أهي دعوة لأن نتخلى عن أحلامنا؟.. نعم.
سنقف في وجهها بثقل التمرد الذي طالما أذاقتنا إياه سنوات مضت، وننطلق مبتعدين عنها لنبرهن لها أن حياتنا يمكن أن تمضي بدونها. حتى معضلاتنا الصغيرة المركبة، التي لا تكاد تُرى على هذا استنزفتنا آمالاً ودموعاً، وأعيت حيلنا وهي لا تتغير، نوجهها ثم لا تستقيم -لا لأنها معوجّة في ذاتها غالباً، بل لأن طبائع الأشياء جبلت على مشقة الترويض- سوف نتجاهلها.
وآه.. من الأخرى التي هي ملءُ نفوسنا، إنها تبعد مسافة حرفين فحسب مع هذا تشق علينا، بما ملئت السماوات السبع والأراضين بثقل الحكمة ووهجها وسطوعها، مع هذا قد يحجب الوضوح ويتوارى عن الفهم، بمرادنا الذي يلغي العقل، ويتقصى الشغف ويصدق فيه قول الشاعر: "وبادٍ ويعجز خاطري إدراكه.. وفتنتي بالظاهر المتواري".
عام بلا أحلام لكن ليس بفارغٍ لأننا سنوقف الأسى ونخصه بالإنجاز، وككل جديد غامضٍ في مقدمه مثير البدايات لا يجب أن يمضي بلا تخطيط، بلا أهداف، بل سنستثمره لحدوده القصوى، ونتجاوز العثرات التي تنغص حياتنا ونمضي "إن القوة تعني أن نستثمر الواقع كيفما كان حاله، لا كما نريده أن يكون لنفعل". ولكي يتبين المقصد وراء حديثي هذا، سأخبرك عن مجموعة تجاربي التي كنت مدينة لعامي المنصرم بمعاينتها، وبلورتها، بل ووضعها موضع التنفيذ والإنجاز.
لقد اكتشفت ذاتي أنا موقنة! لطالما كنت أكتب وأكتب، يوميات، ذكريات، رسائل، شروح، وقصاصات، كان الحرف المسطر على الورق الأبيض أقرب معقول لذهني، حتى تحولت الكتابة إلى شغف ثم إلى إنجاز، عندما تجاوزت محيطي إلى النشر. هكذا قد لا تبدو الأشياء التي نشغف بها جلية طيّعة إلا بعد فترات طويلة من الممارسة، لذا قد يكون العام 2016 وقتاً مناسباً لتكتشف المزيد عما ترغبه، ويمكن لك أن تبدع فيه حتى، بدلا من التفكير المتواصل بغير جدوى في زميل العمل المزعج- مثلا- الذي ستقابله كل يوم لا مناص من ذلك، في الحقيقة إن انشغالنا بالأمور التي نحبها يمنح اللحظة طعم آخر ينسينا متاعب النهار.
اعشق رياضة المشي، هل تبدو كلمة رياضة مكررة ومملة، ولا تعرف على وجه اليقين جدواها، وتحدث نفسك كلما طرقتك.. أنك بالوزن المثالي ولست بحاجة إليها، لقد كنت تماما مثلك إلى أن جربت في لحظة من ورطة التخمة، أن أعبر سطح بيتي مرارا، في حلقة محدودة المساحة مقارنة إلى ميدان كرة مثلا، كان السطح هو المكان المتاح لي، مع نسمة الهواء الباردة، وشعاع شمس لطيف يضيء سماء وردية التجلي، ثم اكتشفت أنني لا أرغب في التوقف أبدا، وددت لو أواصل هذا المسير ساعات إلى أن ينالني التعب، ترى هل يرتبط الطواف بالتفريغ الإيجابي للشحن العاطفي، والاضطراب الحسي الذي يغمرنا أحيانا، لا أعلم! كل ما أعرفه أنني لم أعد أترك رياضة المشي، لقد ارتبطت بحسّ من السكينة ينتابني، فضلا عما لمسته على وجه التأكيد من أثر لا يصدق على صحتي، إنها أحد سبل العناية التي تشكل ثقافة متكاملة في عالمنا اليوم.
