كيف نكتب والأقفال في فمنا؟

وهنا يخطر ببالي عدة أسئلة.. هل كان ستيف جوبز سيبني إمبراطوريته التكنولوجية "Apple" لو أنه نشأ في وطنه الأم سوريا؟ هل كان المصري أحمد زويل سيحصل على جائزة نوبل في الكيمياء لولا الدعم العلمي والمادي والمعنوي الذي تلقاه في الولايات المتحدة؟ هل كان الفرنسي زين الدين زيدان سيبلغ شهرته العالمية لو أنه احترف كرة القدم في بلده الأصلي الجزائر؟ ألم يسجن ويضطهد كتاب وشعراء مبدعون كمحمد الماغوط وبدر شاكر السياب بتهم سياسية مثيرة للسخرية؟ أولم يعاني الكثير غيرهم ما عانوه في سبيل نشر كتاباتهم وأفكارهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/06 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/06 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

يلخص هذا البيت الشهير للشاعر السوري نزار قباني حال الكثيرين من سكان العالم الثالث والدول العربية بشكل خاص، الذين يحسبون ألف حساب قبل كتابة سطر أو التفوه بكلمة في أي قضية قد تعتبر من المحظورات في مجتمعاتنا، لكن هل أفواهنا فقط هي المقفلة؟ ألا تقيد الأقفال عقولنا وأيدينا وصولاً إلى جميع مجالات الإبداع المادي والفكري في المجتمعات العربية؟

ما هو الإبداع؟ ولماذا لا نبدع؟ سؤال يخطر في بال كل واحد منا، هل حقاً لا نملك القدرة على الإبداع والابتكار؟ هل الإنسان في الدول والمجتمعات المتقدمة يتفوق علينا في قدراته.. أم أن البيئة المحيطة بنا غير صالحة للإبداع وغير داعمة له على عكس تلك المجتمعات المتقدمة؟

يعرف جيروم برونر عالم النفس الأميركي الإبداع بأنه "العـمل أوالفـعل الذي يؤدي إلى الدهـشة والإعجاب"، والإبداع عند الكاتب والمسرحي النمساوي رودلف هافل هو "القدرة على تكوين تركيبات أو تنظيمات جديدة، والقدرة على التخيل وإيجاد أشياء جديدة عن طريق التوليف بين الأفكار وتعديلها وتغييرها".

فيما يعتبر سيغموند فرويد أحد أهم علماء الاجتماع أن الإبداع يرجع إلى قابليات فردية فطرية لا يمكن اكتسابها، وأن الإبداع بمختلف أشكاله ما هو إلا تخلص من كبت لأحلام الطفولة، والبيئة الاجتماعية والثقافية إما أن تساعد في ازدهار هذه القابلية أو كبتها، في حين يعتبر عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم أن الإبداع وحالة المجتمع لا يمكن فصلهما، فالحالة الإبداعية لا يمكن أن تظهر إلا في وسط اجتماعي يسمح بظهور الإبداع، بل واعتبر أن "الإبداع ليس في جوهره أكثر من بناء جديد يستفيد من البيئة الثقافية المعطاة عند المنطلق".

إذن لا بد للمبدع من بيئة ثقافية ومجتمع يحتضنانه ويساعدانه على نشر إبداعه وأفكاره، فالإبداع يحتاج إلى مجتمع بنَّاء وليس مجتمعات هدامة كمجتمعاتنا العربية اليوم، فالكثير الكثير من موروثاتنا الثقافية والمجتمعية والمغلفة بغطاء ديني أحياناً تحاول إبعاد الفرد عن الإبداع والتميز الفردي، وتحض على التكتل بمختلف أشكاله الاجتماعية والدينية، وتحاول إبقاء كل شيء على حاله، عدا عن أنها تتوجس خيفة من مصطلحات كالإبداع والتغيير، وتحارب الأفكار الجديدة بمختلف الطرق التي كثيراً ما تصل إلى العنف الجسدي، بيئة كهذه لا يمكن أن تكون مجالاً للإبداع، ويبدو ذلك واضحاً عندما يهاجر الشباب العربي إلى المجتمعات المتقدمة علمياً وثقافياً، وينافس أفراد تلك المجتمعات ويتفوق عليهم أحياناً، فالمشكلة هنا لا تكمن في وجود الفرد المبدع بل في معاملة البيئة والمجتمع لهذا الفرد و لقدراته الإبداعية.

وهنا يخطر ببالي عدة أسئلة.. هل كان ستيف جوبز سيبني إمبراطوريته التكنولوجية "Apple" لو أنه نشأ في وطنه الأم سوريا؟ هل كان المصري أحمد زويل سيحصل على جائزة نوبل في الكيمياء لولا الدعم العلمي والمادي والمعنوي الذي تلقاه في الولايات المتحدة؟ هل كان الفرنسي زين الدين زيدان سيبلغ شهرته العالمية لو أنه احترف كرة القدم في بلده الأصلي الجزائر؟ ألم يسجن ويضطهد كتاب وشعراء مبدعون كمحمد الماغوط وبدر شاكر السياب بتهم سياسية مثيرة للسخرية؟ أولم يعاني الكثير غيرهم ما عانوه في سبيل نشر كتاباتهم وأفكارهم؟

الجواب واضح.. ويجب أن يكون واضحاً أمام كل مواطن عربي، الإبداع لا ولن يتحقق إلا بتوفير شروط أساسية أهمها حرية التفكير والتعبير، والمبدع لن يستطيع تحقيق أي إنجاز مادي أو فكري ما لم يحظَ بدعم المجتمع المادي والمعنوي، وما دامت مجتمعاتنا العربية والسلطات السياسية الناشئة عنها تعتبر التفكير جريمة تستحق العقوبة، فإن الإبداع سيبقى مجرد كلمة نتلفت وراءنا قبل أن نتلفظ بها، خوفاً من تهمة محاولة كسر الأقفال الموجودة في العقول قبل الأفواه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد