دار نقاش بين مجموعة أخوية في الـ"واتس أب" عن إعداد برامج الأنشطة الصيفية، واستوقفني لبرهة تأملي بحجم المتاح للجيل الصاعد من فرص ترفيهية وتعليمية وتثقيفية ومنصات عالمية من "فيس بوك" وأخواتها، ومن "يوتيوب" وتفرعاتها، مقارنة بالأجيال السابقة المحصورة الخيارات.
تأملت أكثر وامتد بصري لما هي الفرص المتاحة الآن لأبناء هذا اليوم أمام إخوانهم الذين سبقوهم بعقد أو عقدين فقط.
نعم، كل جيل ينعم بمتع حُرم منها الجيل السابق، وهذا لا يحتاج لتأمل، إلا أن معدل المتاح في الآونة الأخيرة لأبناء اليوم يجعل فرص التقدم العلمية والثقافية والفنية توصلهم للعالمية، وهذا الأمر يسقط على كثير من الأمور في الحياة؛ ابتداء من اختيار التخصص الدراسي أو واجبات الطعام ومروراً باختيار الشريك وطريقة اختياره وانتهاء باختيار الدولة التي يود أن ينتمى أو ينتسب لها كمواطن.
قد تكون بعض التفاصيل تحتاج إلى تغطية كبيرة في بعض هذه المواضيع، إلا أننا نؤمن بأن كل تلك الخيارات والفرص ترتكز على طبيعة التنشئة والبيئات المحيطة إلى جانب الثقة بالنفس واقتناص الفرص.
فعندما نستعرض حياة بعض الآباء أو حتى الإخوان الكبار السابقة نجد أن بعض الإخوة في البيت الواحد وبسبب تفاوت العمر بينهم، يكون أبناء الجيل السابق تعرض للضرب والحرمان من أمور تكاد تكون طبيعية وعادية، بينما الأمر تغير مع الأبناء الأصغر سناً وأدوات: فنسجل الاحترام في التعامل وعدم الصراخ والضرب ومنح حرية التعبير والاختيار والمشاهدة.
حتى موضوعات كالسفر والدراسة وغيرها تخضع لذات الشيء من تغيير في هامش التعاطي بين الأجيال، فمثلاً الدراسة والابتعاث للخارج؛ سُجل رفض الكثير من الأجيال السابقة لإرسال ابنائه لدراسة في خارج مناطقهم حتى لو داخل بلدانهم، بينما سمح للأصغر سناً من نفس العائلة بالدراسة والابتعاث إلى دول مثل أميركا وأستراليا وكندا.
هنا تبرز مفارقات كبيرة بين الجيل الذي حوصرت خياراته وبين الجيل الذي أعطي هامشاً أكبر من الخيار، فمن نجح في استثمار الخيارات المتعددة والمتنوعة على أحسن وجهه، كوَّن باكورة جيل مبدع ومتقدم بينما الجيل الذي حوصرت خياراته وفرضت عليه الوصاية حتى في أكله، انتهى به المقام بأن يكون جيلاً بسيطاً، وربما متأخر إن سمحوا لنا بالتعبير بذلك، وقد أقول وقد يكون منهم بعض التعساء والمنغلقين فكرياً والمعقدين نفسياً.
وفي ظل كل هذا الحراك الاجتماعي والصورة المتغيرة، تتبادر عدة أسئلة ولعل أكثر الأسئلة إلحاحاً:
هل يمكننا أن نقيم محاكمات اجتماعية كما فعل د.علي الوردي لأبناء جيله، وإذا حاكمنا أبناء مجتمع سبقنا بسبب مصادرته لحق المجتمع في الخيار، يبرز سؤال كيف نعوض الأجيال السابقة خسائر الفرض الفائتة بسبب الحرمان لسيادة كلمة "لا" من قبل بعض الأطياف الاجتماعية آنذاك؟! وإن صدق المضي قدماً في محاكمات كهذه، فمن يحاكم من يفرض كلمة "لا" السابقة على "نعم" الحالية إذا كان من فرضها منظومة أكبر من المجتمع!!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.