تعلمت.. قد كانت 2015 سنة الإجازة الإجبارية بسبب أزمة الحرب في مدينتي، ولست بصدد أن أحدثكم عن ظروف القلق والتوتر، ولا الاضطراب الأمني والمعيشي، لأن مقالتي تتناول الجانب التفاؤلي المعطاء للحياة، كل ما يمكنني قوله إن تجربة الضيق والشدة، يمكن أن تستثمر في صناعة أشياء قريبة من النفس، وقد تعلمت صناعة الخيط Crochet فكانت تجربة أنثوية، ناعمة، ومسلية، إنها ببساطة تبعث رسالة قصيرة مفادها "إن الخيوط المعقدة والمتشابكة يمكن أن تنجم عن جمال أبيض بهيج يزين رفوف بيتنا". هكذا أنجزت في عامي هذا قطعة كروشيه مميزة، وفريدة ليس لأنها الأولى فحسب، بل لأنها مهرت بالإتقان الذي هو قيمة لا تقدر بثمن في أيما تجربة.
طالعت.. أما ساعة ما قبل النوم فهي ساعة السفر إلى العوالم الأخرى، حديث كتّاب كانوا، ثم صاروا بعيدين، موغلين في التاريخ. لكنهم تركوا لنا تفاصيل زمانهم لنعيشها ونستغرق فيها، إنه الزمن المستقطع من الزمن الذي يجعلك تعيش حياة مضاعفة، وبكلمة واحدة أنا لا أكتب إلا لأنني أقرأ، وأحب كثيرا أن أقرأ.
المطالعة واحدة من الأشياء المميزة التي تخلق عالما من المتعة، نخطئ حين لا نكترث لها. في بعض الأحيان تبدو السعادة مفهوما مبهما ليس لأننا لا ندركه، ولكن لأنه يختبئ خلف تفاصيل صغيرة مما نعايشه بيومياتنا، ولكنها تفوتنا لأننا نتطلع لغيرها على الدوام، المطالعة بعض هذه الأشياء كم من مرة حركت فينا دواعي السرور فابتسمنا لها. تذكرون؟
مشروع عمل.. ربما حان الوقت لتستثمر في مشروعك الشخصي، قد يبدو التفكير في هذا الأمر مربكا مع دوّامة الأمن الوظيفي، لكن تخيّل دخل إضافي من خلال عمل تتقنه وتحبه بعيدا عن روتين الوظيفة، أمر مغرٍ بما يشغل الوقت الفائض الذي نستغرقه في التفكير في نواقص حياتنا ومنغّصاتها، من جهة أخرى يعزز ثقتنا في ذواتنا لأنه ينبع عن شغف وإبداع يميزنا، بالإضافة إلى أنه يؤسس لمراحل العمر المتقدمة حين يأتي الوقت الذي نغادر فيه وظائفنا. شخصيا قادتني التجربة إلى العمل الحر عبر الإنترنت، لكنه لم يكن طريقاً ممهداً على الإطلاق، إنه بحاجة إلى الكثير من العمل والمثابرة لتقطف ثماره الأولى، والتي تأتي عادة أصغر حجما مما تتوقعه.
بحلول 2016 أجدني أكثر ثقة، وثباتا بفضل تجارب العام الذي مضى، بالإضافة للمخزون التراكمي للأعوام التي سبقته بالطبع، بهذا نحن نفتح لأنفسنا منظورا إيجابيا للتقدم في العمر، ويمكن أن أخبر أن أفضل استثمار يمكن أن ادّخره لهذا القادم الجديد هو:
التعليم عن بعد عبر المنصّات العربية التي تتزايد باضطراد كل يوم، إنها تفتح أبوابا للعلوم التي كنت تتمناها عندما كنت مقيدا لتخصص ما قد لا يتفق كثيرا وهواك، وتشكل نوع تحصيل عملي وثقافي مميز، بعيدا عما اعتدناه من كلاسيكية التعلم. قد جربته وسررت به ويسعدني أن أكرر تجربتي مرات ومرات.
تصميم الجرافيك هو أحد المجالات الكثيرة التي تأخذ ثقلها تدريجيا في عالم العروض المرئية، بتزايد الطلب على تصميم الواجهات والشعارات، بل وتندرج تحته كثيرا من وسائل الإيضاح، والرسائل الإرشادية القصيرة المصورة، والتي تعرف بالإنفوجرافيك، أجد من نفسي ميولا كبيرا نحو هذا الاتجاه لعلاقتي القديمة بالألوان، كما يبدو تقنين المواضيع المكثفة في مشهد مصغر لافت، من صميم لغة العصر الذي يتجه بقوة نحو الاستخدام البصري.
على هذا أصبحت خطة العام المقبل جاهزة للتنفيذ، ولعلك سبقتني في تصور خطتك، كل ما سنتفق عليه هو أن ندع أحلامنا تنطلق بعيدا عنا، علّها تعود من المكان الذي لم نتوقعه فقط نحن نقول لا مزيد من الانتظار.. إلى العمل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.