أضغاث أحلام

بمجرد خروجه من الحجرة أصبح في مكان جديد شديد الظلام. أحس بالبرد بين أطرافه ونظر حوله ليجد نفسه في بحر شاسع بلا بداية ولا نهاية. لا يتجلى سوى ضوء القمر على صفحة الماء ممتدا في أفق من مجهول ليس له نهاية. كتلك الأسئلة التي تراوده في شروده ولا يستطيع المنافسه في الإجابة عليها أو حتى حصرها. الهدوء قاتل في مكانه. أخذ يمشي في الماء فلربما كان قرب القاع علامة على قرب الشاطئ ولكنه بلا اتجاه. نظر إلى أسفل الماء فوجد شيئا مميزا..

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/08 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/08 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش

ربما لم تكن الفرصة مواتية حينها ليسأل نفسه "من أكون؟" فسأل نفسه "أين أنا؟" أو ربما السؤال الأول كان بديهيا لدرجة إهماله في بداية رحلته السريعة الغامضة.
لا يعرف إن كان ذلك هو المشهد الأول، ولكنه أول ما تذكره. الطريق يمتد بين صحراء وردية اللون بسبب غروب الشمس، تموجت رمالها الساكنة. نعومة الطريق تؤكد له أنه في مكان لم يزره من قبل؛ فلم يسبق له وأن كان على طريق بمثل تلك السهولة، حتى أحس بأن سيارته تطير حين انعدمت قوة احتكاكها مع ذرات الطريق. فكر حينها بأنه ربما يحلم؛ فقد رأى مشهدا مماثلا لذلك المشهد من قبل.

"هادي مدة طويلة. وأنا نحوّس أنا وعلى على غزالتي. وأنا نحوّس أنا وعلى على غزالتي. وأنا نحوّس أنا وعلى غزالتي"

"I dream of rain.. I dream of gardens in the desert sand."

بدأ صوت تلك الأغنية يطغى على المشهد حتى أن الصورة تلاشت ولم يتبق منها إلا الإطار الأسود الذي لا يوضح ما يحتويه. ثم أشرقت في وسط الإطار صورة لطفل يجلس وحيدا في غرفته وسط تلك الألعاب التي بدا وكأنه يكلمها. من بين تلك الألعاب كانت طائرته الصفراء الصغيرة التي أمسكها بيده وتخيل أنه قائدها. وأخذ يطير بها في كل أرجاء المنزل وكأنما السماء كلها له. لن توقظه عاصفة ولن تمنعه الحدود من طي كل تلك المسافات والسفر إلى ما بعد الأحلام.

بعد أن دار المنزل كله تقريبا.. وجد تلك الغرفة التي اكتشفها للتو في منزله. على قدر استغرابه من عدم انتباهه لها من قبل كان فضوله الذي حثه على الدخول واقتحام هذا المجهول..


"مصر مش تونس"

كانت تلك أولى الكلمات على لسان أول من رآهم في تلك الغرفة. نظر إلى يديه فلم يجد طائرته الصفراء. نظر إليه فوجده رجلا في الخمسينات من عمره بدا وكأنه مدرس. نظر من حوله فوجد مجموعة من الطلاب ينظرون إليه منتظرين رده على جملة المدرس، من بينهم تلك الفتاة التي بدت بائسة متسارعة الأنفاس وكأنها حضرت للتو. تشتت انتباهه للفتاة بأن أحس أن الجميع لا يزالون ينتظرون منه الرد. فلا مفر.


"أنا مش لاقي طيارتي الصف……"

تلك كلماته التي لم تكتمل حينها، حيث رأى من باب الحجرة أحدهم يمسك طائرته الصفراء ويجري بها. خرج مهرولا من الحجرة وسط دهشة الجميع ومن ضمنهم المدرس الذي ناداه ليعود. ولكنه لم يستمع إليه.

بمجرد خروجه من الحجرة أصبح في مكان جديد شديد الظلام. أحس بالبرد بين أطرافه ونظر حوله ليجد نفسه في بحر شاسع بلا بداية ولا نهاية. لا يتجلى سوى ضوء القمر على صفحة الماء ممتدا في أفق من مجهول ليس له نهاية. كتلك الأسئلة التي تراوده في شروده ولا يستطيع المنافسه في الإجابة عليها أو حتى حصرها. الهدوء قاتل في مكانه. أخذ يمشي في الماء فلربما كان قرب القاع علامة على قرب الشاطئ ولكنه بلا اتجاه. نظر إلى أسفل الماء فوجد شيئا مميزا..

إنها طائرته الصفراء تعوم في منتصف الماء بين السطح والقاع وتقترب من بطنه. مد يده ليأخذها فغاصت قليلا. أنزل رأسه في الماء ليراها فأمسكها. ثم أخرج رأسه ليسمع أصواتا صاخبه للخلق والموج وسط ضوء أعماه لثانية. تلك الشمس وهؤلاء الناس يستمتعون بوقتهم نهارا على أحد الشواطئ. وجد طريقه لليابسة ثم نام على الرمال..

لمح تلك الفتاة التي رآها من قبل وسط الجموع عند ذلك المدرس ولكنها كانت تلك المرة سالمة مستمتعة بتمددها في الشمس. تلاشت صورتها ثم تلاشت الأصوات الأخرى تباعا لتتجلى نفس الأغنية التي تتردد منذ بداية مشاهده المتتابعة.

"I wake in vain. I dream of love as time runs through my hand"

استيقظ من نومه ليصبح محاطا برمال وردية وقت غروب الشمس. ليجد نفسه في مشهده الأول مرة أخرى. ولكنه هذه المرة التي سأل نفسه فيها "من أكون؟" بدلا من أن يسأل نفسه "أين أنا؟".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد