الأزمة المالية العالمية قادمة لا محالة، لكن لماذا تعد هذه هي الأخطر رغم تطمينات الساسة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/06 الساعة 16:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:07 بتوقيت غرينتش

تساءلت صحيفة The Guardian البريطانية، عن مستقبل الاقتصاد العالمي إذا ما وقعت الأزمة المالية العالمية بعد 10 سنوات من أخرى سابقة، تسببت في تدهور كبير في اقتصاديات الدول الناشئة.

وقال كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد، إنه بعد مرور عقد على الأزمة المالية العالمية عام 2008، يؤكد لنا الساسة باستمرار أن النظام أكثر أمناً اليوم. إذ قلّصت البنوك العملاقة الأكثر تأثراً بالانهيار الاقتصادي رهاناتها المحفوفة بالمخاطر، ولا يزال الجميع -أي المستثمرون والمستهلكون والعاملون في المصارف المركزية- في حالة تأهب قصوى. وتعمل الجهات التنظيمية جاهدة لضمان مزيد من الشفافية والمساءلة في الصناعة المصرفية، ولكن هل نحن حقاً آمنون إلى هذه الدرجة؟

هل نحن بالفعل أكثر أمناً؟

في الظروف العادية، يمكن أن يكون الجواب "نعم". إن هذا النوع من الأزمة المالية العالمية الشاملة النظامية، التي اندلعت قبل عقد من الزمان، لا يشبه الركود المعتاد الذي يحدث كل سبع سنوات. ويعكس الانخفاض الكبير في تكرار حدوث الأزمات المالية النظامية حقيقتين: الأولى هي استجابة صناع السياسة للإصلاحات مما يمنع تكرار هذه الأزمات، والثانية هي أن المستثمرين والمستهلكين والسياسيين يستغرقون وقتاً طويلاً لنسيان آخر تلك الأزمات.

ولسوء الحظ، نحن لا نمر بظروف عادية، إذ لا يمكن أن تتم عملية إدارة الأزمات أوتوماتيكياً، وتعتمد سلامة النظام المالي بالقدر الأكبر على كفاءة الأشخاص الذين يديرونه. والخبر السار هو أن البنوك المركزية الرئيسية لا تزال، إلى حد كبير، تتمتع بموظفين وقيادات ممتازة. أما الخبر السيئ فهو أن إدارة الأزمات تقع على عاتق الحكومة بأكملها، وليس السلطات المالية فحسب. وهنا تكمن المشكلة بدرجة كبيرة، بحسب الصحيفة البريطانية.

"رئاسة ترامب نفسها أزمة"

مما لا شك فيه أنه إذا كانت الأزمة القادمة تماثل الأزمة الأخيرة تماماً، فيمكن لأي صانع سياسة ببساطة اتباع القواعد التي أُرسيت عام 2008، وحينها قد تكون الاستجابة فعّالة بنفس الدرجة على الأقل. ولكن ماذا لو كانت الأزمة القادمة مختلفة كلياً، أي ناتجة مثلاً عن هجوم إلكتروني عنيف، أو ارتفاع سريع غير متوقع في أسعار الفائدة الحقيقية العالمية، التي تُعرِّض الأسواق الهشة لخطر الديون؟ هل يمكن لأحد أن يقول بصدق إن إدارة دونالد ترامب تتمتع بالمهارة والخبرة المطلوبتين للتعامل مع انهيار اقتصادي كبير؟ من الصعب أن نعرف، لأن الأزمة الحقيقية الوحيدة التي مرت بها الولايات المتحدة حتى الآن خلال رئاسة ترامب، هي رئاسة ترامب نفسها، بحسب المقال.

ويعدّ رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جاي باول وفريقه خبراء من الطراز الأول، ولكن مَن مِن المسؤولين الآخرين سيكون على الساحة لمواجهة أزمة اقتصادية خارجية حال وقوعها؟ لا يستطيع الاحتياطي الفيدرالي البدء في التصرف بمفرده؛ إذ سيكون بحاجة إلى الدعم السياسي والمالي من بقية الحكومة.

في الواقع، لا يتمتع الاحتياطي الفيدرالي بنفس الدرجة من إمكانية المناورة التي كان يتمتع بها عام 2008، لأن الإصلاحات المالية التي أدى إليها قانون دود-فرانك عام 2010، حدّت من قدرته على إنقاذ المؤسسات الخاصة، حتى لو كان النظام بأكمله معرضاً للانهيار. هل يمكن للكونغرس المتعطل أن يفعل شيئاً؟ أو ربما يمكن لستيفن منوشين، الذي أنتج بعض أفلام هوليوود قبل أن يصبح وزير الخزانة الأمريكية استقاء بعض الأفكار من دوره في فيلم Rules Don't apply الذي عُرض عام 2016.

وماذا عن أوروبا؟

وبحسب الصحيفة البريطانية فلدى أوروبا مشكلات مشابهة، أو أسوأ؛ إذ يصبح من شبه المؤكد في ظل الشعوبية التي تغذي الارتياب والانقسامات العميقة أن المرونة المالية أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمان. انظروا فقط إلى المملكة المتحدة، المركز المالي العالمي الرئيسي الآخر، حيث سحبت النخبة السياسية البلاد إلى حافة منحدر البريكست. هل يمكن حقاً أن نتوقع منهم أن ينجحوا في التعامل مع أزمة مالية تتطلب قرارات سياسية صارمة وتفكير مرن؟ من حسن حظ المملكة المتحدة أن لديها موظفين يتمتعون بكفاءة عالية في وزارة خزانتها، وكذلك في مصرفها المركزي، ولكن حتى أذكى الخبراء لا يمكنهم فعل الكثير إن لم يدعمهم الساسة.

وفي الوقت نفسه، في الجهة المقابلة من بحر المانش، سيجعل الانقسام العميق حول تقاسم الأعباء في منطقة اليورو من تنفيذ سياسة قوية للتعامل مع نوبة التوتر الشديد أمراً صعباً. على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع كبير في أسعار الفائدة الحقيقية العالمية إلى إحداث فوضى في أسواق الديون المنقسمة في منطقة اليورو.

ولكن ألن يكون ذلك قبل 20 أو 40 سنة أخرى من وقوع الأزمة المالية الكبيرة القادمة، مما يوفر الكثير من الوقت للاستعداد؟ يأمل المرء ذلك، لكنه بعيد كل البعد عن التحقق. وحتى لو نجحت النُّظم في احتواء المخاطر على المصارف، فمن المحتمل أن تكون المصادر الرئيسية للمخاطر قد انتقلت ببساطة إلى النظام المالي الموازي الأقل تنظيماً. ما نعرفه على وجه اليقين هو أن النظام المالي العالمي مستمر في التوسع، بوصول الدين العالمي إلى 200 تريليون دولار. وربما تساعد قواعد تنظيمية مالية أفضل على احتواء نمو المخاطر، ولكن لا يعني هذا بالضرورة تقلُّصه.

مراقبة الديون هي الحل

على سبيل المثال، مع أنه يبدو أن المخاطر التي تواجهها البنوك الكبيرة أقل "على الورق"، يجب على الهيئات التنظيمية أن تعمل بجد لمراقبة الديون المحفوفة بالمخاطر التي انتقلت إلى النظام المالي الموازي، ويمكن أن تتضخم بسرعة، وهو الدرس الذي تعلمناه من تجربتنا المريرة عام 2008. تسارع الجهات التنظيمية إلى الإشارة إلى الأصول "السائلة" التي تشكل درعاً واقياً للمصارف لمحاربة مشاكل الودائع وإعادة تمويل الديون. ولكن لسوء الحظ، فإن الأصول "السائلة" في الأوقات العادية غالباً ما تكون مفتقرة إلى السيولة بشكل كبير في أوقات الأزمات، بحسب المقال.

إن صانعي السياسة على حق عندما يقولون إن النظام قد خضع لتحسينات منذ عام 2008، لكن الإصلاحات الجزئية التي نُفذت أقل بكثير مما هو ضروري للغاية: مطالبة البنوك بتوفير حصة أكبر من أموالها من خلال إصدار الأسهم (أو من خلال إعادة استثمار أرباح الأسهم)، كما قالت عالمة  الاقتصاد أنات أدماتي من ستانفورد، والعالم مارتن هيلويج من معهد ماكس بلانك. ولسوء الحظ، فإن نمو النظام المالي المحتوم، مقترناً ببيئة سياسية تزداد خطورة، يعني أن الأزمة المالية الكبيرة التالية قد تأتي أسرع مما تعتقد.

تحميل المزيد