قال مدعون عموميون ومسؤولو استخبارات سابقون لصحيفة The Guardian البريطانية، إنَّ من شأن الكشف مؤخراً أنَّ رئيس حملة الرئيس دونالد ترامب ناقش مع شريك أعمال روسي خطة سلام لأوكرانيا منتصف عام 2016، أن يؤشر على مزيد من التدقيق في أحد أباطرة الأعمال الروس من قِبل المستشار الخاص روبرت مولر، الذي يحقق في التدخل الروسي بانتخابات عام 2016.
وأوضحت الصحيفة أن المحادثات بين رئيس حملة ترامب، بول مانافورت، وهو مستشار سياسي مخضرم؛ وكونستانتين كيليمنيك، مساعده منذ وقت طويل، والذي يُزعم أنَّه كانت لديه روابط بالاستخبارات الروسية عام 2016، جرت بنيويورك في الثاني من أغسطس/آب.
الصحيفة أضافت أن هذا اللقاء جاء بعد أيام فحسب من لقاء كيليمنيك في موسكو مع أوليغ ديريباسكا، وهو أحد أباطرة الأعمال الأقوياء والحلفاء المقربين من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وكان ديريباسكا أحد كبار زبائن مانافورت، لكنه قاضاه بسبب صفقة تجارية فاشلة في أوكرانيا، وكان يسعى لاسترداد قرابة 25 مليون دولار.
وأعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب العام الماضي (2018)، أنها تنوي رفع العقوبات عن شركات ديريباسكا، على الرغم من المعارضة القوية من طرف الديمقراطيين وبعض الجمهوريين في الكونغرس.
وكانت وزارة المالية قد فرضت عقوبات على ديريباسكا والكثير من شركاته بالتزامن، مع 7 آخرين من أباطرة الأعمال الروس، و12 شركة يملكونها أو يديرونها، و17 مسؤولاً حكومياً روسيّاً، بسبب "أنشطة خبيثة" شملت "محاولة تخريب الديمقراطيات الغربية، وأنشطة سيبرانية خبيثة".
علاقة الملياردير الروسي أوليغ ديريباسكا بمدير حملة ترامب
وكشفت وثيقة حديثة من إحدى المحاكم، أنَّ هذه المحادثات التي جرت في نيويورك جاءت بعد وقت قليل من إرسال كيليمنيك رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مانافورت، يخبره فيها بحاجته إلى أن يطلعه على لقائه مع ديريباسكا.
أرسل كيليمنيك، الذي عمل مدة عقد من الزمان مع مانافورت عندما كان مستشاراً سياسياً يجني عشرات الملايين من تمثيل ديريباسكا والأحزاب السياسية الأوكرانية المؤيدة لموسكو، في أواخر شهر يوليو/تموز، رسالة قال فيها إنه أمضى لتوّه ساعات مع الرجل "الذي أعطاك أكبر إناء من الكافيار الأسود منذ عدة سنوات"، في إشارة إلى ديريباسكا.
وجاء في رسالة كيليمنيك إلى مانافاورت أنَّ ديريباسكا طلب منه أن يوصل "عدداً كبيراً من الرسائل المهمة منه إليك".
وكانت وثيقة المحكمة التي أصدرها مولر في منتصف شهر يناير/كانون الثاني، أول دليل على أنَّ مانافورت وكيليمنيك قد تحدثا عن خطط للسلام في أوكرانيا. ونصت الوثيقة أيضاً على أنهما ناقشا مثل هذه المقترحات "في أكثر من مناسبة".
وقال المسؤولون السابقون إنَّ وثيقة مولر هذه ربما تشير إلى اهتمام متزايد بتورط ديريباسكا مع مانافورت وكيليمنيك. وقال مايكل زلدين، المدعي الفيدرالي السابق الذي تخصص بإنفاذ قوانين غسل الأموال: "يطرح هذا الأمر السؤال حول ما إذا كان لدى مولر اهتمام حالياً بديريباسكا في تحقيقه".
وهل علِم الرئيس دونالد ترامب بالمحادثات التي جرت في موسكو ونيويورك؟
وقال زلدين إنَّ بعض خطط السلام لأوكرانيا، والتي تصب في مصلحة موسكو، كانت "وسائط" لإنهاء العقوبات المؤلمة التي فُرضت على روسيا عام 2014، بعد أن اجتاحت شرق روسيا والقرم، وهو ما يعد أحد الأهداف الرئيسة للكرملين.
وبالمثل، قال نِك آكرمان، أحد المساعدين السابقين للمدعي العام في قضية ووترغيت: "يبدو من المرجح أنَّ مولر سوف يركز على ديريباسكا أيضاً في الوقت الذي يفحص فيه مانافورت وكيليمنيك".
وأكد ضباط استخبارات سابقون أنَّ الروابط بالكرملين ربما كان لها دور في هذه المحادثات المتعاقبة في موسكو ونيويورك.
