عزلة المجتمعات المراهقة

أما بالنسبة للخروج من تلك العزلة، فلابد أن تأخذ تلك المجتمعات خياراً بالنضوج، بالانفتاح على الآخر وتقبله, أن تستطيع التوازن ما بين عزلتها مع نفسها عن الآخرين وعزلتها مع الآخرين مع نفسها, وبالطبع أن خيار الانفتاح على الآخر لا يعني أن تتخلى تلك المجتمعات عن خصوصيتها أو هويتها المميزة لها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/17 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/17 الساعة 05:10 بتوقيت غرينتش

لطالما كانت العُزلة ومفهومها تُشكل سؤالاً وعلامات استفهام, فهذا الشعور الذي ينتاب جميع البشر في لحظات معينة من حياتهم والذي يبدأ منذ لحظة ميلاد الإنسان وخروجه من عزلة الرحم حتى لحظة مماته.

فمفهوم العزلة مربوط بسؤال معرفة الإنسان عن ذاته, سواء بينه وبين نفسه أو من خلال وجوده بين أفراد آخرين ومجموعات, وكل ما يصدر عنه من أفعال وكلمات وإشارات وأدوار يؤديها ويسلكها أثناء وجوده مع الآخر بعيداً عن عزلته مع ذاته.

وقد حدد الفلاسفة وعلماء الاجتماع سابقاً ملامح لنوعين من العزلة تمارسان في آن معاً, يمارسهما الإنسان بشكل يومي ولحظي ومستمر على مدى حياته, عزلة الإنسان مع ذاته عن الآخرين, وعزلته عن ذاته مع الآخرين.
ففي الحالة الأولى (عزلة الإنسان مع ذاته عن الآخرين), فهي مرفوضة من قبل المجتمع والذي يقف موقف عدائي ضد هذه العزلة.
بدايًة يأتي الرفض من العائلة ضد أحد أفراده المنعزلين عنها, ليستمر في المدرسة, حيث تُسجل العزلة كحالة سلوكية يتم التعامل معها كخلل سلوكي لدى التلميذ يجب معالجته وتغيره, حتى أنها باتت تعتبر أحد الأمراض الاجتماعية أو أحد عوارض الاكتئاب والإحباط.
أما بالنسبة إلى المجتمع, فهو يفرض عليك التخلص من العزلة عنه ويسعى دائماً لضمك إلى أفراده ومجموعاته ومؤسساته, يستخدم أمكنة لكي يحقق ذلك مثل المدارس, دور السينما, المطارات, الجامعات, الدوائر الحكومية… الخ.

ويزداد الموقف العدائي من العزلة في المجتمعات التي يدخل فيها الدين كمكون ثقافي أساسي لدى تلك المجتمعات, فالدين يحض على الجماعة, فدور العبادة كالمساجد والكنائس هي أمكنة جامعة لأداء العبادة, وينال زائرها الثواب الأكبر مقارنة بالفرد الذي يمارس العبادة بمفرده.
وهنا نلاحظ حالة من التناقض المضحك في هذا المسعى.فغالباً جميع الرسل والأنبياء في التاريخ يمرون بمرحلة عزلة مقدسة, تشبه إلى حد ما عزلة المراهق,عزلة رومانسية غامضة وسحرية.

الرسول أو النبي يدخل في العزلة لكي يكتشف الحقيقة المطلقة، المُخلصة لجميع الشرور في العالم, نرى ذلك في عزلة النبي محمد في غار حراء، عزلة المسيح في الصحراء, بوذا في الغابات والأنهار.

عُزلة يدخل بها النبي والمراهق لكي يستعدان إلى العودة, العودة إلى الصراع النهائي للحياة.تنتهي تلك العزلة بأن يعود المُنعزل إلى العلن، ليعلن أن العُزلة قد انتهت, وعلى الجميع أن ينضم إلى المجموعة وبناء المجتمعات والعمل, والنهوض بالأمة, وجعلها متفوقة على نظيراتها, سواء كان هذه التفوق نتيجة القوة والإجبار أو طريق الدعوة والتبليغ.

وتبقى تلك العزلة تحوم فوق رأس تلك المجتمعات, ملازمة لها, فهي مجتمعات مراهقة بُنيت على حكاية عزلة فرد وجد الحقيقة المطلقة, تبني علاقتها مع الآخر من منطلق إما أن تكون معنا أو تكون معزولاً عنا, تضع الشروط على التفاعل مع المجتمعات الأخرى، تسعى لأن تضم المجتمعات الأخرى إليها, تتخذ أساليب متنوعة لتحقيق ذلك، وتستخدم أدوات عنيفة لتحقيق أهدافها.

أما بالنسبة للخروج من تلك العزلة، فلابد أن تأخذ تلك المجتمعات خياراً بالنضوج، بالانفتاح على الآخر وتقبله, أن تستطيع التوازن ما بين عزلتها مع نفسها عن الآخرين وعزلتها مع الآخرين مع نفسها, وبالطبع أن خيار الانفتاح على الآخر لا يعني أن تتخلى تلك المجتمعات عن خصوصيتها أو هويتها المميزة لها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد