ضرورة طرح مشروع للثورة السورية

وتبين حجم الاختراق الكبير في صفوف الثورة وهذا أمر طبيعي، فنظام الأسد يمتلك عشرات الأجهزة الأمنية بعناصرها الإجرامية المدربة، بينما الثورة هي ثورة شعبية لا تمتلك أبسط المؤسسات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/22 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/22 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش


لقد ضربت الثورة السورية مثالاً عظيماً في التاريخ لحركة الشعوب المطالبة بالتحرر والانعتاق والحقوق الأساسية المشروعه للإنسان وقد استطاعت بحركة شعبية غير مخطط لها أن تزلزل كيان أعتى نظام إجرامي في العالم بعد نظامي كيم إيل سونغ ووريثه جونغ أون ونظام تشاوشيسكو البائد في رومانيا.

ولولا الدعم الذي تلقاه هذا النظام من أنظمة شبيهة له كالنظام الروسي والإيراني وميليشيات من بقاع مختلفة كالعراق ولبنان وأفغانستان، والتقاء وجوده بمصالح دولية ومصالح الأنظمة العربية القائمة للبقاء في سدة السلطة بوجه الربيع العربي، واعتبارها لهذا النظام كخط الدفاع الأول في مواجهة تطلعات الشعوب، والصخرة التي ستحطم بها هذه الأنظمة ثورة الربيع العربي، لما استطاع اجتياز السنة الأولى للثورة.

ورغم ذلك فإنه فعلياً قد أصبح من الماضي، والقوة العسكرية التي يستخدمها اليوم هي قوة إيرانية وروسية، أما قوته فقد تآكلت، وكذلك هيبته في عقول السوريين، وانتهت إمبراطوية الخوف التي بناها الأسد الأب إلى غير رجعة، ومجرد تفكير بقاياها بالعودة لحكم سوريا هو من باب الغباء السياسي والعمى الاستراتيجي المطبق.

ومن أحد جوانب عظمة هذه الثورة أنها دخلت عامها السابع وهي تفتقر للقيادة أو بتعبير أدقّ تم اغتيال قياداتها الشعبية التي برزت من صفوفها واحداً تلو الآخر منذ أيامها الأولى، إما بالقتل المباشر بالقنص والقصف، أو بالاعتقال والتعذيب والإعدامات المستمرة حتى اليوم، أو بالدسائس والمؤامرات، وفي مقدمتها تمزيق قيادة الجيش الحر المتمثلة بالمقدم حسين الهرموش والعقيد رياض الأسعد، وذلك من خلال التآمر وإرسال العملاء الذين عادوا إلى صفوف بقايا النظام في دمشق لاحقاً.

وتبين حجم الاختراق الكبير في صفوف الثورة وهذا أمر طبيعي، فنظام الأسد يمتلك عشرات الأجهزة الأمنية بعناصرها الإجرامية المدربة، بينما الثورة هي ثورة شعبية لا تمتلك أبسط المؤسسات.

والثورة تدير نفسها بمجموعات شبابية في كل حي، وكل مدينة، وكل شارع، وكل منطقة، منفصلة عن بعضها، ولا يوجد بينها أي تنسيق وبجهود فردية في غالب الأحيان، وهذا دليل عظمتها ودليل تجذرها في ضمير هذا الشعب.

ولا أبالغ إذا قلت: إن العالم قبلها ليس كالعالم بعدها، وهو ما يعني أنها كما غيَّرت المنطقة ستؤدي نتائجها إلى تغيير النظام العالمي بأكمله، وهو المعروف كنظام تقاسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

وهذا الأفق هو ما جعل أوسع شريحة من الأنظمة السياسية في العالم تستهدفها، بعضها علناً، وبعضها في السر، كما فعل ما يسمى أصدقاء سوريا، وكما يقول المثل: "اللهم نجِّنا من الأصدقاء؛ لأن أكثرهم أعداء"، وهو المثل الذي انطبق على الثورة السورية بشكل كبير.