وقال ستيفن هول، الرئيس المتقاعد لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية في روسيا: "ديريباسكا ملازمٌ رئيسٌ وأحد أباطرة الأعمال الرئيسين في نظام حكم القلة الذي يرأسه بوتين".
وأضاف هول: "من شأن ديريباسكا أن يتلقى أوامره من الكرملين حول ما تريده روسيا، وضمن ذلك رفع العقوبات وحلُّ الموقف في أوكرانيا لمصلحة روسيا. ويبدو من المرجح أنَّ سلسلة الاتصالات كانت ستتكون من بوتين إلى ديريباسكا إلى كيليمنيك إلى مانافورت".
وشدد هول قائلاً: "إنَّ صلة مانافورت بديريباسكا أمر ضروري. أعتقد أنَّ الناس بحاجة فعلاً إلى التركيز على العلاقة بين مانافورت وديريباسكا. تلك هي بالأساس صلة الرئيس دونالد ترامب ببوتين".
وهو ما جعل الـ"إف بي آي" يلجأ إلى الملياردير المقرب من فلاديمير بوتين طلباً للمساعدة
وجاء إفصاح مولر عن هذه الدردشة حول خطة السلام الأولية، في ملف مكثف وثَّق 5 أكاذيب مزعومة اقترفها مانافورت، في انتهاك منه لاتفاق تفاوضي لتخفيف العقوبة مقابل التعاون التام، بعد أن أُدين بتهم متعددة تشمل التزوير المصرفي والضريبي، وأقر بذنبه في تهمتين تتعلقان بمؤامرات. ورفض متحدث باسم مانافورت التعليق.
ولم يستجب أي من كيليمنيك أو ديريباسكا لرسائل البريد الإلكتروني التي طلبت التعليق.
وخلال موسم انتخابات 2016 التي فاز بها الرئيس دونالد ترامب عندما بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالية النظر في التدخل الروسي، جرى اللجوء إلى ديريباسكا، بشكل موجز على الأقل، طلباً للمساعدة.
وفي شهر سبتمبر/أيلول 2016، خلال رحلة لديريباسكا إلى نيويورك، زاره عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي زيارة مفاجئة؛ في محاولة ناجحة لحمله على التعاون مع تحقيقاتهم في التدخل الروسي بانتخابات عام 2016، وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times.
وبعد وقت قليل من تعيين ترامب لمانافورت -في الأصل لمساعدته على تأمين المندوبين لانتزاع الترشيح الرئاسي من الحزب الجمهوري- أرسل الأخير رسالةً بالبريد الإلكتروني إلى كيليمنيك، للتأكد من أنَّ ديريباسكا كان على علم بدور مانافورت في الحملة.
خاصة بعد افتضاح رسائل البريد الإلكتروني بينه وبين حملة ترامب
وفي رسائل البريد الإلكتروني التي كانت صحيفة The Washington Post أول من يوردها، اقترح مانافورت إعطاء ديريباسكا "إحاطات خاصة" حول حملة الرئيس دونالد ترامب ، وأخبر كيليمنيك بأن يمرر الفكرة إلى ديريباسكا، على ما يبدو؛ في محاولة لكسب رضاه وتسوية الدعوى القضائية التي رفعها ديريباسكا ضده.
وقال مانافورت وكيليمنيك وديريباسكا إنه لم يتم تقديم أي اقتراح رسمي قط، ولم تتمخض هذه الفكرة عن شيء.
إذ أشار كيليمنيك، في رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها إلى مانافورت في شهر يوليو/تموز، وكانت مجلة The Atlantic أول من نشرها، إلى أنه أخبر ديريباسكا بأنَّ عليه "أن يمرر الأمر عليك أولاً"، لكنه قد يأتي بسرعة "في حال اشتريت له تذكرة". ووصف كيلمينيك أفكار ديريباسكا حول مستقبل بلاده بأنها "مثيرة للاهتمام للغاية".
وردَّ مانافورد بأنَّ يوم الثلاثاء الثاني من أغسطس/آب يوم مناسب، وقيل إنَّ الرجلين قد التقيا بهذا اليوم في Grand Havana Room، وهي حانة للسيجار وسط مانهاتن.
وكان كيليمنيك -وهو رجل مراوغ يبلغ من العمر 48 عاماً ذو خلفية من التدريب بمدرسة للاستخبارات العسكرية ويعيش الآن بموسكو بعد سنوات عاشها في كييف- قد اتهمه مولر، جنباً إلى جنب مع مانافورت، عام 2018، بالتلاعب في الشهادة.
واتهم شريك تجاري آخر لكيليمنيك بتهمة تحويل مبلغ 50 ألف دولار، بشكل غير قانوني، من أحد أباطرة الأعمال الأوكرانيين لمصلحة تمويل تنصيب الرئيس دونالد ترامب .
وذكر المستشار الخاص أيضاً، العام الماضي (2018)، في إحدى وثائق المحكمة، أنَّ كيليمنيك كانت له روابط بالاستخبارات الروسية في أثناء عام 2016، وهو ادعاء أنكره كيليمنيك.