ما هو الكذب القهري؟!

ولكن البعض يرى أن تشخيصه كمرض بحد ذاته أمر صحيح؛ حيث إن الأسباب التي تدفع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية تختلف عن الأسباب التي تدفع مريض الكذب القهري إلى الكذب، إنه غالباً غير مؤذٍ ولا يتلاعب بالآخرين كما قد يفعل المريض العقلي مثلاً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/17 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/17 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش

هل سبق لك أن تعاملت مع شخص يبدو أنه يعيش في عالم الخيال؛ حيث أغلب ما يقوله كذب أو مبالغ فيه؟ حسناً.. إذا كان الأمر كذلك، فإنك قد تتعامل مع مريض عقلي، نرجسي، أو "كذّاب" فقط.

ما هو معروف عن الكذب القهري أنه غير مشخّص كمرض بحد ذاته، ولكن تم وضع عدة سمات أساسية تحدد الشخص الذي يعاني من الكذب القهري.

يمكن أن نعدد بعض هذه السمات الآن:

– أولى هذه السمات هي أن المريض يعتقد أنه يخبر الآخرين قصصاً وليس كذبات، قد يخبرك بالعديد من القصص المؤثرة والرائعة، ولكنها دائماً تأخذ منحى غير قابل للتصديق، وبينما هو يروي هذه القصص فإنه دائماً ما يقول في نفسه إن هذه القصص ممكن أن تحدث، أو قابلة للحدوث، وبالتالي فإنه من الصعب أن يتم كشف الكذب بسرعة.

– السمة الثانية الأساسية التي يعاني منها المريض هي أن القصص التي يخبرها المريض لا تنبع من هلاوس، وبالتالي فإنها تختلف كلياً عن مريض الشيزوفرينيا الذي ينفصل عن الواقع ويعيش في هلاوس سمعية وبصرية غير حقيقية؛ حيث إن مريض الفصام يصدق ويعتقد تماماً بما يسمع ويرى من هلاوس غير حقيقية، على عكس مريض الكذب القهري الذي لا يصدق ما يقوله، وهو يعي تماماً أن هذه القصص هي من نسج خياله وأنها غير حقيقية، ولكن عندما يقوم المريض بتكرار القصة مرة بعد مرة، فإنه قد يصدق نفسه، ولكنها تبقى أيضاً ليست بهلاوس.

– السمة الثالثة عندما تكتشف كذب الشخص المصاب بالكذب القهري وتواجهه وتخبره "أنا أعرف أنك تكذب! لقد كنت معك في ذلك اليوم ولم يحدث أي من هذا.."، فإنه سوف يتوقف مباشرة ويعترف أنه كان يكذب، بعض الأشخاص قد لا يظهر عليه أي توتر أو علامة أنه ندم؛ لأنه يكذب، والبعض قد يصبح غاضباً وعنيفاً في حال تمت مواجهته، ولكن بشكل عام لا يوجد ردود فعل واحدة فيما يتعلق بالكاذبين، وهذا يدل أيضاً على أن ما يقوله المريض ليس هلاوس؛ حيث إن المصاب بالهلاوس يعتقد ويصدق تماماً ما يقول ولا يقتنع بأنها كذب.

– السمة الرابعة عند مريض الكذب القهري هو أن الدافع نحو الكذب ليس خارجياً، أي ليس سببه هو خوفه من الآخرين أو محاولته التملص من موقف ما، بل الدافع يكون داخلياً بحتاً؛ حيث يعتقد المريض أن حياته مملة وخالية من أي شيء مثير للآخرين فيبدأ باختراع قصص مثيرة.

– السمة الخامسة والأخيرة هي أن معظم القصص التي يرويها هؤلاء المرضى هي عبارة عن قصص تحمل صفة إيجابية ومحببة لدى الآخرين، كأن يصور نفسه على أنه بطل أو منقذ أو أنه تغلب على شيء ما بقدراته، أو أنه يعرف أشخاصاً مشهورين، أو أي شيء يجعله يبدو أفضل مما هو عليه في حياته التي يعتبرها مملة.

اللافت في الكذب القهري هو أنه كان مشخصاً من قبْل كمرض بحد ذاته، ولكن حديثاً تم شطب التشخيص من الدليل التشخيصي الخامس، وقد وضح العلماء أن السبب في عدم وجود الكذب القهري كمرض مشخص بحد ذاته هو أن الكذب القهري يعد إحدى خصائص العديد من الأمراض النفسية، وهو غالباً لا يأتي منفرداً، حيث نجده مع الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية والشخصية المعادية للمجتمع والشخصية التمثيلية، كذلك في الإدمان إضافة إلى معظم المضطربين نفسياً يعانون من الكذب القهري. وبالتالي فإن اختصار تشخيص الحالة بالكذب القهري لا يعطي صورة واضحة عما يعانيه الشخص بشكل عام.

ولكن البعض يرى أن تشخيصه كمرض بحد ذاته أمر صحيح؛ حيث إن الأسباب التي تدفع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية تختلف عن الأسباب التي تدفع مريض الكذب القهري إلى الكذب، إنه غالباً غير مؤذٍ ولا يتلاعب بالآخرين كما قد يفعل المريض العقلي مثلاً.

فغالباً الكذب لديه أصبح بدافع العادة للكذب، إنه يكذب لأنه يريد أن يظهر بشكل أفضل، ولأن حياته ليست مثيرة بشكل كافٍ فقط، وليس هناك دوافع خارجية كأن يحصل على أصدقاء، أو أن يكون معروفاً.

كثير من الناس يخلط بين الكذب القهري والكذب المرضي؛ لوجود تشابه بينهما، الكذب المرضي يختلف تماماً عن الكذب القهري؛ حيث إن الشخص الذي يعاني من الكذب المرضي المرافق لاضطراب نفسي يكذب دون أي سبب، ويقوم بذلك بشكل مقنع جداً، وكما تقول عالمة النفس السريري مارثا ستاوت: "فإنهم غالباً ما يكذبون ليتمكنوا فقط من رؤية ما إذا كان بإمكانهم خداع الناس. هؤلاء الناس ماهرون جداً في الكذب في جميع الأحوال؛ لأنهم يفتقرون تماماً إلى التعاطف مع الآخرين".

لكن الشيء الأهم الذي يجب أن نعرفه هو ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الكذب القهري؟! ما هي الجذور الحقيقية وراءه؟! ما الذي يدفع الشخص إلى الكذب؟! كما يحصل مثلاً مع الاكتئاب، لماذا يصاب الشخص بالاكتئاب؟! هل الأسباب بيئية؟! هل الأسباب جينية؟ هذه الأمور يصعب معرفتها تماماً، ولكن يمكن كشفها عبر ما يخبرنا به المريض عن نفسه وحياته.

يرى بعض العلماء أن السبب وراء هذا الاضطراب هو أن المريض نشأ في بيئة كان الكذب فيها ضرورياً كأن تكون أسرة منتقدة بشكل دائم، ولكن بشكل عام لا يوجد سبب واضح لماذا يصاب الشخص بالكذب القهري.

يعتبر العلاج المعرفي السلوكي مفيداً في هذه الحالات؛ حيث يتم التركيز على تغيير سلوك الكذب لدى المريض، حيث لا بد أن نتعرف على الأفكار والمشاعر التي ترافقه بينما يخبر قصصه الكاذبة، هل هي الأفكار السلبية التي تظهر في رأسه أو حاجته إلى مزيد من الاهتمام؟ وبالتالي العلاج السلوكي أو المعرفي السلوكي غالباً ما يكون مفيداً طالما أنه تم الكشف مبكراً.
المشكلة مع الكذابين القهريين هي أنهم يجدون صعوبة في قول الحقيقة أثناء جلسات العلاج، وهذا يمكن أن يكون ضاراً لتحقيق أهداف خطة العلاج، فالمعالجون ذوو الخبرة قادرون على معرفة متى يتوقف المريض عن قول الحقيقة، وهم قادرون على مساعدته على رؤية ماذا كان يفعل، وكيف أنه يؤثر سلباً على حياته.

مصادر أخرى:

هنا

هنا

هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد