بعد ان رفعت الجماعات السورية اعلامها ، هل ترفع سورية علمها ؟…

كل يقاتل الكل ولا يعرف لماذا يقاتل، ولا من هو قاتل، المهم عنده أن يحرز لقب (قاتل)، لا يحب أحدهم الخير لأخيه، ولا تحب جماعته الخير لجماعة أخرى وكلهم في ضلالاتهم يعمهون، لقد مارسنا شدة بأسنا بالاقتتال بين بعضنا، وهذا لم نره في حروبنا مع غيرنا، ولعل حروبنا منذ ثمانية وأربعين شاهدة على ضراوة قتالنا، وشدة بأسنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/16 الساعة 05:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/16 الساعة 05:03 بتوقيت غرينتش

إننا كسوريين نعيش نكد الحياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وعلى كافة صُعد الحياة، وبكل مناحيها، فقد احتكم الكثيرون إلى حميّة الجاهلية، وهمّشوا عقولهم وبات ما تبقى منها في أعلى أجسادهم يثأر لغرائزهم، لا لضمائرهم، وبات الموت بالمجان، وللحياة سمة وعنوان.

تبدّلت المعاني، وخُلطت الأوراق، وقُلبت المفاهيم، فمن شعب ودود مقبل على الحياة، إلى شعب كله يكره كله، وكله يحقد على كله، وكله ربما ينافق كله، فهو غالباً ما يُضمر شيئاً ويعلن شيئاً آخر ينافيه ويناقضه، فمعظمنا متلوّن وفق مصلحته الآنية أو ربما وفق ما يبقي رأسه فوق كتفيه في ظل ظروف بتنا فيها كله يخوّن كله، وكله يعتقد أن يمسك بناصية الحق بين يديه، وأن أخيه في الوطن بات آخر.

لا بل هو على خطأ، وخطؤه من النوع الذي لا يصحح، وقد أحل بما فعل وقال دمه للآخر، ذبحاً، شنقاً، رمياً بالرصاص، إلقاءً من مكان مرتفع، تفجيره بمفخخة، فقد استنبط السوريون وسائل قتل لم تكن لتخطر على بال أكثر الناس حقداً وبربرية على مدار التاريخ.

من شعب كان يردد كل يوم صباحاً وعلى مدار ستين عاماً شعارات اعتقدنا أنها قد حازت القدسية، ولم تبق مجرد كلمات تزفرها رؤوس الألسن كما تفرز بقايا الهواء المطروح من الرئة، فما عشناه من تداعيات الحرب السورية بتنا معه على يقين بأن ما اعتقدنا أنه كان عقيدة، إنما كان مجرد وهم نسجته أضغاث أحلامنا.

فقد تداعت في حربنا معظم الرؤى والأيديولوجيات، وعاد معظمنا إلى بدائيته الأولى، فمع أول هزة حقيقية تعرضنا لها، أظهر الكثيرون من أبنائنا أنهم كانوا يمارسون قولاً أو فعلاً غير ما كانوا يعلنون.

للأسف أقولها وبحسرة أُقرّ بها فلقد عاد معظم السوريين إلى نشأتهم الأولى ربما عادوا عن قناعة أو مرغمين، إلى العائلة أو الملة أو المذهب، وباتوا وكأنهم شعوب وقبائل هم يعيشون منذ خمس سنين فقط ليتحاربوا، ولا يوجد بينهم من هو كريم عند ربه.

فمن أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، بتنا بضع مئات من أمم صغيرة على رأس كل منها أمير وضيع صغير، ومن دولة كانت تقول إنها تدعو لوحدة العرب، إلى دولة تتآكل على أسس مذهبية وطائفية وإثنية، لقد أصبحنا أيها السادة قبائل وعوائل وطوائف لكنها كلها ترفع أعلاماً.

ما أشبه هذا الزمان بعصر الجاهلية الأولى. لقد أصبحت الجماعات ترفع أعلاماً ولها أناشيد يقولون عنها أناشيد وطنية، وغالباً ما تمجّد قائد المجموعة أو رأس الجماعة.

الكل يقاتل الكل ولا يعرف لماذا يقاتل، ولا من هو قاتل، المهم عنده أن يحرز لقب (قاتل)، لا يحب أحدهم الخير لأخيه، ولا تحب جماعته الخير لجماعة أخرى وكلهم في ضلالاتهم يعمهون، لقد مارسنا شدة بأسنا بالاقتتال بين بعضنا، وهذا لم نره في حروبنا مع غيرنا، ولعل حروبنا منذ ثمانية وأربعين شاهدة على ضراوة قتالنا، وشدة بأسنا.

الثابت بقناعتي وما أرى أن (إسرائيل) استطاعت أن تلعبها مستفيدة مما كنا عليه وفيه. من وهن وهوان فكان لها أن تشتت الطاقة السورية، ومن ثم عملت على أن تجعل السوريين يشتبكون مع بعضهم بعضاً بكل ما في حياتنا من حمأة الجاهلية، فلم نعد عندها ووقتها لا عرباً ولا سوريين.

بل أصبحنا أعراباً ملعونين، لتتمكن دولة الكيان فيما بعد، وعبر وسطائها من أن ترسم لنا ما تريد أن نكون عليه في القادم من أيامنا، فربما تضع لنا دستورنا، الذي يؤكد انقسامنا، وربما تسهم بانتخاب رئيسنا، ومن يدري، فكله ممكن إذا بقينا على حالنا من طبائع تفكير وصنائع أعمال.

وهكذا وهذا هو حالنا الذي يصعب على الكافر ولم يصعب على معظم أبنائنا الذين تأبطوا بندقية، وألقوا خلفهم كتاباً وعقلاً، رجعنا إلى الجاهلية الأولى وصرنا قبائل وطوائف وعوائل تحمل أعلاماً تقتل بعضها بعضاً. متناسين أن القاتل والمقتول في النار، وأقصد هنا نار الدنيا قبل نار الآخرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد