إذا استمرت وحشية السيسي في مصر، فستكون العواقب وخيمة على أوروبا

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/11 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/11 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
لافتات السيسي في شوارع مصر / getty image

سادت حالة من الفرح العارم الذي لا تخطئه العين في أعقاب تنحي حسني مبارك؛ كان ذلك في 11 من فبراير/شباط 2011، قبل 8 سنوات من اليوم. احتشد مصريون من جميع الأديان والأعمار والخلفيات بميدان التحرير، لإنهاء 30 عاماً من الاستبداد، تدفعهم إلى ذلك رغبة عارمة في الحرية. استقر بوجداننا أننا كشعب أعرق قوة في المنطقة، نمهد لسلسلة من الأحداث التي تضمن حرية مصر، وألهمنا نجاحُ الثورة التونسية.

 

ولكن بعد 30 شهراً تحوَّل الحلم إلى كابوس. ربما كان السماح للجيش بإدارة الفترة الانتقالية أكبر خطأ ارتكبناه على الإطلاق؛ إذ إن الثورات ينبغي ألا تمنح السلطة لأركان النظام القديم. ربما لاحقاً كنا في حالة من اللامبالاة: إذ منحتنا أول انتخابات رئاسية حرة، وما تلاها من استفتاء على الدستور الجديد، الثقة بأن التغييرات التي تحدث لا يمكن إيقافها أو الرجوع عنها. غير أن التضامن الذي كان علامة مميزة لتظاهرات ميدان التحرير كان قد بدأ في التفكك، ولم تستطع حكومة محمد مرسي ولا أي قوى سياسية أخرى حل الخلافات أو تبديد المخاوف التي بدأت في التسرب إلى الحياة العامة، فيما يخص النظام القديم والأحزاب السياسية والجيش، والشعب بالشوارع.

 

ارتكبنا أخطاء. ورغم كل ما بذلته الحكومة، التي كنت وزيراً فيها، من جهد، فقد عجزت عن عزل فلول نظام مبارك والتوصل إلى إجماع حول إدارة شؤون البلاد. أضف إلى ذلك أزمات الكهرباء والغاز والوقود التي أججت السخط الشعبي. منحنا الأولوية لإنشاء مؤسسات ديمقراطية، غير أنها جميعاً تفككت في دقيقة بالثالث من يوليو/حزيران 2013: الرئاسة، والبرلمان، والدستور. ربما كان علينا أن نمنح الأولوية الأكبر للتعامل مع فلول النظام القديم.

 

حين أعلن مرسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أن قراراته لها سلطة تفوق سلطة المحكمة الدستورية، ظنَّ البعض أنه نصَّب نفسه ديكتاتوراً، رُغم أن نيته كانت حماية الدستور الجديد للبلاد، الذي كان يحدُّ من سلطاته، أكثر مما يوسعها. فتحت هذه الدعوات الباب أمام دعوات جديدة للتظاهر وتغيير النظام، أدت في نهاية المطاف إلى انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي. ويظل هجوم الأرض المحروقة على المعتصمين في ميدان رابعة واحداً من أسود أيام التاريخ المصري الحديث، وكان مثل رصاصة الرحمة التي أُطلقت على أحلام الربيع العربي.

 

من المؤلم أن نتذكر كلمات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بعد تنحي مبارك: "لقد تحدَّث شعب مصر، وقالها واضحة، إنه لن يقبل بأقل من ديمقراطية أصيلة وصحيحة". الآن نجد أنفسنا مجدداً أسرى لديكتاتور عسكري وحشي لا يمكن الوثوق به؛ ديكتاتور أسوأ من مبارك، ومن جمال عبد الناصر. وتبين أثره على الحياة المدنية المصرية على الفور. تعبر داليا فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلند في نيويورك، عما حدث ببراعة وتقول: "إن المجتمع المصري يتعرض للسحق".

