بن كيران.. نحن قومٌ نقول أشياء ونفعل عكسها!

عدد القراءات
1,219
عربي بوست
تم النشر: 2019/02/10 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/10 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
عبد الإله بن كيران/الشبكات الاجتماعية

وضع رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، نفسه وأتباعه في موقف محرج، بعد تأكيده صحة ما راج حول استفادته من تقاعد استثنائي، حيث صرح عبد الإله بن كيران، في كلمة ألقاها قبل مدة قصيرة أمام ملتقى شبيبة "العدالة والتنمية"، بأنه حصل على تقاعد استثنائي يقدر بـ90 ألف درهم للشهر الواحد، يقول بن كيران إن الملك محمد السادس أمر بتمتيعه بمعاش إستثنائي بعدما بلغ إلى مسامعه أن رئيس الحكومة السابق "مزيرة عليه الوقت"، وتأزمت وضعيته الاجتماعية منذ عزله من مهام رئاسة الحكومة.

عبد الإله بن كيران، الذي تلقى تعويضات دسمة عن نهاية الخدمة بصفته رئيس حكومة سابقاً، فضلاً عن مداخيل وأرباح مشاريعه الخاصة، حيث إنه يمتلك مؤسسة دار السلام للتعليم الخصوصي، التي تدر عليه أرباحاً بملايين السنتيمات، لم يجد مبرراً لتبرير استفادته من تقاعد استثنائي، يشكل أهم أبرز مظاهر الريع، الذي ظل  يردد على مسامع المغاربة أنه جاء هو وحزبه لمحاربته، والقضاء عليه، سوى إظهار نفسه بمظهر المتسول المعوز المحتاج، ويدّعي أنه يمر بضائقة مالية خانقة، منذ نهاية مهامه كرئيس للحكومة المغربية.

بن كيران، الذي أفقر أغلب المغاربة في فترة حكمه، وحكم على أغلب فئات المجتمع المغربي، خاصة طبقتي الكادحين وبسطاء الشعب، بالتقشف وأذاقهم بسياسات حكومته أنواع الظلم والحرمان الاجتماعي، ألحق ضرراً بالغاً بالموظفين من خلال الزيادة في الاقتطاع من رواتبهم، وتقليص معاشاتهم، وزيادة سن التقاعد- نجده اليوم "بلا حشمة بلا حياء" يبحث عن مخرج ومبرر لإقناع المغاربة بأن حصوله على تقاعد استثنائي دسم، دون حتى أن يسهم فيه ولو بسنتيم واحد، منطقي وسليم.

بن كيران، الذي ابتدع في ولايته مبدأ الأجر مقابل العمل، وسلّطه على رقاب المضربين عن العمل بالاقتطاع من أجورهم، مع أن الإضراب حق مشروع يكفله الدستور المغربي وكل القوانين الدولية- نجده اليوم دون خجل أو حرج يحاول تبرير حصوله على تقاعد غير مستحق رغم عطالته عن العمل، بل الأكثر من ذلك تهجمه الشديد على من ينتقد تمتيعه بهذا المبلغ الزهيد من المال العام، واتهامهم بأنهم "ماكايحشموش" وينبشون فيما لا يعنيهم، داعياً إياهم إلى احترام وتوقير "سيدنا" (بتعبير بن كيران) باعتبار أن الملك هو من أمر بتمتيعه بمعاش استثنائي وبعث مستشاره، فؤاد علي الهمة، ليبشره بذلك، حسب ما ادعاه بن كيران.

 

بن كيران، الذي كان يطالب حين كان نائباً برلمانياً، بإلغاء المعاش الاستثنائي، وإعادة النظر فيه بعدما وجّه سؤالاً شفوياً إلى فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وكان ينتقد فيه حينها، حصول وزراء سابقين على تقاعد استثنائي، مستدلاً بقصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع بطنه بعدما واجهها بقوله "قرقري أو لا تقرقري، فوالله لن تذوقي طعم اللحم  حتى يشبع أطفال المسلمين" ، وجد نفسه بعد سنوات من مطالبته بإلغاء التقاعد الاستثنائي يستفيد منه، بل يبحث عن مبررات ليستمتع به، بلغت حد ادعاء الفقر والعوز والحاجة وضيق الحال.

 

بن كيران، الذي كان بالأمس يحتج ويزبد ويرعد، على تقاعد الوزراء ومعاشاتهم، أصبح اليوم يقبله، لا بل يدافع عنه ويدعي أحقيته به، لم تعد تعنيه قضية القرقرة والغرغرة، بل همّه إشباع بطنه إلى حد التخمة، لم تعد تلهمه قصص الصحابة عن الزهد عن ملذات الحياة ومغرياتها، بل تستهويه ملايين التقاعد والحصول على ما لذّ وطاب من تعويضات، وأن يكون من علية القوم.

يبدو أن بن كيران، الذي خاطب يوم أن كان نائباً برلمانياً الوزير لعلو بالقول: "إننا دولة إسلامية والواجب علينا كدولة إسلامية أن نهتم بالمواطنين الذين لا يملكون شيءاً بدل الاهتمام بالوزراء ومنحهم معاشات"، نراه اليوم يتناسى أننا في دولة إسلامية، ويستحل لنفسه ما كان قد حرمه على الوزراء السابقين، ويتناسى أن هناك مواطنين محتاجين لا يملكون شيئاً، ملايين منهم يعيشون تحت عتبة الفقر، بسبب سياسات بن كيران نفسه، لما كان رئيس الحكومة، وسياسات النظام الحاكم الذي يغدق على بن كيران اليوم بكرمه ويكافئه على إتمام مسلسل الإفقار ونهب وسلب جيوب المواطنين تحت عباءة الإصلاح.

بدل أن يستشعر بن كيران الحرج، ويخجل من تناقضه الصارخ، ويستحضر قيم المرجعية الإسلامية التي ينهل منها بعض خطبه ومواعظه، يغيّب بها بعض أنصاره وأتباعه، نراه يتوعدنا ببث حلقة خاصة عبر تقنية الفيديو، ليشرح لنا كثيراً عن حالته الاجتماعية، ويعطينا ربما بالتفصيل مصاريفه اليومية، لا لشيء سوى محاولة تبرير تمتيعه بتقاعد استثنائي سخي، والحقيقة التي ينبغي لابن كيران أن يعرفها، أن المواطنين الذين يرفضون، ويستنكرون، ويعيبون عليه حصوله على تقاعد بهذا المبلغ، لا يعنيهم كثيراً كيف يعيش بن كيران حياته، وأين يصرف وكيف يصرف مداخليه، بقدر ما يهمهم ما تلقى من تقاعد سمين من المال العام، في الوقت الذي يعيش ملايين المغاربة أوضاعاً مزرية، ويرزح الملايين من الشباب تحت وطئة البطالة، بل في الوقت الذي ينعم فيه بن كيران بـ9 ملايين سنتيم في الشهر الواحد "مليون ينطح مليون" من المال العام، هناك آلاف من الشباب حكم عليهم بن كيران وأمثاله بسياساتهم، بركوب قوارب الموت، ومواجهة أمواج المحيط الأطلسي، والمخاطرة بأرواحهم، بحثاً عن سبل تحقيق أدنى شروط العيش الكريم.

كيف لابن كيران، الذي يظهر نفسه دائماً بالمتدين الطاهر، الذي يملك يداً نظيفة، لم تتلطخ بنهب المال العام، أن يقبل لنفسه أن يتقاضى مثل هذا التقاعد؟

هل من المعقول شرعاً ومنطقاً  أن يحصل على معاش بقدر 9 ملايين سنتيم في بلد، متوسط الأجر فيه لا يتعدى 3 إلى 4 آلاف درهم؟

نعرف عن عبد الإله بن كيران في جل خطاباته ولقاءاته، أنه يستحضر دائماً سير الصحابة، وقصص الصالحين من التاريخ الإسلامي، يستشهد بها حتى يمرر ما يريد تمريره، فماذا حدث في موقعة تقاعده؟ ألم يجد في نصوص الشرع، وكتب السيرة، والفقه، والتاريخ، ما يتناسب معها، وما يقيسها بها، حتى يتأكد من عدم معارضة تقاعده السخي، مع مقاصد المرجعية الإسلامية؟ نحن نعلم وبن كيران أيضاً  يعلم أنّ كتب الفقه والسيرة غنية بما ينبذ ويحذر المسلمين وعامة الناس من أكل أموال الناس بالباطل، وتقاعد بن كيران الاستثنائي يدخل ضمن هذا الباب،

أي أكل أموال الشعب دون وجه حق، لو اجتهد بن كيران قليلاً، وكلّف نفسه عناء البحث حتى يقي نفسه شر أكل أموال الناس بالباطل، لوجد قصة العامل الذي كلفه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- جمع أموال الزكاة، والمعروف بابن اللُّتْبِيَّة، وهي قصة مشهورة يُضرب بها المثل في النهي والزجر عن أكل المال العام من دون وجه حق، فقد استحل تبن اللُّتْبِيَّة مالاً لنفسه حرّمه الله ورسوله، بالقول: "هذا لكم وهذا أُهدي لي"، كما استحل بن كيران اليوم لنفسه تقاعداً استثنائياً من المال العام، بقوله: "هداه لي سيدنا" (وجه المقارنة ليس بين الصحابي ابن اللُّتْبِيَّة رضي الله عنه وبن كيران، بل بين استحلالهما معاً مالاً محرماً  عليهما)، وأمام استحلال ابن اللُّتْبِيَّة ما حرم الله عليه من مال، كان لزاماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الناصح والموجه والقدوة لأمته)- أن يزجر وينهر، بل ويضع منهجاً وحدوداً، لحماية المال العام من النهب،

فكان رده أن وقف  مغضباً، مخاطباً صحابته فوق المنبر، قائلاً: "ما بال العامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ، أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه، حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة له خوار أو شاة تيعر"، هذا ما حذر به رسول الله عامل الزكاة، فكيف بمن على عنقه 9 ملايين سنتيم عن كل شهر من المال العام؟ أي نوع من العقاب سيجازى به؟ وبأي وجه سيلقى الله؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
رشيد غفران
كاتب مغربي
تحميل المزيد