تفاصيل صادمة للساعات الأولى لتولي بشار الأسد السلطة في سوريا، رواها بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وسفير الرياض سابقاً لدى الولايات المتحدة.
ونشرت النسخة العربية لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية بالنسخة العربية، الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني 2019، لقاء مطولاً مع الأمير بندر بن سلطان، تناول فيه كثيراً من الأحداث التاريخية، منها ترتيبات جنازة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وكيف أصابه الذهول من تفاصيل صادمة للساعات الأولى لتولي بشار السلطة.
تفاصيل صادمة للساعات الأولى لتولي بشار الأسد للسلطة.. لا يبدو مكترثاً برحيل والده
التقى الأمير بندر بشار الأسد خلال الترتيبات لجنازة والده قبل وصول ولي العهد السعودي الأمير عبدالله (الملك فيما بعد) إلى دمشق للمشاركة في الجنازة.
أولى الصدمات التي تلقاها الأمير بندر عندما أخبره العماد مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، بأن حزب البعث اجتمع وغيّر البنود والدستور السوري وصوّتوا عليه ليصبح بشار هو الرئيس.
وكان عمر بشار أقل من 40 عاماً، وتم تغيير الدستور في وقت قياسي بعد أن كان ينصّ على أن الحد الأدنى لسن الرئيس 40 عاماً.
ولكن ما صدم الأمير بندر حقاً ما بدا أنه عدم اكتراث من بشار الأسد بوفاة والده.
الصدمة الكبرى.. أراد توجيه رسالة مودة للأمريكيين قبل أن يدفن والده
جاءت الصدمة الكبرى التي تلقاها الأمير بندر عندما أخذ يذكر محاسن الرئيس الراحل حافظ أمام بشار، التزاماً بالمثل القائل "اذكروا محاسن موتاكم".
ففوجئ بنجله بشار الأسد يقاطعه قائلاً بلهجته السورية: "أيه أيه خير، المهم كيف سنبدأ العمل مع الأمريكيين، هل من الممكن أن تنقل لهم رسالة بأننا جاهزون".
يقول بندر: "نظرت إليه وقلت له لم تدفنوا والدك حتى هذه اللحظة.. أخ بشار، الملك مشغول عليك جداً، أنت متأكد؟".
أجاب بشار: "متأكد من ماذا؟"، فقال له بندر: "من نفسك"، قال: "أها، تقصد الملك خايف علي".
وأضاف قائلاً: "لا لا تخف.. في الشهرين الماضيين، لم يعد والدي يذهب إلى المكتب فصارت تأتيني المعاملات إلى البيت، وأنا آخذها له ونوقع ما يحتاج توقيع وبعدها أعطيه للمرافق، وأذهب أنا إلى النادي للتمرين ثم أذهب للعمل".
ثم أخذ بشار يروي ساعات حافظ الأسد الأخيرة بطريقة غريبة.. والأغرب ما فعله بعد موته
ويكمل الأمير سرد تفاصيل صادمة للأيام الأخيرة قبل تولي بشار الأسد السلطة بسوريا ووصول الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز للقائه.
إذ قال له بشار: "صباح أمس جئت بالأوراق وسلّمت على ماما وأختي بشرى، وقالت أبوك متعب قليلاً، فدخلت وكان بالكاد يفتح عينه وجسست النبض واختفى النبض".
والأغرب الكلام الذي قاله بشار بعد أن عرف بوفاة والده.
إذ ينقل الأمير بندر عنه: "قلت للوالدة إنه نام، أغلقت الباب، ذهبت إلى النادي وتمرّنت".
ويقسم الأمير فجأة أن هذا الكلام حرفياً حدث.
وقرر إغلاق دمشق بالدبابات ثم توعد الجنرالات
ويقول بشار، حسب رواية الأمير بندر: "أخبرت ماهر الأسد ومناف طلاس بخطة لضبط الأمن، وطلبت منهم أن يغلقوا منافذ دمشق بالدبابات".
ويضيف الأسد الابن: "جاءت مجموعات أمنية، وأتوا بـ 10 عمادات مع قادة المناطق ودخلت عليهم وقاموا بإلقاء التحية وبعضهم يترحم".
ويتابع: "قلت لهم: اششش.. أنت ستغادر غداً، وأنت هذه السنة الأخيرة لك، أنت ستبقى، ما سمعته على لسانك عني أعجبني، أنت سأقطع لسانك.. أنت أخذت كم مليون دولار سنحاسبك وأنت كذا وكذا".
وبدأ بشار بتوزيع الـ"أنت" وبعدها ما سيفعله بكل عماد، والعماد هو أعلى رتبة عسكرية، حسب الأمير بندر.
ويقول بندر: "من هول الصدمة من الكلام الذي قاله بشار وهو لم يدفن والده بعد سألته مرة أخرى: هل تضمن بأن القوات المسلحة معك؟".
