الغربة! كلمة طعمها مُرّ يظن مَن لم يخُضْها أنها أسعد ما في الكون، ولكن هي تجربة مريرة على مَنْ تذوّقها، فكل مَنْ عاشها منا تذوّق مُرّها ولكن بوجوه وأشكال مختلفة ولأسباب متعددة، ولكن منا مَنْ هو مجبر على ترك بلده من شدة الظلم وهضم للحقوق والقهر الذي يعيشه في وطنه والابتعاد عن أرض الوطن والأهل والأقارب والاتجاه إلى بلاد تختلف عاداتها وتقالديها عن وطننا.
تشعر وكأنك إنسان تائه في عالم الضياع، لا تعرف أين تذهب ولمن تتجه ومن سيكون سنداً لك، تشعر بأنك غريب في هذا العالم الجديد بمختلف ثقافاته ولغاته وعاداته التي تختلف عن البيئة التي نشأت فيها الى أن تتوغل في هذا المجتمع الجديد وتتعايش معه مع مرور الوقت حتى يصبح الأمر اعتيادياً.
الغربة هي درس قوي ومواجهة صعبة ومدرسة كبيرة تتعلم منها الدروس والعبر، ومن تلك الدروس أن أكتم ألمي داخلي، وإن كانت ملامحي لا تعبر عن ذلك أمام كل من أعرفهم، ولا تعكس الحقيقة، حيث إنك تبتسم وتضحك بأعلى صوتك وكل مَنْ حولك يظن أنك أسعد من في هذه الدنيا، وأنت في أعماق قلبك مجروح وبداخلك آلام لا يستطيع حتى أقرب الناس إليك ترجمتها.
كما تعلّمت منها أن معادن الناس تنصهر في الغربة وتستطيع في الغربة أن تميز بين الأصيل منهم والخبيث، وتعلمت منها أن أُسلّم أمري لله راضياً ومطمئناً في الأمور كلها، وأن أجتهد وأسعى فيما خيّرني به الله.
وأصعب ما في الغربة هو أن تبكي في الخفاء وتخشى أن يراك الناس فيشمت من حولك، فما أصعب الغربة وما أقساها على النفس، فما بالك أن تزداد الصعوبة صعوبة وتتابع الصعاب خلف بعضها بأن تصحوا على خبر مزعج وهو وفاة والدك، مات وأنت لا تصدق أنه مرّ عام وأنت لم تكن تستطيع رؤيته، فتجد فوق ذلك أنه رحل من الحياة كلها كما أنك لا تستطيع حتى حضور جنازته كي تودّعه.
ولكن الغريب في الأمر أنك تجد أن أصعب ما فيها هو عندما تساعد هذا وتنقذ هذا وتضحي لأجل هذا، وعندما تقع في أبسط الأمور الكل يبتعد عنك كل هؤلاء.
وتجد من يتحدث عن أن كل شيء متوافر من متطلبات المعيشة الجيدة، وبالفعل هذا صحيح كما يقولون كل الأشياء والمتطلبات متوافرة هنا في الغربة، ولكن ما الفائدة إذا لم نكن بين أهلنا وأقاربنا؟ فمهما كان النعيم فإننا لا نجد الراحة النفسية التي نجدها مع الأهل والأصحاب.
ومن هنا تجد مدى معزة الوطن وأرضه في القلب رغم ما فيه من آلام وصعوبات ومشاكل، ولكن معرفة ذلك في حد ذاته درس يستحق هذه المعاناة.
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ….. وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام
نسأل الله أن يعيدنا إلى أوطاننا سالمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.