يدعي الجميع محاربة الإرهاب، تقام المؤتمرات، وترفع الشعارات، وتتعالى الأصوات التي تناهض الإرهاب. جيوش وأموال وطاقات دول عظمى تستخدم للقضاء على الإرهاب. ومع كل هذه الجهود سنة 2015 شهدت أعمالا إرهابية كان ضحيتها الآلاف من الضحايا في مختلف دول العالم، كما أنها هددت أمن واستقرار أقوى دول العالم. فهل هذا الإرهاب هو شر يستحيل القضاء عليه.. أم أن الإرهاب أقوى من كل الجهود المبذولة للتخلص منه؟ّ
في الحقيقة، كل الجهود كانت موجهة للقضاء على الإرهابيين وليست الإرهاب. إجراءات صارمة على الحدود والمطارات لمنع دخول كل من يشتبه بنواياه. أسلحة ومعارك عسكرية لشن حرب على الإرهاب. ولكن بينما كان الجميع يدعي محاربة الإرهاب، كانوا يحاربون الإرهابيين. فالإرهاب الحقيقي الذي يجب محاربته، موجود في ذلك التفكير الرجعي الذي يلغي الآخر، الذي يتغذى على الجهل والتعصب.
يمكن للحل العسكري قتل مئات الإرهابيين بل ربما الآلاف، ولكن لا يمكنه قتل الإرهاب. الفكر الإرهابي عابر للمسافات والحدود، الإجراءات الصارمة يمكن لها أن تضعف الإرهاب، يمكنها أن تدخله بسبات عميق، ولكن عند أقرب فرصة سيستيقظ ويعود ليستعيد نشاطه ويحقق انتقامه، والتاريخ شاهد على ذلك. الإرهاب والتطرف ليسا بحاجة "لفيزا" لدخول أي بلد، كما أنهما ليسا حصرا بمنطقة معينة. فأي فرد هو مشروع إرهابي عند حشو دماغه بأيديولوجية معينة.
الإرهابيون هم ضحايا ذلك الجهل المضاد للرصاص، ولتخليص العالم من هذا الشر لا بد من تجفيف منابع هذا الفكر المتخلخل في مناهج التدريس الرجعية والعادات والمفاهيم البالية، فمحاربة الإرهاب عملية معقدة تتجاوز حدودها ساحات المعارك، فهي يجب أن تبدأ في المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية، وقد تستغرق سنين وحتى عقودا ولكن لا بد من محاربة المشكلة من جذورها لا من أطرافها.
فالإرهاب هو كالكتلة السرطانية في الدماغ، تنشر المرض في أنحاء الجسد لتضعف العمليات الحيوية تدريجيا. فالمرض يبدأ بمكان معين، ولكن عند إهمال المشكلة أو تقديم العلاج الخاطئ، يؤدي ذلك لتدهور المشكلة وانتقالها لأماكن آخرى، فقطع اليد أو القدم لظهور الأعراض عليهما لن يقضي على الكتلة الموجودة في الدماغ.
كما أن بذل الوقت والجهد لمعالجة الأعضاء التي ظهرت عليها تأثيرات المرض قد يؤخر المشكلة ولكن لن تقضي على المرض نهائيا. فللقضاء على الكتلة السرطانية يجب تقديم تشخيص مناسب للحالة المرضية، تشمل الأعراض والأسباب، وتقديم حلول جذرية ونظريات من شأنها معالجة هذا المرض. فلا يمكن محاربة شيء لم يتم تشخصيه ودراسته.
فأولا يجب أن نحلل أسباب ظهور الإرهاب ونشخص أعراضه ليمكننا اقتلاعه من جذوره. فلا شك أن هذه العملية معقدة وهي تحتاج لوقت وأموال تغطي الأبحاث اللازمة وتمول البرامج التعليمية، ولكن لا شك أن ذلك أفضل من صرفها على الحروب والدمار التي من شأنها فقط أن تقضي على الإرهابيين لا الفكر المتطرف الذي في مقدرته إنتاج ملايين الإرهابين.
فالإرهاب لا يقتصر على التفجيرات الجهادية والأعمال الوحشية، بل يتضمن الترويع بكل أشكاله وخاصة الفكري، الذي يتم التخاذل في محاربته. فمنابع الإرهاب تتغذى في المؤسسات التعليمية والاجتماعية قبل الحربية، فإعادة هيكلة النظم التعليمية والثقافية من شأنها تجفيف منابع التطرف.
فإذا كانت هنالك نيات صادقة للقضاء على الإرهاب، فلا بد من دعم الجهود التي تحاربه كفكر ومذهب وليس فقط الإرهابين الذين هم ضحايا مذاهب رجعية تم شحن عقولهم بالتطرف وتزويدهم بأوهام من شأنها سلب إنسانيتهم وتجنيدهم لخدمة أجندة معينة.
فكيف يمكن للقتل والحرب أن يوقعا الهزيمة بالإرهابين وهم يؤمنون أن الموت هو خلاصهم الوحيد. فعلى العالم أن يدرك أن محاربة النار بالنار ستؤدي فقط للدمار واستنزاف الطاقات، فلا يمكن شن حرب للقضاء على الإرهاب والحرب هي بحد ذاتها أبشع أنواع الإرهاب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.