قال: "نعم، ما هي القوات المسلحة، هذه كل القوات المسلحة، القيادات التي أتيت بها، استغربت".
ويذكر الأمير بندر أنه قال في نفسه بالعامية: "الجولان لن يتحرر ما دامت هذه قيادات الجيش".
يد مخملية تحتها حديد
ويقول الأمير إنه كان بمفرده مع بشار الأسد فقط، ومناف طلاس ينتظر في الخارج.
وقال له بشار: "بندر الناس تتوقع يدي مخملية، هي مخملية وتحتها حديد".
وقبل ساعات من وصول الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان ولياً للعهد آنذاك، يواصل بشار الأسد حديثه عن الساعات الأخيرة لحياة والده وكيف استطاع بشار كسب رضا الجيش وتغيير التفاصيل لتعمل لصالحه.
بشار سارع باستقبال الملك عبدالله
يقول الأمير بندر: "انتظرت طائرة الملك (كان ولياً للعهد آنذاك)، ووصلت ونزل منها، وإذ ببشار الأسد في المطار يستقبله، لم تتسنّ لي فرصة التحدّث إلى الملك وإخباره بما حدث".
ويضيف: "دخل الملك عبدالله مع بشار الأسد المجلس، ومعه ممن أذكر الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والأمير سعود الفيصل، والدكتور غازي القصيبي. وبعد قليل قال الملك عبدالله لبشار دعنا نتحدث على انفراد".
قال الملك تعال أنت مثل ولدي ودخلا، وأجلَس الملك بشار على كرسي أمامه وبدأ الحديث وبنكتة من هنا وهنا، وامتد الحديث إلى قرابة الساعة، حوالي 45 دقيقة.
يقول الأمير بندر: "أخبرت الأمراء مقرن وسعود الفيصل وكذلك غازي القصيبي بما حدث".
قال غازي القصيبي لماذا لم تخبر الملك؟ قلت له شاهدتم ما حدث.
لم يكن الأمير بندر يتوقع أن يأتي بشار لاستقبال الملك عبدالله في المطار وترك العزاء، وهذا ما قطع الفرصة عليه ليمهد للملك عن المحادثة التي حدثت، وهي سبب إصرار الوزيرين الراحلين: الفيصل والقصيبي على أن يخبر الأمير بندر الملك بما حدث من بشار.
هذا غلام ما يعرف يحكي
يقول الأمير عن تلك اللحظة: "انتظرنا حتى خرج الملك، وأصر بشار على توديعه".
خرج الملك عبدالله، وأسرعت إليه وقلت له إنني تحدثت مع بشار قبل وصولكم، ولم تسنح الفرصة لإخبارك.
علق الملك على اللقاء: "هذا غليّم ما يعرف يحكي" (غلام ما يعرف يحكي).
وأضاف عبدالله: "أقول لك هذا ما يعرف يحكي سألته من عندك من الرجال والمستشارين، ما يعرف يحكي، سوريا تهمنا، ما نبغاها تسقط".
لماذا يكنّ بشار حساسية مفرطة للأمير بندر، وما حكايته مع شقيقه باسل؟
ما سبب حساسية بشار الأسد المفرطة من اسم بندر بن سلطان، والحديث المكثف في إعلام النظام والقنوات التابعة لإيران في لبنان والتي يديرها حزب الله عن بندر بن سلطان؟
إجابة بندر بن سلطان للنسخة العربية من صحيفة الإندبندنت كانت مسهبة.
قال: "عرفت بشار من قبل أن يصبح شيئاً، وأخاه باسل الذي توفي بحادث سيارة".
وأضاف: "أعتقد أن رئيس النظام السوري لديه عقدة هي باسل حافظ الأسد، ولا تزال موجودة حتى بعد وفاته. الفرق بين حافظ الأسد وبشار الأسد كالفرق بين السماء والأرض"، حسب الأمير السعودي.
يقول: "الأب كان رجلاً، وهذا ولد حتى الآن، الأب كان صادقاً حتى في الخلاف معه، الولد يكذب أكثر مما يصدق، الأب كان محاطاً برجال يعتمد عليهم، الولد محاط بأناس مثله، حافظ الأسد كان عنيداً وله قدرة على الصبر ولكن يعرف الحدود".
رفض اقتراحاً سعودياً لخروج مشرف من لبنان والنتيجة انسحاب مهين
يعطي الأمير بندر بن سلطان مثالاً لعناد بشار. يقول: "الأسد الأب يعرف متى يجازف ويتراجع، الولد بشار لا يعرف متى يجازف ولا متى يتراجع".
ويضيف: "مثال على ذلك الانسحاب المذل للقوات السورية من لبنان عام 2005".
إذ يكشف أن "السعودية عرضت عليه قبل ذلك بأسبوع خطة توافقت عليها الحكومة اللبنانية على أن تنفذ بضمانة من المملكة.
ويتضمن الاقتراح أن ينسحب الجيش السوري تدريجياً إلى البقاع اللبناني (المنطقة الأقرب للحدود السورية).