أما واقع التدخل الدولي فكما نرى من خلال أفعال الإدارة الأميركية في الشمال والشرق السوري والرقة، فإنها ترى أنه يمكنها فعل ما تريد في هذه المنطقة طالما تتعامل مع ميليشيات كردية طامحة لاقتطاع جزء من سوريا، سيشكل هذا الجزء – برأيهم – للمشروع الأميركي حائط الصدّ الخلفي في وجه تركيا ونظامها الوطني الباحث عن استقلال تركي ناجز عسكري وأمني واقتصادي وسياسي خارج نطاق حلف شمال الأطلسي، وخارج نطاق الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا يتوافق مع الطموح الغربي في الهيمنة على الدول الإقليمية وقرارها.

وفي اعتقادي الشخصي وبكل صراحة بعيداً عن العواطف أن هذا المشروع "الأميركائيلي" هو تهديد بعيد المدى لسوريا الكيان، وسوريا الوطن، في حين أن إيران وروسيا تهديد ذو مدى أقل، والضربة الأميركية الأخيرة هي لإيصال رسالة – من ضمن الرسائل – إلى الروس بأننا (الأميركان) قادرون على تغيير قواعد الاشتباك ساعة نشاء، وأننا اللاعب الأهم والأول في العالم، وأننا لا نحتاج قراراً من أحد حين تكون لنا مصالح في التدخل، والمصلحة الأميركية تتضمن المصلحة "الإسرائيلية" التي لا ترغب بقيام دولة وطنية قوية تمتلك قرارها في سوريا، ولا ترغب ببقاء التراب السوري قطعة واحدة، وكذلك اللعب الاستخباري الذي تمارسه "إسرائيل" من خلال الدعم الاستخباري لنظام الأسد عند كل تقدم للثوار، وكذلك من خلال حليفها في الجنوب النظام الأردني، ولا أستبعد ضلوعها في جميع عمليات الاغتيال للقيادات الشريفة في الجنوب.

ومن هنا فإن الخطر الحقيقي على سوريا اليوم هو عدم وجود مشروع سوري حقيقي يوازي حجم الثورة السورية، وحجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري في ثورته، وحجم المعاناة التي خاضها خلال خمسين عاماً مضت، وحجم الأخطار المحيطة بسوريا وهي الثورة التي كانت على تضاد مع كل مشاريع الهيمنه الخارجية والتدجين الداخلي.

وفي وجهة نظري أن هذا المشروع يجب أن تطرحه الشخصيات الوطنية السورية، وأن تبلوره يوماً بعد يوم على أن يضع في أولوياته الحقوق القومية للكرد في لغتهم وقوميتهم وتعليم أولادهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا سيؤدي إلى مساندتهم للمشروع الوطني السوري الضامن لحقوقهم بعيداً عن الأحزاب الشوفينية وميليشياتها الإجرامية الراغبة في اقتطاع جزء من التراب السوري، في اعتداء صارخ على وحدة الأرض والشعب، وهي التي ستتسبب بمآسٍ للكرد كما تسببت مثيلاتها العربية بمآسٍ للعرب، ويجب أن يأخذ المشروع في أولوياته أيضاً قضية الجولان كقضية وطنية بعيداً عن المزايدات، فهذا الإقليم هو إقليم هام جداً لمستقبل سوريا إذا ما عرفنا (كمثال) أنه يحتوي سبعة عشر بالمائة من مياه سوريا، وحروب المستقبل ستكون على المياه، بالإضافة إلى مقدرات طبيعية هائلة، وكذلك أن يأخذ هذا المشروع في اعتباره حقوق الأقليات في عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم دون مبالغة، ودون تغول على الدولة، ودون تقليل من شأن أحد، وحماية حقوق جميع أفراد الشعب بعيداً عن الأيديولوجيات، وكذلك التعامل بواقعية مع كل المحيط دون التفريط بثوابت الثورة والشعب، ولن يستقيم أي مشروع خارج هذا السياق الذي خسرنا بسبب غيابه الكثير من الدعم الدولي والشعبي والالتفاف السوري حول الثورة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد