدامى والأعضاء التقدميين المرشحين حديثاً.
وصرح الجندي، لموقع Middle East Eye، "بدأت الركيزة الأساسية لدعم إسرائيل في التصدع".
وأضاف: "بدأ يتعين على الديمقراطيين تبرير سياسات لم يكن عليهم تفسيرها من قبل، وأصبحت القيادة تتعرض لانتقادات".
الجمهوريون على وفاق مع نتنياهو
وقال الجندي إنَّ إسرائيل أخذت تتقدم صوب اليمين على الساحة السياسية؛ مما جعل من الصعب على الديمقراطيين الحفاظ على التزامهم نحو حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً حين اصطدمت بمصالحهم السياسية الداخلية.
وكان الانقسام بين الديمقراطيين ونتنياهو جلياً لبعض الوقت.
ففي تحدٍ للرئيس الأمريكي السابق الديمقراطي باراك أوباما، ألقى نتنياهو خطاباً في الكونغرس مناهضاً للاتفاقية النووية مع إيران عام 2015.
وقد ازداد التقارب بين إسرائيل والجمهوريين وضوحاً منذ وصول ترامب للرئاسة؛ مما وضع الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل في موقفٍ حرج مع محاولاتهم الدفاع عن إسرائيل دون أن يبدو أنهم يساندون ترامب.
ومثال على هذا، إعلانات حملة نتنياهو الضخمة التي انتشرت في القدس وتل أبيب هذا الشهر، والتي يظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع ترامب.
وقال الجندي، لموقع Middle East Eye: "بينما غيّر الحزب الجمهوري الخطاب الأمريكي ليصبح أكثر فأكثر حول حقوق إسرائيل، تسبب هذا في إحداث انقسام كان ينشأ بالفعل في جناح اليسار في الحزب الديمقراطي".
واستطرد: "لكن حتى الوسطيين والمعتدلين في المعسكر الديمقراطي أصبحوا يشعرون الآن بالانزعاج؛ لأنهم لا يمكنهم الانحياز إلى سياسات نتنياهو المُؤيِّدَة للاستيطان والاحتلال، والمُعارِضَة لحل الدولتين".
وأضاف الجندي أنَّه سواءٌ كان التغير الحادث في الحزب الديمقراطي يأتي استجابةً لسياسات الحزب الجمهوري أم بسببه، يبدو أنَّ الجمهوريين لديهم الكثير ليربحوه من الأرضية المهزوزة التي وجد الديمقراطيون أنفسهم عليها.
وتابع: "إما سينهار الديمقراطيون ويتبنون تعريف الجمهوريين لما يعنيه أن تكون مؤيداً لإسرائيل، وإما سيتعين عليهم وضع خطوط حمراء وإعلان رفضهم لهذا التعريف، لكن تحضير أنفسهم للتعرض لانتقادات لكونهم لا يدعمون إسرائيل بالشكل الكافي".
وقال أحد النشطاء، في هذا الصدد، إنَّ عمر وطُليب وقعتا فريستين سهلتين لمثل هذا الانتقاد بسبب دعمهما لحقوق الفلسطينيين والدين الإسلامي.
وتُعتَبر العضوتان في الكونغرس المسلمتان أول من يعرب علناً على الإطلاق عن دعمه لحركة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"، وهي حملة سلمية تسعى للضغط على إسرائيل سياسياً واقتصادياً لوقف انتهاكاتها ضد الفلسطينيين.
يُذكَّر أنه في الشهر الماضي، قدم ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار رمزي لإدانة "مشاعر الكراهية المعادية للسامية ولإسرائيل التي تسللت إلى داخل السياسة الأمريكية وجدران الكونغرس"، مشيرين إلى عمر وطُليب شخصياً.
وتستمر الاثنتان في إدانة معاداة السامية، وتصران على أنَّ آراءهما تعارض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وليس اليهودية والشعب اليهودي.
وعقب القرار، تجاوز النواب الجمهوريون مجرد الإشارة تحديداً إلى عمر وطُليب إلى توجيه اللوم إلى الحزب الديمقراطي بأكمله لما وصفوه بأنه "خطاب متحيز ضد إسرائيل".
إذ جاء في بيان صدر عن قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأسبوع الماضي: "أصبح هذا الموقف السائد للحزب الديمقراطي اليوم، وقيادته تعمل على تمكينه".