مرَّ أكثر من 17 عاماً على بدء الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان. وفي ظل جولة جديدة من المحادثات الآن بين طالبان والولايات المتحدة، انتعشت الآمال بأن نهاية الحرب ربما تلوح في الأفق.
في أعقاب 6 أيام من المحادثات التي استضافتها قطر، أفادت باميلا كونستابل مراسلة صحيفة The Washington Post الأمريكية بأن ممثلي الولايات المتحدة وطالبان "حددوا خطوطاً عريضة -لكنهم لم يتفقوا رسمياً- لخطة واسعة ستغادر بموجبها القوات الأمريكية البلاد، مقابل تعهد من جانب الجماعة المسلحة يضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانية للإضرار بالمصالح الأمريكية عن طريقها أو عن طريق الجماعات الإسلامية الأخرى".
وبعد عديد من البدايات الخاطئة التي شهدتها مفاوضات سابقة، يجدر طرح تساؤلات حول ما إذا كان أي شيء قد تغير حقاً في هذه المرة، وما إذا كان أي من الجانبين قد قدَّم تنازلات حول أي من الموضوعات الرئيسية. لذا سنطرح في السطور التالية بعضاً من هذه التساؤلات والإجابات التي نعرفها.
إلى أي مدى تبدو المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان غير اعتيادية؟
كانت الولايات المتحدة في الماضي تتجنب الحديث مباشرة إلى الجماعة في أغلب الأحيان. وحتى عندما سيطرت طالبان على معظم أراضي أفغانستان بين عامي 1996 و 2001، لم تعترف الولايات المتحدة رسمياً بالجماعة باعتبارها الحكومة الشرعية للبلاد (ولم تتخذ هذه الخطوة سوى بضعة بلدان).
سافر بيل ريتشاردسون، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة آنذاك، إلى كابول في عام 1998، للتفاوض مع طالبان. وبالرغم من أنه توصل إلى اتفاق لعقد محادثات سلام لإنهاء القتال الذي وقع في البلاد حينذاك، انهار الاتفاق بعد مدة وجيزة من مغادرته. وفشلت كذلك جهود لاحقة في العام التالي.
بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، قادت الولايات المتحدة غزواً لأفغانستان، في محاولة لاعتقال زعيم القاعدة أسامة بن لادن. أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة بسيطرة طالبان على معظم مناطق البلاد، لكن الجماعة ظلت قوة مسلحة نافذة واستعادت لاحقاً السيطرة على كثير من المناطق التي خسرتها في البلاد.
وفي عام 2010، أشار روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، إلى أنه من الممكن التوصل إلى تسوية مع طالبان كانت ستسمح بأن تبقى الجماعة مُكوناً من مكونات "النسيج السياسي" لأفغانستان. غير أن المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة تعقدت، نتيجة لاعتقاد واشنطن بأن عملية السلام ينبغي أن تكون عملية "يقودها الأفغان، ويملكها الأفغان". رفضت الجماعة المسلحة الاجتماع مع الحكومة الأفغانية التي تعتبرها دمية في يد الولايات المتحدة.
تغير هذا في الصيف الماضي، عندما بدأ ممثلو الولايات المتحدة الاجتماع مع طالبان في قطر -من دون حضور أي ممثلين عن الحكومة الأفغانية- وعينت الولايات المتحدة زلماي خليل زاد، وهو سفير أمريكي سابق، ليكون مبعوثها في محادثات السلام.
هل غيرت الولايات المتحدة رأيها حول انسحاب القوات؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية، طالما قالت طالبان إن إخراج القوات الأمريكية من أفغانستان مطلبٌ ضروريٌ لأي اتفاق سلام. ولعل قولهم وجد آذاناً صاغية لدى الرئيس ترامب، الذي ينتقد استمرار الوجود الأمريكي في أفغانستان، بالرغم من إقناعه أكثر من مرة بأن الجيش الأمريكي لا يزال في حاجة إلى قوات هناك.
لكن أي انسحاب كامل للقوات الأمريكية اعتمد منذ أمد طويل على ما إذا كانت الحكومة الأفغانية قادرة على التعامل مع التهديد القادم من طالبان من دون الدعم الأمريكي. وحتى في وجود الدعم الأمريكي تشير التقديرات إلى أن الحكومة الأفغانية تسيطر على 55.5% فقط من البلاد، وذلك حسبما أفادت أحدث التقارير الواردة من مكتب المفتش الأمريكي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان.
أُجبر الجيش الأمريكي أيضاً على تقليص حجم التواصل المباشر مع قوات الأمن الأفغانية، بعد عدد من الهجمات "الداخلية" في العام الماضي.
وليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة تؤمن بأن الحكومة الأفغانية قادرة على تحمل الضغط القادم من طالبان، أو إقناع الجماعة باتفاق دائم على وقف إطلاق النار. وفي كلتا الحالتين، يقول نقاد محادثات طالبان إنه لا يمكن الوثوق بأنهم لن يعملوا ضد الحكومة.
وكتب حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، مقالاً نُشر في مجلة Foreign Policy الأمريكية في ديسمبر/الماضي، قال فيه: "كانت طالبان تمارس لعبة طويلة المدى، وتأمل في انتظار خروج الأمريكان قبل هزيمة القوات الأفغانية التي لم تحظ بتدريب كافٍ".
هل غيرت طالبان آراءها حول استخدام أراضيها؟
ولطالما جادلت الحركة بأن طموحها محلي فقط، لكنها اتفقت مع منظمات جهادية دولية مثل القاعدة. فضلاً عن أنها أيضاً كانت تؤوي بن لادن، بدءاً من عام 1996.
وطالما جادلت الولايات المتحدة بأن الجماعة تحتاج إلى التوقف عن إيواء الجهاديين الذين على شاكلة بن لادن. بالرغم من المحادثات التي استمرت لسنوات، استمرت طالبان في رفض طرده، وكانت تقول في أغلب الأحيان إنه مفقود أو كانت تطالب بمزيد من الأدلة على أنه متورط في أعمال إرهابية.
في تصريحات إلى صحيفة The Washington Post تعود إلى عام 2001، قال كارل إندرفورث، مساعد وزير الخارجية السابق: "صار من الواضح أن المطالبة بمزيد من الأدلة كانت تكتيكاً للتأخير أكثر من كونها جهوداً صادقة لحل قضية بن لادن".
وفي حديثه إلى صحيفة The New York Times الإثنين. الماضي، قال خليل زاد، مبعوث الولايات المتحدة إلى أفغانستان، إن طالبان التزمت بـ "تطميننا" للتأكد أن أفغانستان لن تُستخدم بهذه الطريقة مرة ثانية. ولم يتضح بعد ماهية هذه الالتزامات.
يذكر أن طالبان ليست على وفاق مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يسجل الآن حضوراً له في أفغانستان. لكن الباحثين أشاروا إلى أن القاعدة لديها "قدرات هيكلية حقيقية في المنطقة" يمكن أن تسمح بإعادة تنظيم صفوف التنظيم.
ما الدور الذي يمكن أن تؤديه الحكومة الأفغانية؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية، رفضت طالبان منذ وقت طويل التعامل مع الحكومة الأفغانية، قائلة إنها ليست شرعية. غير أن خليل زاد ألمح في تصريحاته إلى صحيفة The New York Times بأن طالبان ستكون في حاجة إلى الموافقة على وقف إطلاق النار والحديث إلى الحكومة الأفغانية مباشرة قبل أن تمضي هذه المحادثات إلى أبعد من هذا.
ولم يُعرف بعد ما إذا كانت طالبان ستوافق أم لا على هذه الشروط، لكن الحكومة الأفغانية رحبت بإمكانية الدخول في مفاوضات مباشرة. دعا الرئيس الأفغاني أشرف غني طالبان الإثنين لـ "بدء محادثات جدية" مع حكومته والتوصل إلى "سلام سريع".
ويبقى السؤال الأكبر هو ما إذا كانت طالبان سوف تقدر على التخلي عن رؤيتها التي اعتنقتها منذ عهد طويل، والمتعلقة بتأسيس دولة إسلامية صِرفة، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مع الحكومة المنتخبة ديمقراطياً. إضافة إلى السؤال الذي يدور حول ما إذا كانت تستطيع إدخال تحسينات على نهجها في المناحي الرئيسية، التي على شاكلة معاملة النساء والأقليات.