من سجن الأسد إلى هارفارد.. رحلة براء السراج إلى العلم انتقاماً من النظام السوري

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/04 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/04 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش

"من تدمر إلى هارفارد"، أمضيت في الأولى تسع سنوات من التعذيب والرعب اليومي سجيناً سياسياً لم يعرف تهمته ولا حكم المحكمة الميدانية التي حاكمتني.

وأمضيت في الثانية سنتين من البحث العلمي اليومي كزميل باحث في علم المناعة في مرحلة ما بعد الدكتوراه، أراقب هجرة خلايا الدم البيضاء كما هاجرت، في غرفة صغيرة معتمة كعتمة ذلك السجن.

هكذا يصف نفسه، براء السراج السجين السياسي السابق، الذي اعتقله حافظ الأسد رغم كونه – كما يصف نفسه – عديم الرأي، وكما يقول "حوسبت علي نية خاطئة ابتدعها زبانية الأسد، فالنية لم يكن بها سوى الدراسة والتفوق لإرضاء الوالدة".

"من تدمر إلى هارفارد"، قصة صاغها أستاذ المناعة بجامعة "نورث ويسترن" بشيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية الدكتور البراء السراج، يصف فيها حياته بتدمر وكيف انتقل إلى هارفارد الجامعة رقم واحد على مستوى العالم.

ويتنقل السراج بين معامل جامعات أميركا باحثاً عن الهدف، محاولاً وأد أيام السجن الثقيلة ليصل عدد الجامعات التي درس بها إلى اثنتي عشرة جامعة، وبحسبة بسيطة نجد أن العدد مساو تماماً لعدد سنوات سجنه.

تزوج عام 2002 من أميركية ليكسر حاجز الصمت الذي سببته سنوات سجنه في أسرته.

التقينا السراج، شخص متواضع وعالم محب متأثر بوالدته تستشعر ذلك بين كلماته التي ما تمر قصة إلا وبطلتها الوالدة.

فتح قلبه وحكى قصته لـ"عربي بوست" قائلاً "رحل أبي في حادث غامض بالكويت، انتقلنا على إثره إلى سوريا. كان عمري آنذاك خمس سنوات ونصف، كنت أنام خائفاً، أخشى رحيل أمي وأبتهل إلى الله أن يمد في عمرها حتى لا أكون وحيداً في هذه الدنيا واستجاب الله".

منذ عام ١٩٧٩ لم تعد سوريا كما كانت من قبل، انتشر الخوف بل الرعب، القتل والاعتقال، حظر التجوال من كل شيء وكانت جريمتي أنني صليت فى المسجد، عنونت كتابي من تدمر إلى هارفاد، وأكدت أنها قصة لمعتقل عديم الرأي
مكث تسعة أعوام بسجن تدمر وثلاثة أخرى بسجن صيدنايا.

ويتذكر دكتور براء السراج، أحد السجناء السياسيين فى عهد حافظ الأسد والذي اعتقل عام 1984 وتم الإفراج عنه عام 1995 ضمن العفو العام الذى أفاض به حافظ الأسد وقتها؛ ولكن السراج يصف هذا العفو بالتعسفي كما كان اعتقاله ورفاقه تعسفياً.

كنت فى طريقي إلى جامعتي كلية الهندسة، أفكر فى الغد بكل تفاصيله كيف أرضي أمي لحصولي على المركز الأول على الكلية؛ ولكن كان هناك سيناريو آخر بانتظاري، سيناريو بدّل حياتي قلبها رأساًعلى عقب سيناريو اعتقالي الذي استمر لمدة اثنى عشر عاماً.

وعن سجن تدمر يقول "عذبت عذاباً شديداً؛ ولكن حفظت كتاب الله، فقد حققت أحد أهدافي بالحياة، وقد ساعدني بشكل كبير على الثبات فى وجه قوات حافظ الأسد الظالمة".