ويكون هناك تجمّع للجيش السوري وبعدها بشهر يصدر طلب من الرئيس اللبناني بالانسحاب، وشكر للرئيس السوري ويخرجون بوداعٍ رسمي وبشكل لا يكون فيه مذلة للجيش السوري، ولكن بشار رفض الخطة، وحدث ما حدث"، في إشارة للخروج المهين للجيش السوري من لبنان بعد ثورة الأرز التي اندلعت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري.
اللقاء الأول.. حساسية أخرى تجاه الأب
اللقاء الأول بين بشار الأسد والأمير بندر كان في حياة حافظ الأسد في حضور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك.
يقول: "بدا لي شاب كانت ممارسة الرياضة واضحة عليه ولم يتحدث كثيراً، قلت له: سعيد أنني التقيت بك، وكلام من هذا القبيل".
أجابه بشار قائلاً: "الرئيس بلغني". استغربت استعماله لكلمة "بلغني" وتساءلت كيف لم يستعمل كلمة أمرني.
فقرر الأمير بندر سأختبره، وكرر الكلام بصيغة سؤال.. الرئيس أمرك تشوفني؟ لم يفهم بشار مغزى السؤال، ولكن الدبلوماسي المخضرم فاروق الشرع التقطه، وقال: نعم، الرئيس أمرني أن آتي معك لرؤية الرفيق بشار.
قال بشار: "تفضل". وضعت الخرائط على الطاولة وفتحناها، وأخبرته بالتفاصيل التي دارت بيني وبين والده بشأن العرض الإسرائيلي من الجولان.
وأخبره أن حافظ الأسد أبلغه بأنه رفض الاقتراح بسبب طريقة العرض، وإصراره أن تصل الحدود السورية إلى بحيرة طبرية والخلاف حول 10 أمتار من الحدود، وكيف ندم حافظ الأسد على رفضه هذا العرض.
بشار يطرد قائد الدبلوماسية السورية المخضرم
يقول الأمير بندر: "لم أشعر أثناء اللقاء بأن فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك يعير بشار أية أهمية، أثناء شرحي لبشار تفاصيل الخرائط، ضرب – وهو ليس رئيساً بعد – على الطاولة".
وقال: "شو هالحكي 10 متر هون و10 متر هون، خلصونا". فقلت له: "نخلصك من إيش؟".
وتساءل: فيه حل أحسن من هيك؟ اللي عنده حل أحسن من هيك يجيبه. قلت: نعم.. قال: من؟ قلت: أبوك.
قاطعنا فاروق الشرع قائلاً: رفيق بشار نحكي بالموضوع بعدين، فطرده بشار: اطلع.
وبالفعل خرج الشرع.
تعال لتلعب بولينغ في أمريكا
بعد طرد الشرع، قال الأمير بندر: "عندي لك اقتراح يا بشار، يقولون لي إنك تحب الكمبيوتر والإلكترونيات، ما رأيك أن تأتي إلى الولايات المتحدة وأستقبلك في أي مكان تحب في الساحل الغربي".
وأضاف الأمير السعودي قائلا لبشا الأسد " يمكن أن آخذك إلى شركة البوينغ ووادي السيليكون وغيرها؟".
وأضاف الأمير بندر قائلاً: "بعدها نذهب إلى "آسبن" لديّ مزرعة هناك ترتاح وتقضي يومين أو ثلاثة أيام فيها، ثم نعود إلى العاصمة واشنطن، وأنسق مع البيت الأبيض، إما نذهب سوياً إلى هناك، أو أدعو أحداً من البيت الأبيض ليجتمع بك في منزلي".
وكان رد بشار -حسب وصف الأمير- غريباً، حيث قال له باللهجة العامية : "ليه كل هالهيصة؟ بدّن يحكوا نحكي".
رد الأمير بندر عليه: "لم أستشر والدك بالمناسبة، وأفضل أن تستشيره.
وأضاف "إذا كنت ترى نفسك قادراً على الذهاب إلى واشنطن مباشرة سأرتب ذلك، حتى لو أردت أن أطلب منهم توجيه دعوة لك. ووعدني بالرد".
"لا تأخذ كلام هذا الولد".. توبيخ من حافظ لبشار
بعد اللقاء، قال عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوي وقتها، للأمير بندر: "لا تأخذ كلام الولد هذا".
فسأله بندر: "أي ولد؟"، فأجابه الولد بشار.
وأضاف قائلاً: "الرئيس وبّخه بعد الكلام الذي قاله لك".
ويبدو أن رجال الرئيس السوري حافظ الأسد كانوا يتجسّسون على اللقاء.
وعلق الأمير بندر: "إذا كان الرئيس حافظ الأسد قد استمع إلى كل شيء لا مشكلة؛ لأنني في نهاية حديثي قلت له اسأل الرئيس، إذا وافق نحن سنقوم بما تريد".