قبل نحو عام كانت دول أوروبا وأمريكا تخطب ود الأمير السعودي الطموح محمد بن سلمان، الذي بدا أكثر حماساً لزيادة الاستثمار في الغرب وبناء علاقة أكثر قوة معه، حتى كانت واقعة مقتل جمال خاشقجي، فبدأ محمد بن سلمان يتوجه للشرق بعدما أصبح منبوذاً في الغرب.
كان مقتل الصحفي جمال خاشقجي بمقر القنصلية السعودية بإسطنبول نقطة فارقة في تاريخ العلاقات السعودية الغربية.
فبعد أن كان الغرب يتطلع إلى أن يحول السعودية المحافظة إلى حليف أكثر حداثة، وبالتالي أقل إحراجاً، فإن الجريمة جعلت محمد بن سلمان نفسه مصدر إحراج للساسة الغربيين.
ولكن مقتل خاشقجي لم يعد السبب الوحيد لتوتر العلاقات السعودية الغربية.
فتباعاً بدأت تظهر ملفات شائكة، وتوترت العلاقة المتوترة أصلاً بين الرياض والعواصم الغربية الكبرى.
وفي مقابل ذلك، فقد بدأ محمد بن سلمان يتوجه للشرق، وهو ما ظهر في الإعلان عن اعتزامه القيام بجولة آسيوية أخيرة، والإعلان عن اعتزامه إطلاق شراكات ومشروعات طموحة مع عدد من دول القارة الصفراء.
ولكن هل هناك توقيت بين إعلان محمد بن سلمان عن هذه الجولة وظهور توترات إضافية بينه وبين الدول الغربية، وهل الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق كلما تأزمت أموره مع الغرب.
إليك ثلاثة ملفات شائكة في العلاقات السعودية الغربية، إضافة إلى استمرار تداعيات قضية مقتل خاشقجي.
قضية خاشقجي ما زالت تُثقل كاهل الأمير.. فهو لم يستطع التخلص من مستشاره
مازالت قضية مقتل خاشقجي تسبب توتراً بين الولايات المتحدة والسعودية.
إذ ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن واشنطن تضغط على السعودية لمحاسبة سعود القحطاني، المتهم الرئيس في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن الرياض ترفض هذا الضغط باستمرار.
جاء ذلك بحسب ما ذكرته صحيفتا "نيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال" اليوميّتين، الإثنين 11 فبراير/شباط، نقلاً عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين.
وذكر مسؤول سعودي أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يزال يتصل بالقحطاني مستشاره السابق، طلباً للمشورة، وأنه لا يزال يصفه بمستشاره، بينما ذكر مسؤول أمريكي أن القحطاني ما زال يعمل مستشاراً لولي العهد بشكل مستتر.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن محمد بن سلمان ما زال يحمي القحطاني، وأن الأول "تعهَّد بعدم المساس بمستشاره السابق، وبإعادته لوظيفته السابقة بالمحكمة بعد هدوء تداعيات جريمة قتل خاشقجي".
وبحسب المسؤولين السعوديين الذين تحدثوا للصحيفتين، فإن القحطاني كان قد سافر إلى أبوظبي في وقت سابق، رغم حظر السفر المفروض عليه.
وكانت النيابة العامة السعودية قد أعلنت أن مَن أمر بقتل خاشقجي هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وأصدر القضاء التركي، في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق لـ "محمد بن سلمان"، للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
وفي 3 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، إلا أن الأمم المتحدة اعتبرت المحاكمة "غير كافية"، وجدَّدت مطالبتها بإجراء تحقيق "شفاف وشامل".
اليمن.. القلق الغربي بدأ منذ فترة، ولكن خاشقجي رفع الحرج
القلق الغربي من حرب اليمن بدأ قبل مقتل خاشقجي، ولكن الجريمة التي استهدفت الصحافي السعودي رفعت الحرج قليلاً عن الدول الغربية، التي بدت تلح أكثر من أجل إنهاء الحرب.
وفي مؤشر على إحساس المملكة بثقل الضغوط في هذا الملف، فإن موقعين للصحافة الاستقصائية، أحدهما بلجيكي والآخر فرنسي كشفا أن السعودية لجأت إلى معهد دراسات عليا بلجيكي وشركة فرنسية لتحسين صورتها بمقابل مادي، وذلك بعد حرب اليمن التي شهدت أسوأ أزمة إنسانية، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
تمويل الإرهاب.. الاتحاد الأوروبي يدرج الرياض في القائمة السوداء
مشكلة جديدة تواجه السعوديين.
إذ أعلنت المفوضية الأوروبية، الأربعاء 13 فبراير/شباط 2019، إنها أضافت السعودية وبنما ومناطق أخرى إلى القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديداً للتكتل، بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
بلاش ندخل المواضيع في بعض وندخل الكوره في سياسات عليا .. لو الاتحاد الاوروبي عاوز يطلع بلد مركز الاسلام في العالم بلد ارهابي وبتدعم الارهاب ف ده شئ مرفوض وبعيد كل البعد عن القضيه اللي بنتكلم فيها حاليا في الهاش تاج وبلاش اي حاجه توصلك لمرحلة انك تعادي بلد عربي لان هي دي الفتنه https://t.co/VNiS5OMDhA
— عمر (@omarahmedso) February 13, 2019
وفي المجمل، تضم القائمة 23 دولة ومنطقة، هي أفغانستان وساموا الأمريكية وجزر الباهاما وبوتسوانا وكوريا الشمالية وإثيوبيا وغانا وجوام وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا وباكستان وبنما وبويرتو ريكو والسعودية وسريلانكا وسوريا وترينيداد وتوباغو وتونس والجزر العذراء الأمريكية واليمن.
وإلى جانب التأثير السلبي للانضمام للقائمة على سمعة المدرجين بها، فإنه يعقّد أيضاً العلاقات المالية مع الاتحاد الأوروبي.
وسيتعيّن على بنوك الاتحاد الأوروبي إجراء فحوص إضافية على المدفوعات المتعلقة بكيانات من الدول والمناطق المدرجة في القائمة السوداء.
إلا النووي، مهما كنت صديقنا فلن ننسى شاه إيران
في مؤشر على أن هناك حدوداً للصداقة بين الغرب وأي دولة عربية أو إسلامية.
بدا واضحاً أن طموح الأمير محمد سلمان لامتلاك برنامج نووي يواجه عرقلة من قبل الدول الغربية.
وفي هذا الملف، الموقف الغربي في الأغلب أكبر من محمد بن سلمان، والسعودية.
فهناك ما يشبه فيتو غربي على امتلاك أي دولة عربية للسلاح النووي، مهما كانت هذه الدولة صديقة للغرب، ومهما كانت تخطب ود إسرائيل في السر والعلن.
فالغرب لن ينسى أن شاه إيران الذي كان لديه طموح نووي، وكان يوصف بشرطي أمريكا في الخليج، وعرف بعلاقته الحميمية بإسرائيل، سقطت نظامه فجأة، بينما جيشه مدجج بأحدث الأسلحة الأمريكية، وبرنامجه النووي كان في بدايته.
ليأتي نظام آخر معاد للغرب يردد الموت لأمريكا، ويتوعد إسرائيل.
سيحرمونه من تخصيب اليورانيوم
طرح أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قرار أمس الثلاثاء 13 فبراير/شباط، يطالب بأن يمنع أي اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية الأمريكية مع السعودية صنع المملكة لسلاح نووي.
وبموجب القرار، سيمنع أي اتفاق أمريكي للتعاون النووي المدني مع السعودية تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم الذي تنتجه المفاعلات، وهما وسيلتان يتم استخدامهما في صنع أسلحة نووية.
ولم يتضح ما إذا كان أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ المئة سيدعمون القرار الذي أعده الديمقراطيان جيف ميركلي وإد ماركي والجمهوري راند بول. والقرار غير ملزم أيضاً للحكومة الأمريكية.
لكن إذا حصل على دعم قوي فسوف يبعث بإشارة على القلق في الكونغرس حيال حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن، وكذلك بخصوص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول.
ويجري وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري محادثات مع مسؤولين من السعودية بشأن الاستفادة من التكنولوجيا النووية الأمريكية.
واستضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء مسؤولين بشركات للطاقة النووية في محادثات بشأن الحفاظ على القدرة التنافسية للقطاع مع كل من فرنسا والصين وروسيا.
ومن شأن صدور قرار أن يضغط على الإدارة الأمريكية للسعي من أجل اتفاق بمعايير أشد.
ولكن الأمير محمد توعد بامتلاك سلاح نووي، ورفض حرمانه من التخصيب
وقال ميركلي في بيان: "إذا كانت السعودية ستضع يدها على التكنولوجيا النووية، فمن الضروري للغاية أن نلزمها أشد معايير منع الانتشار النووي". وأضاف: "ينبغي ألا تساعد أمريكا بشكل غير مقصود، في تطوير أسلحة نووية لطرف يتصرف بشكل سيئ على الساحة العالمية".
وتقول السعودية إنها تريد تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي، وإنها غير مهتمة بتحويل التكنولوجيا النووية إلى الاستخدام العسكري.
لكن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قال لقناة "سي بي إس" التلفزيونية، العام الماضي (2018)، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا فعلت عدوتها اللدود، إيران، ذلك.
ورفضت السعودية في محادثات سابقة، توقيع اتفاق مع واشنطن يحرم الرياض من تخصيب اليورانيوم. ولم تردَّ السفارة السعودية في واشنطن على طلب للتعليق.
ولكن، هل تعني هذه المواقف أن الافتراق اقترب بين السعودية والغرب؟ وهل لهذا السبب بدأ الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق؟
والرد جاء سريعاً.. الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق
منذ بدء أزمة خاشقجي، بدا أن الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق، وظهر هذا بشكل رمزي في مصافحته الشهيرة مع بوتين، خلال قمة العشرين، في وقت حاول فيه القادة الغربيون تجنُّبه.
كما بدا أن هناك تقارباً مع الصين، ومع ذلك لم تخلُ هذه الخطوات من تعقيدات، خاصة في ضوء توتر العلاقة مؤخراً بين واشنطن وبكين ومن قبلها موسكو، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري أن تكون خطوات التقارب مع الصين وروسيا محسوبة.
ولكن، يبدو أن الأمير محمد قرر أن يتوغل في التوجه نحو الشرق؛ في محاولة تهدف إلى إيجاد مجال لحركته، في ظل العزلة التي فرضها الغرب على شخصه على الأقل.
ولذا، في حين يتصاعد الغضب الغربي من السعودية بسبب حرب اليمن ومقتل خاشقجي والسلاح النووي السعودي، وأخيراً الغضب الأوروبي من تمويل الإرهاب- فإن حماسة الأمير الشاب، الذي كان ضيفاً محبباً على صالونات النخبة الغربية، قد فترت فبدأ يبحث عن وجهة أخرى تلبي طموحه، فولَّى وجه شطر الشرق.
حيث أعلنت المملكة عن جولة آسيوية لولي العهد خلال الأيام القادمة، في مؤشر على أن الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق.
من المتوقع أن يعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن استثمارات بالطاقة والبنية التحتية، خلال زيارته باكستان والهند في الأيام القادمة، في إطار جهوده الساعية إلى تقليص اعتماد اقتصاد المملكة على صادرات النفط.
ومن المتوقع أن يزور الأمير محمد بن سلمان أيضاً الصين وماليزيا وإندونيسيا، خلال جولة ستكون الأولى له في المنطقة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وما أعقبه من موجة استنكار عالمية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية إن مسؤولين سعوديين سيناقشون استثمارات مع الصين وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، في قطاعات من بينها الرعاية الصحية، والاتصالات. ولم تخض في تفاصيل.
ولكن بالنسبة للهند وباكستان، يبدو أن التركيز سيكون عليهما في هذه الجولة.
