عفواً ليست هذه أحجية سياسية، ولكنها صورة من الواقع الجديد مع بدء عمل البرلمان المصري. فبحسب المادة 156 من الدستور المصري الذي أقسم النواب على احترامه لابد أن يتم إقرار القوانين التي صدرت في غيبة البرلمان خلال خمسة عشر يوماً فقط من بدء عمله وإلا صارت القوانين باطلة أو ساقطة، ومنها قوانين تتعلق بعملية انتخابات الرئاسة في مصر، ما يجعل البرلمان مجبراً على حسم القوانين بسرعة غير مسبوقة في التاريخ.
وقد حسم مجلس النواب المصري خياره حول كيفية التعامل مع كل القوانين التي صدرت في غيبته، منذ تعيين الرئيس المؤقت عدلي منصور في الثالث من يوليو من العام 2013، مروراً بالقوانين التي أصدرها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وقرَّر الالتزام بتطبيق المادة 156 من الدستور الحالي.
وفي جلسة مجلس النواب التي عقدت أمس الاثنين قام المستشار مجدي العجاتي وزير شئون مجلس النواب، بتسليم 340 قراراً بقانون، صدرت منذ يوليو 2013، إلى رئاسة المجلس وتم توزيع هذه القوانين على لجان داخلية بالمجلس لمناقشتها، تمهيداً لبدء عرضها على النواب في جلسة السبت المقبل. وقال رئيس البرلمان المصري الدكتور علي عبدالعال "إن عدداً كبيراً منها يتعلق بضبط الموازنة العامة والحسابات الختامية وموازنات الهيئات الاقتصادية، وعددها 169 قراراً بقانون، وهي لا تثير مشكلات، بينما هناك عددٌ من القوانين ذات الطابع السياسي وعددها 144 قانوناً ستتم مناقشتها وإقرارها"، ما يعني أن هناك قوانين ستمرُّ من دون مناقشة.
وكان رئيس البرلمان المصري قرَّر أمس وقفَ بث جلسات البرلمان تليفزيونياً مبرراً ذلك بحاجة الأعضاء إلى التركيز لإنجاز المهمة المكلف بها المجلس.
5760 دقيقة فقط لإقرار القوانين
وعن الفترة الزمنية المتاحة لمناقشة تلك القوانين قال المستشار نور الدين علي إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر النيابي التي يتعرض فيها البرلمان لتلك الأزمة، وهي إصدار تشريع كل 15 دقيقة على الأكثر، وهذا أمرٌ غير مسبوق في أي برلمان في العالم، مشيراً إلى أن الفترة المتبقية لمناقشة تلك القوانين هي 8 أيام فقط مع إعلان المجلس بدء جلسات المناقشة السبت المقبل وهي الفترة المتبقية من مدة الـ15 يوماً المنصوص عليها في المادة 156 من الدستور المصري لإقرار تلك القوانين قبل أن تسقط.
وأكَّد علي في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، أن المجلس ليس أمامه سوى العمل خلال تلك الأيام بما فيها العطلات الرسمية، بحيث لا يقل عدد ساعات انعقاده عن 12 ساعة يومياً، من دون راحة، وهو ما يمنحه 5760 دقيقة عمل لإقرار كل تلك القوانين، بمعدل 720 دقيقة في اليوم، وبمعادلة حسابية بسيطة لن يزيد الوقت المتاح لإقرار أي قانون على 15 دقيقة فقط. وقال إن "تلك جريمة تقع مسؤوليتها على لجنة الخمسين التي لم تقم بصياغة تلك المادة بشكلٍ منضبط، فلم تكن لديهم الرؤية الواضحة لمعالجة الأزمات المستقبلية، وكان عليهم أن يبقوا على نص المادة 147 من دستور 1971، أو أن يقوموا بمنح الرئيس سلطة التشريع في الأحكام الانتقالية للدستور بشكل كامل لحين انتخاب البرلمان، مع مسؤولية الرئيس في إصدار هذا الكم من التشريعات".
عقبات متوقعة وأرقام غير مسبوقة
في حين قال حازم عمر الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إن هذا العدد الكبير من القوانين التي سيتم إقرارها، يفوق عدد التشريعات التي صدرت عن مجالس سابقة خلال فصلها التشريعي الكامل (5 سنوات).
وهناك العديد من العقبات التي تواجه المجلس خلال عملية إقرار تلك القوانين، ومنها طول المدة الزمنية التي يتطلبها عرض القانون المقترح مناقشته مادة مادة، كما تقضي الأعراف البرلمانية، ما يهدد، بحسب حازم عمر، بعدم إمكانية الانتهاء من مناقشة القانون في فترة قصيرة، مشيراً إلى أن المجلس يمكنه اللجوء إلى توزيع نصّ القرار على النواب، واعتبار ذلك عرضاً للقانون.
ومن الإشكاليات المتوقعة أيضاً احتمالُ إثارة مناقشة بعض القوانين لجدل سياسي ، خصوصاً في ظل الخلافات التي شهدها المجلس في جلسات انعقاده القليلة، ومنها قانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية وقانون الحبس الاحتياطي وقانون تحصين عقود الدولة. لكن الوقت المسموح به للمناقشة كما يرى الباحث لا يسمح بهذا الجدل.
رئاسة في خطر
من جهته حذر الدكتور فؤاد عبد النبي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، من عدم انتهاء البرلمان من إقرار تلك القوانين لما يمثله ذلك من خطورة كبيرة على الحياة السياسية ومؤسسات الدولة المصرية، ومنها "إبطال" انتخابات رئاسة الجمهورية، من خلال المادتين 121 و156 من الدستور. وأشار إلى أن قانون انتخابات الرئاسة الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، صدر فى غيبة البرلمان، ووفقاً للمادة الدستورية إذا لم يتم إقراره خلال 15 يوماً من انعقاد البرلمان، سيصبح القانون باطلاً وتزول آثاره وهي انتخابات الرئاسة.
فيما قال الدكتور شوقي السيد الفقيه القانوني، إن إلغاء القانون الخاص بانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يؤثر على المراكز القانونية التي ترتبت على تنفيذ القانون في الفترة السابقة على إلغاء القانون.
وأكد في تصريح خاص، أن آثار إلغاء القانون ستكون بأثر مستقبلي، وهو ما يعني أنه ستكون هناك حاجة إلى إعادة صياغة قانون جديد للرئاسة، يتم خلاله معالجة أوجه القصور التي دفعت المجلس – إن حدث – لرفض القانون، وفي تلك الحالة سيكون المجلس ذاته هو المنوط به صياغة هذا القانون، كونه صاحب الحق الأصيل في التشريع.