“داعش في حلب” للشهيد ناجي الجرف

مدة الفيلم 24 دقيقة فقط، لكنها دقائق مختزلة ومعبرة استطاعت أن تهز كيان التنظيم، خصوصاً أنها أحرزت نسبة مشاهدة عالية لدى الشارع السعودي، والذي خاطبه البغدادي في رسالته الصوتية الأخيرة تحت عنوان "فتربصوا إنا معكم متربصون"، إذ خص البغدادي الشعب السعودي دون غيره من المسلمين بالتسمية والتحريض على حكامه، طالباً منه مناصرة التنظيم. ومن المعلوم أن البيئة السعودية هي الأكثر انغلاقاً ضمن محيطها المجاور، وسكانها يعيشون ضمن قوانين إسلامية متشددة تنفرد ببعض المظاهر عن باقي بلاد المسلمين

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/06 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/06 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش

اغتيل الصحفي السوري ناجي الجرف في مدينة غازي عنتاب التركية في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول بمسدس كاتم للصوت. والجرف من مواليد 1977م وينحدر من مدينة السلمية. شارك بالثورة منذ انطلاقتها كإعلامي عمل على فضح جرائم وانتهاكات النظام، ولاحقاً كَشْف جرائم تنظيم داعش المتطرف، حتى عُرض فيلم "داعش في حلب" من إعداده وإخراجه على شاشة العربية، والذي يرجح أنه كان السبب وراء اغتياله، على الرغم من عدم تبني التنظيم للعملية لكي لا يحصد مزيدًا من المشاهدات من أصدقاء التنظيم قبل أعدائه.

مدة الفيلم 24 دقيقة فقط، لكنها دقائق مختزلة ومعبرة استطاعت أن تهز كيان التنظيم، خصوصاً أنها أحرزت نسبة مشاهدة عالية لدى الشارع السعودي، والذي خاطبه البغدادي في رسالته الصوتية الأخيرة تحت عنوان "فتربصوا إنا معكم متربصون"، إذ خص البغدادي الشعب السعودي دون غيره من المسلمين بالتسمية والتحريض على حكامه، طالباً منه مناصرة التنظيم. ومن المعلوم أن البيئة السعودية هي الأكثر انغلاقاً ضمن محيطها المجاور، وسكانها يعيشون ضمن قوانين إسلامية متشددة تنفرد ببعض المظاهر عن باقي بلاد المسلمين، كالشرطة الدينية التي تعرف بهيئة الأمر بالمعروف، بالإضافة لمنع النساء من قيادة السيارة وغيرها من الممارسات، ما يعني أن الخطاب الإسلاموي قادر على ابتزازه والتأثير فيه، فما الذي أظهره الجرف للسعوديين خاصة والمسلمين عامة، ودفع بالتنظيم للانتقام منه قبل أن يغادر تركيا إلى فرنسا؟ وأي أفلام كانت لديه لم تعرض، بعدما كان ينوي عرضها لاحقاً؟ هنا سأتحدث عن الفيلم بوصفه إجابة على السؤال الأول، وسنترك للمستقبل الإجابة على الثاني.

يبدأ الفيلم بشخصية تعرفها حلب، قام التنظيم باختطافها، لم تكن مسلحة وليست من مؤيدي النظام السوري، هو "نور حاووط" الذي عمل مسعفاً لضحايا الطيران الأسدي، واختطفه التنظيم كغيره من الشباب الثوري الناشط. أما "أبو مريم" أحد أبرز وجوه الثورة في مدينة حلب، والذي اختطفه التنظيم أيضاً، فتتحدث والدته وأخوه بلغة توصيفية خالية من أي تحريض.. كيف اختفى الناشط، وماذا كان شيوخ داعش يقولون لهم، وأيمانهم المغلظة التي يطلقونها عند إنكار صلتهم بخطفه، حتى ذهبت والدة المخطوف إلى مقر داعش وسألت أحدهم فأخبرها أنهم قتلوه لأنه يخرج الراقصات في المظاهرات وبأن ابنها علماني، لترد قائلة "ابني ضد النظام ونحنا ضد النظام من زمان" ما يوحي أنها إنسانة بسيطة لا تعرف ما تعنيه كلمة علماني. أما تهمة الراقصات فيجيب عليها الجرف حين يظهر أبو مريم في إحدى المظاهرات وهو يؤدي قَسَمَ الثورة دون أن تظهر في مظاهرة" بستان القصر" الحي الحلبي المحافظ، فتاة واحدة.

الفيلم استطاع أن يصور مدينة حلب كأي مدينة أخرى غالبية سكانها من المسلمين، ويبتزها الخطاب الإسلامي وتميل عواطف قاطنيها إلى تصديقه، وفي أحيان كثيرة لا تحاول الاصطدام به لأنه اصطدام بالإسلام ذاته كما تتوهم، والمحزن في تلك الشهادات أن بعض الناطقين فيها اعتقد أن خلايا نائمة تابعة للنظام هي من تعتقلهم ولم يصدقوا أنها العناصر التي جاءت لمحاربة النظام السوري. وإحدى الشهادات التي وردت على لسان أخ تحدث عن أخيه الذي كان يدافع عن داعش وراح ضحيته بعدما اعتقله التنظيم، وحال هذا الشاب المسكين كحال العديد من الشباب العربي الذي لا يصدق أن الجماعات الجهادية بشرية وليست ربانية، وبأنها تخطئ وتصيب، وبأن عناصرها فيهم السارق والكاذب، وربما لا يقتنع بعضهم أن الفساد الذي يصيب مؤسسات الدولة والمجتمع في الشرق الأوسط، يمكن أن يصيب الجماعات الإسلامية التي أصبحت تنتقي من الدين ما يوافق مصالحها، كما ينتقي الدكتاتور من الدستور ما يوافق مصلحته.

إذن الفيلم درس واقعي بدون أي رتوش، جاء بلغة بسيطة وعفوية عن تنظيم داعش الدخيل والملثم، وعن معتقلاته التي أعدم بها المئات من أبناء الثورة، بالإضافة إلى أن التنظيم راح يطعن خاصرة الجيش الحر ويعرقل تقدمه، ضمن سياسته في تفريغ الساحة من النشطاء والعناصر المسلحة، ثم ملء الفراغ وبسط نفوذه بالقوة، دون تفريق بين معارض لنظام الأسد أو مؤيد، وبين مدني ومقاتل، معتبراً جميع من هم خارج حلقته كفاراً! في حين أنه يدعوهم لمناصرته! وإن خاطبهم بالمسلمين إعلامياً، إلا أنه على أرض الواقع لا يعترف بإسلامهم، خصوصاً أن غالبية من يميلون لخطابه، ممن يعول عليهم التنظيم، يقفون ضد نظام الأسد، وتكمن خطورة الفيلم في أنه أوضح كيفية إرباك داعش لصفوف الثورة، وبالتالي عرقلة إسقاط النظام.

تناقضات جمة يجمعها التنظيم على الرغم من محاولته الظهور بشكل واحد متماسك وقوي، تناقضات قام بتعريتها الجرف دون أن ينطق بكلمة واحدة خارج سياق الأحداث التي حصلت.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد