العنف واللاعنف والين واليانج

العنف واللاعنف يشبه في الطب الفرق ما بين المعالجة المحافظة والجراحة. أي الفرق بين إعطاء العقار ومد اليد إلى المبضع؟ وتناول حبة الدواء سهل، والجراحة دم وألم، ولكن بكل أسف لم يستغن الطب عن المشرط حتى اليوم، كما أن المشافي ليست كلها قاعات للعمليات الجراحية بل أقل غرفها عددا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/12 الساعة 05:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/12 الساعة 05:26 بتوقيت غرينتش

منطقة الشرق الأوسط مع كتابة هذه الأسطر في مطلع عام 2016م قد تشبعت في بحور من الدماء، وكنت أتوقع ذلك، حين قلت لبناتي في كندا: القتل في سوريا سوف يصل الى الرقم المليوني؟ طلبوا مني التوقف؟ قلت لهم ولن يبق حجر على حجر.

هذا المدخل مهم من أجل ترسيخ مفهوم العنف واللاعنف في مطلع كتاباتي لهذا الموقع الإنساني الهام، حتى أؤسس مع الوقت لتوليد تيار اللاعنف الإنساني في المنطقة؛ فينجو الجميع، كما في تعميم اللقاحات زمن انتشار الأوبئة، فكما أصيب البشر بالعدوى من فيروس وجرثوم؛ فإن وحدات العدوى في الأمراض الاجتماعية هي الأفكار.

أنا متتيقن أن هذه الأفكار جدا غريبة وقد تكون للبعض نجاة ولآخرين فتنة. وفي القرآن أنه إذا نزلت آية نظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بانهم قوم لايفقهون.

العنف واللاعنف يشبه في الطب الفرق ما بين المعالجة المحافظة والجراحة. أي الفرق بين إعطاء العقار ومد اليد إلى المبضع؟ وتناول حبة الدواء سهل، والجراحة دم وألم، ولكن بكل أسف لم يستغن الطب عن المشرط حتى اليوم، كما أن المشافي ليست كلها قاعات للعمليات الجراحية بل أقل غرفها عددا.

وفي مشفى يضم 600 سريرا قد يكون فيها ستة غرف للعمليات الجراحية. وهذا يعني 1% من التناسب بين غرف المشفى. ومع تطور الطب في جراحة المناظير بثقوب بسيطة فإن الجراح الذي لا يفتح البطن جاهز لفتح البطن في كل لحظة. وطبيب القثطرة القلبية لا يتجرأ على توسيع شرايين القلب بدون وضع حسابه بالقفز في كل لحظة إلى عملية فتح الصدر والتداخل على القلب مباشرة.

وكل هذا الكلام يؤكد وجود العنف واللاعنف في الحياة. مثل الين واليانج في الفلسفة الصينية. أو الفعل ورد الفعل في الميكانيكا. والسلب والإيجاب في الكهرباء. وفي القرآن "ادفع بالتي هي أحسن". وفيه أيضا "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به". وفي الحديث "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف". والجهاد هو للنفس بالنفس ضد النفس، وهو بذل أقصى الجهد لتمثل الإسلام والإشعاع به؛ فيصبح حامله مصباحاً منيرا بين الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.

وفي بعثة الإسلام توجد مرحلتان واضحتان هي: المكية والمدنية. الأولى لم يكن فيها عنف، وفي الثانية شرع العنف واستخدم؛ فبقدر كف اليد في المرحلة المكية " الآية ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" بقدر القتال المسلح في المرحلة المدنية"قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم".

والقرآن 30 جزء منه 18 مكي و12 مدني. ويجب فهم متى نلجأ للجراحة ومتى نبتعد عنها؟ وأنها تجري في شروط تعقيمية صارمة.
وإذا جاء مريض ينزف يجب التداخل جراحيا فورا لإنقاذ حياته. ولكن من يجري عملية جراحية في سوق الخضار، وليس في قاعات العمليات المعقمة فمن الأفضل له أن يتكسب رزقه من دكان للجزارة.

وأرسل لي صديق أن زوجته تشتم والديه وتضربه وتمزق كتبه وهو يعاملها باللاعنف ويتذكر موقف سقراط من زوجته كزانتبي التي قال عنها: من كان له زوجة صالحة كان من السعداء ومن كانت له زوجة شريرة أصبح من الفلاسفة. وهو بهذا يعزي فلسفته إلى تعلمه إياها من الصبر على الزوجة السفيهة. ولكننا في الطب نعرف أن المرأة المازوخية لا تصل إلى الذروة مالم تضرب وتتألم. وبعض المتعة الجنسية من العض. وهي من مخلفات الغابة والغرائز الوحشية المودعة فينا . فأحدنا نصفه وحش ونصفه ملاك. وليس كلمة فاضربوهن من فراغ. وهو ليس تبريرا ولا تشجيعا ولم يضرب نبي الرحمة ص قط.

كما أن السادي لا يتمتع ويصل إلى النشوة إلا بإنزال العذاب بالآخرين فيتمتع. والكثير من حكام العربان هم مرضى من هذه النوع، ولذا عذبوا شعوبهم على يد رجال المخابرات على مدار الساعة وبراميل التفجير.

وعندما يعترضنا شقي فينهب؛ أو لص فيسرق، أو مريض نفسي ليغتصب زوجة أحدنا أو ابنته يجب ردعه، وفي قريش كان الرسول ص محميا من عشيرته كما لو كان في أيامنا أحد رجال العائلة المالكة الأقوياء؛ فلم يعذب؛ بل عذب أصحابه، وليس كل أصحابه حسب العلاقات القبلية؛ فأمر الضعفاء منهم بالهرب إلى الحبشة. وفي يوم تجرأ أبو جهل فتجاوز هذا الخط الأحمر فألقى القاذورات على الرسول ص وهو يصلي فجاء حمزة وبيده قوسه ثم توجه إلى أبي جهل وهو في ناديه بين أصحابه ثم علاه فضربه بالقوس على رأسه فشجه وقال له: رد علي إن كنت تستطيع فقامت جماعته وكان معناها أن حمزة سيقتل عدداً منهم فهو أسد الله ورسوله؛ فالتفت أبو جهل وقال دعوه فقد سببت محمدا وآذيته ومعه الحق.
وكانوا رجالا حتى لو كانوا وثنيين فهذه أخلاق الصحراء والحرية وليس أخلاق العبيد مواطني الإمبراطوريات.

والخلاصة التي ننتهي إليها إن العنف والتدريب على الدفاع عن النفس غير العمل السياسي؛ فإن يعترض شقي أحدنا عليه أن يتصرف بما يردعه عنفا أو لاعنف. ولكن أن يدعو الإنسان إلى فكرة فتأتي الدولة لاعتقاله فيجب أن لا يدافع عن نفسه فضلا عن تفجير نفسه وقتل الأبرياء.

وسيد الشهداء من قام فصدع بالحق وقام في نادي أو مسجد كبير وأعلن رأيه بصراحة وصدع بالحق في وجه القوة. ثم قال افعلوا ما بدا لكم كما فعل مؤمن آل فرعون. فاللاعنف هو في التغيير السياسي، وليس في التصرفات الفردية اليومية. والتفريق حساس بين الاثنين. وشعرة تحجب الرؤيا. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد