تمر علينا بين الفينة والأخرى في قنوات التواصل الاجتماعي صورتان لدبي في نفس الموقع، الأولى قبل عدة عقود والأخرى حديثة.
هاتان الصورتان حيث يظهر نفس الامتداد من شارع الشيخ زايد بعلامة وجود المبنى الوحيد المشترك بينهما وهو برج التجارة العالمي.. تتركاننا بلا شك في ذهول لما وصلت إليه دبي من تطور عمراني في فترة وجيزة، حيث يبدو أن ذلك المَعلم كان بداية المسيرة التي لا تقتصر إطلاقاً على الحضارة العمرانية بل تجاوزتها لتطور اجتماعي واقتصادي وسياحي وخدمي، وبالتالي فإن المشهد العمراني يشكل مؤشراً ودليلاً على تطور ونهضة هذه الإمارة الخليجية.
ومع حصول دبي منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت على المركز الأول كأكثر الوجهات زيارة في العالم لعام 2015 حسب جائزة (وورلد ترافل أووردز) وهي بذلك تحقق الجائزة للعام الثالث على التوالي والخامس في تاريخها.
فإنه حري بالذكر المرور على بعض الأسباب العامة من وجهة نظري التي أدت لهذا التفوق دون الدخول في تحليل أو تفصيل (فلذلك أهله ومكانه) ولكن سأسلط الضوء على نقطة جوهرية أشهرت هذا التفوق لكن قلما يتم ذكرها.
أول هذه الأمور.. هو الاهتمام الشخصي من حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد شخصياً بالمشاريع واطلاعه المستمر على مراحل إنشائها بل وزيارتها للوقوف على تطور العمل وإزالة أية عقبات تواجهه، وهو بهذا يقوم بدور المسؤول الأول ويشكل نموذجاً يحتذى به من قبل المسؤولين المباشرين عن المشاريع.
ثانياً.. نلاحظ دوماً وجود خطة واضحة للمشاريع لها جدول زمني وخطة تنفيذية واضحة (Timeline & Action plan) يتم إيضاحها من البداية للعامة بشكلها الرئيسي وللقطاعات المرتبطة بالمشروع بشكل مفصل حتى تكون الرؤية واضحة وتكون كل جهة مسؤولة عن جزئها من المشروع ناهيك عن سهولة التنسيق بين هذه الجهات.
وترتبط بهذه النقطة عملية المحاسبة والتقويم المستمر بشكل واضح وشفاف وذلك من خلال عدة برامج أو خطط لها أسماؤها الواضحة والتي تكافئ المجتهد وتحاسب المقصر وخاصة في القطاع الحكومي.
أمر آخر.. هو الاستئناس بالخبرات الأجنبية التي حققت نجاحات سابقة في مناطق أخرى وتطعيم ذلك بخبرات شابة محلية متعطشة لتحقيق النجاح ومسلحة بالشهادات المتخصصة. أيضاً تقديم منتج عمراني واجتماعي وبرامج ترفيهية ومعارض متخصصة متوازنة تناسب الجميع باختلاف ثقافاتهم وأعمارهم ما أدى لرغبة الكثيرين لزيارة المدينة والعيش فيها بسبب استيعابها لجميع الأذواق مع الحفاظ واحترام الطابع المحلي.
يأتي هذا في إطارالتركيز على أحدث الوسائل والتقنيات في هذه المشاريع لتكون سابقة لزمنها عند انتهاء المشروع ومتماشية مع البيئة العمرانية والاجتماعية من حولها ويتمثل ذلك تحديداً في التركيز على تدعيم كل المشاريع بالخدمات الذكية ضمن خطة المدينة لتصبح الأذكى في العالم.
أخيراً.. لا ننسى التطويرالمستمر لشركات الطيران المحلية والتي تشكل نقطة الالتقاء الأولى مع الجمهور المستهدف ومطار دبي الدولي الذي بدوره استحوذ على أكثر المطارات إشغالاً في العالم متفوقاً على مطارات عالمية عريقة كمطار هيثرو الدولي قرب لندن.
كانت تلك بعض الأسباب التي رأيت أن لها سبباً مباشراً في التفوق ولكن بلا شك يوجد غيرها الكثير. أما النقطة الجوهرية التي ساهمت في كل هذا وتحديداً في عملية الاستقطاب لقطاعي الأعمال والسياحة فهي فن الترويج للمدينة. قد تكون لديك أفضل البنى التحتية والمشاريع والبرامج الترفيهية لكن لن يعرف عنها أحد إن لم تروج لها بشكل مقبول وجذاب يشد إليك الجمهور الذي ترغب به.
فما الذي قامت به دبي حتى تظهر للعالم سعيها الحثيث للتفوق وجذب الجمهور إليها؟ يمكن القول إنها أنشأت خطاً إعلامياً (افتراضياً) موازياً لكل مشاريعها للحديث عنها بالوسائل المتاحة للجمهور بالطريقة والوقت المناسبين.
كانت البداية من خلال إنشاء علامة تجارية واضحة لحدث محدد يأتي إليه السياح وهو مهرجان دبي للتسوق (الذي انطلقت نسخته الحالية قبل أيام) والذي ما زال إلى الآن يستقطب السياح بنجاح ويشكل أحد أهم المواسم السياحية.
لكن دبي لم تكتف بذلك بل استمرت بتطوير أساليب الترويج والتواصل مع الجمهور من خلال أحدث الأساليب وأكثرها بساطة ووصولاً، ومن ضمن ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتي تنشط باستخدامها حكومة دبي ممثلة بالهيئات المختلفة أو حتى عن طريق المسؤولين الأفراد لتعريف الناس بالمشاريع القائمة وتطوراتها.
كما تقوم الوجهات السياحية والمعارض المتخصصة في استخدام هذه القنوات لتعريف الزوار والسكان على حد سواء بمشاريعها وبرامجها وكذلك التواصل معهم لمعرفة آرائهم لتحسين منتجاتهم وهم بذلك يفعلون الاتصال الراجع والتفاعلي مع الجمهور (interactive communications).
حتى في وقت الأزمات أو عند أي حادثة تستوجب إرشاد الجمهور تجد هذه القنوات الرسمية تفعل دورها وتواكب الأحداث فوراً كقنوات رسمية تشارك بالمعلومة الصحيحة والموثوقة التي يتطلع إليها الجمهور ويثق بها دون الالتفات لمعلومات من مصادر أخرى قد تكون غير دقيقة. إضافة لذلك يتم استخدام المشاهير في الترويج للمدينة واستقطابهم للمشاركة في المهرجانات والمعارض والجوائز العالمية (celebrity endorsement) للاستفادة من خبراتهم والتي تشكل بذاتها عامل جذب وترويج مستمر للمدينة يبقيها دوماً على الخارطة..
نهاية.. أوجدت دبي علامة تجارية (بشعار وهوية محددة) لتوحيد الإشارة للمدينة من قبل الجهات الحكومية والخاصة وحتى الأفراد.
تنافس دبي نفسها الآن من خلال مشاريعها العملاقة التي لا تتوقف، خاصة في ظل تحضيراتها لمعرض إكسبو 2020 وهي بذلك تستمر في توفير حياة كريمة لقاطنيها وعامل جذب لزائريها من السياح والمستثمرين ورجال الأعمال. لم يكن هذا النجاح ليظهر لولا بناء هذا الهيكل الإعلامي متعدد الأقسام الموازي للأعمال والمشاريع المنفذة والذي روَّج سوقاً للمدينة بشكل ذكي وفعال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.