 

أصبحت التفاصيل المخيفة لحكم السيسي مألوفة للسامعين: السيسي يعاقب المعارضين والنشطاء بشكل يومي؛ توجد اعتقالات غير قانونية واختفاء قسري وحالات إعدام خارج نطاق القانون. النساء اللاتي يتحدثن عن التحرش الجنسي يتعرضن للاعتقال؛ وتسجن مصر الآن الصحفيين بتهمة "نشر أخبار كاذبة" أكثر من أي دولة أخرى. وتصف منظمة هيومان رايتس ووتش وجود حالة من "تفشي التعذيب" بالسجون المصرية، في حين تقول منظمة العفو الدولية إن الحياة بمصر أصبحت تشبه الحياة في "سجن مفتوح". ومع هذا كله، تهدد الحرب الخفية التي تدور في شبه جزيرة سيناء بوقوع أزمة إنسانية. وبسبب إخفاق السيسي في التعامل مع الإرهاب الذي يزعم محاربته، احتلت مصر المرتبة التاسعة بمؤشر الإرهاب العالمي.

 

في أثناء كتابة هذا المقال، أُعدم ثلاثة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين: أحمد الهنداوي، وعبد الحميد متولي، والمعتز غانم. وقد أُعدم ثلاثتهم بتهم مفبركة، استناداً إلى اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب.

 

ومع هذا، تقف أوروبا مكتوفة الأيدي حيال كل ما يحدث. ففي منطقة عُرضة للثورة والعنف، يُعَد حكم "رجل قوي" مثل السيسي ضماناً للاستقرار، أو على الأقل هذا ما يُفكر فيه زعماء مثل إيمانويل ماكرون. غير أن عقلية الحرب الباردة تلك تدفع مصر إلى حافة الإخفاق الكامل كدولة. تنفق مصر بإسراف على مشروعات لم تخضع حتى لدراسات الجدوى الأولية، وتُبدد مواردها بعيداً عن المدارس والمستشفيات، لزيادة القدرات العسكرية. يعيش نحو ثُلث المصريين على خط الفقر أو تحته، ويضع مشروع الإنذار المبكر مصر في المرتبة الثالثة بقائمة الدول التي يُحتمل أن تواجه خطر القتل الجماعي خلال العام الجاري. غير أن السيسي ومؤيديه يدفعون في سبيل إدخال تعديلات دستورية تُمدد فترة رئاستة، ربما حتى عام 2034. كما أن التعديلات تدعو إلى تدخُّل الجيش "لحماية الدولة والدستور في حال تعرضهما للتهديد". ورغم أن هذا كان أمراً روتينياً بمصر، فإن هذه هي المرة الأولى في التاريخ المصري التي يتم فيها وضع بند كهذا داخل الدستور.

 

إذا لم تُواجه أوروبا استبداد حكومة السيسي، وأصبحت مصر دولة فاشلة، فإن لهذا الأمر عواقب لا يمكن تخيُّلها. إن أزمتي الحرب الأهلية بسوريا وفشل الدولة في ليبيا، وهما بلدانِ يقل عدد سكانها عن عُشر سكان مصر، أسفرتا عن موجة من اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط بأعداد غير مسبوقة. إذا تفجَّر العنف في مصر، فإن أزمة اللاجئين وحدها يمكن أن تهز قارة أوروبا وتسوّيها بالأرض، وفي حال صدَّرت مصر الإرهاب فإن هذا من شأنه أن يغذي الشعبوية والخوف من الأجانب بأوروبا ويؤججهما. ورغم أن السيسي يستخدم الحجج نفسها لابتزاز أوروبا لدعمه، فإن نظامه هو المحرك الرئيس لعدم الاستقرار في مصر.

 

ورغم أن البعض يظن أن أحلام الربيع العربي قد انتهت، فإن المُثُل التي قام عليها الربيع العربي لا تزال حية. ومن بين ملايين المصريين العاديين، ثمة رغبة جامحة في العيش بمجتمع ديمقراطي حر ونزيه. وإذا كانت أوروبا بحقٍ، حصن الديمقراطية في العالم، فإن قادتها ينبغي ألا يتخلوا عن مبادئها مقابل السياسة الواقعية الخرقاء.

 

– هذه المدونة مترجمة عن صحيفة The Guardian البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمرو دراج
وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق في مصر ورئيس المعهد المصري للدراسات باستانبول
وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق في مصر ورئيس المعهد المصري للدراسات باستانبول
تحميل المزيد