باكستان.. علاقة خاصة قديمة آتت أُكلها
ومن المنتظر أن يزور الأمير محمد بن سلمان باكستان الجمعة 15 فبراير/شباط 2019، حيث من المنتظر أن يوقع اتفاقيات ترتبط بشكل رئيس بمصفاة للنفط وبقطاع الكهرباء، حسبما قال مسؤولون باكستانيون.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن مذكرات التفاهم ستتضمن مشروعات للطاقة المتجددة، واستثمارات في البتروكيماويات والموارد المعدنية.
وعمران خان، رئيس وزراء باكستان الجديد، كان من بين قادة دول قليلين حضروا مؤتمراً عن الاستثمار، انعقد بالرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وقاطعته شركات عديدة وقادة عالميون؛ احتجاجاً على مقتل خاشقجي.
وباعتبارها دولة مسلمة، ترتبط باكستان منذ فترة طويلة بعلاقات قوية مع السعودية.
إذ يربط البلدين تعاون تاريخي في المجال العسكري والاقتصادي.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2018، عرضت الرياض على باكستان قرضاً بـ6 مليارات دولار، حتى يستطيع اقتصادها مواصلة الوفاء بالتزاماته.
وأعلنت السعودية أيضاً خططاً لمجمع بتروكيماويات وتكرير، باستثماراتٍ قدرها 10 مليارات دولار في مدينة جوادر الساحلية، حيث تبني الصين ميناء في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وقال وزير الاستثمار الباكستاني هارون شريف، لـ "رويترز": "إنهم يتطلعون إلى قطاع الطاقة، في بعض خططنا للخصخصة، ربما يتقدمون بعروض من خلال عمليتنا للخصخصة".
وقال شريف، الذي يرأس أيضاً مجلس الاستثمار بالبلاد، إن هناك اهتماماً سعودياً بقطاع التعدين في باكستان.
وقال وزير باكستاني آخر، طلب عدم الكشف عن هويته: "السعودية لديها موارد هائلة. صندوق استثمارهم يتجاوز تريليون دولار، لذا نريد جزءاً ضئيلاً منه".
الهند.. تمهيد لشراكة استراتيجية، الصندوق السيادي محورها
وقالت وزارة الخارجية الهندية إنه من المتوقع أن يزور الأمير محمد بن سلمان نيودلهي، ومعه رجال أعمال سعوديون كبار، بدعوة من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي.
واجتمع مودي مع ولي العهد السعودي في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في أثناء مشاركتهما بقمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
والسعودية أكبر مورِّد للنفط الخام إلى الهند، لكن البلدين وسعا نطاق علاقاتهما إلى ما هو أبعد من الطاقة، واتفقت الحكومتان على بناء شراكة استراتيجية، حسبما قالت وزارة الخارجية.
وأشارت الوزارة في بيان، إلى التعاون بين البلدين في مجالات، من بينها أمن الطاقة؛ والتجارة والاستثمار والبنية التحتية؛ والدفاع والأمن.
وقال مسؤول هندي إن بلاده تتوقع أن يعلن الأمير محمد بن سلمان عن استثمار مبدئي في الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية، وهو صندوق ثروة شبه سيادي بالهند، للإسهام في تسريع وتيرة بناء موانئ وطرق سريعة.
وقالت وسائل إعلام سعودية رسمية إن مسؤولين سعوديين سيناقشون استثماراً مرتقباً في الصندوق.
ولكن، هناك عقبة أمام المصفاة المشتركة بينهما بسبب المانجو
وقال مسؤول آخر بوزارة التجارة الهندية إن السعودية أبدت أيضاً رغبتها في الاستثمار بقطاع الزراعة في البلاد، بهدف تصدير منتجات إلى المملكة.
على الرغم من ذلك، واجه التقدم الذي أُحرز في مصفاة نفطية تتكلف 44 مليار دولار -اتفقت شركات نفط هندية تديرها الدولة على بنائها مع أرامكو السعودية على الساحل الغربي للهند- معارضة قوية من مزارعي المانجو الذين سيفقدون أرضهم.
ومنذ توليه الحكم في 2014، سعى مودي إلى استغلال اقتصاد الهند الذي يشهد نمواً سريعاً، في جذب مزيد من الاستثمارات من السعودية ودول إسلامية أخرى.