وشرد بذهنه بعيداً ثم أضاف "الجميع يعتقد أن تنظيم داعش قام بتدمير سجن تدمر العسكري، للأسف لم يفعل وأتمنى أن يدمره يوماً ما". ولكن ما هي القصة الحقيقية وراء تفجير داعش لسجن تدمر؟

كان حافظ الأسد شخصية لئيمة قام بتشييد سجنين بنفس المعالم ويحملان نفس الاسم، سجن تدمر العسكري، ولكن شتان الفرق بين الاثنين كان الأول الحقيقي والذي سكنت زنزاناته هو السجن العسكري الخاص بالمعتقلين السياسيين والذي تتم فيه عملية القتل الممنهج للمعتقلين السياسيين وخاصة الإسلاميين، والثاني هو سجن تدمر العسكري أيضاً ولكن خاص بزيارات الحقوقيين وكان نزلاؤه من الجنائيين، والذي دمره داعش هو سجن تدمر العسكري المزيف.

بعد انتقالي من حماة إلى تدمر انقطعت صلتي بعائلتي، لم يعد يزورني أحد حتى بعد انتقالي إلى سجن صيدنايا لم يزرني فرد من أفراد عائلتي، والذين عرفت بعد خروجي أنهم هاجروا إلى أميركا.

ويضيف باسماً أول شيء فعلته بعد خروجي من المعتقل تناولت سندوتش شاورما سوري.

ويضيف "لماذا الكتابة والبوح وفضح نظام حافظ الأسد فى هذا التوقيت آذار/ مارس ٢٠١١ ؟؟!". يرد "لأنني شعرت أن الناس أصبح لديهم وعي.. كنت قبل هذا التاريخ إذا حكيت، أقابل بنظرات الشفقة، وأنا أبغضها وضاعف من بغضها بداخلي السجن بكل مفرداته".

كان شغلي الشاغل بعد الإفراج عني هو إتمام دراستي، وقررت السفر لأهلي والتحقت بهارفارد، وذلك بعد إصرار أهلي. ودرست "بيولوجيا" وتخصصت في علم المناعة عن قصد، موضحاً أن علم المناعة يحوي بين طياته إسقاطات سياسية لذلك آثرت هذا التخصص عن غيره.

ويضيف إذا فكرت فى التأليف ثانية بعد كتابي من "تدمر إلى هارفارد" سيكون كتابي عن المناعة السياسية أو السياسة المناعية.

واستعرض حياته بأميركا، "كنت فى حالة مقارنة دائمة بين حالي وحال أقراني، اختفت هذه المقارنة عندما حصلت على درجة أستاذ مساعد، بمعنى أني استوعبت حياتي الجديدة تدريجياً".

وعن الثورة يقول "كنت لا أتوقع أن ساعة الثورة دقت ليزول نظام الأسد؛ ولكن توقعت تدخل إسرائيل لحماية الأسد أكثر من موقفها الحالي".

ويؤكد السراج أنه ليس له انتماءات سياسية، ولكنه يميل لحركة أحرار الشام، مؤكداً أن سوريا رغم صعوبة الوضع وصعوبة إصلاحه أيضاً إلا أنها بحاجة إلى مظلة وطنية شاملة.

وأكد أنه لا يأمن شر ومكر هذا النظام، فنظام الأسد لن يرحل إلا بزوال مؤسسات الدولة، الجيش والأمن، إضافة إلى استقرار بشار الأسد داخل سوريا رغم الدمار الذي أصاب البلد.

ويمضي قائلاً: "لانريد من الغرب استقبال اللاجئين السوريين، ولكن نريد منه مساعدتنا فى رحيل نظام الأسد، وستحل الأزمة، ولن يكون هناك لاجئون، وسيقوم السوريون بتعمير سوريا، بل والتعايش مع العلويين أنفسهم بدون نظام الأسد، موضحاً أنه ستكون هناك ضمانات لهذا التعايش أهمها العدالة مؤكداً أن عمر الثورة خمس سنوات ولم يقم السنة بتنفيذ مجازر بالعلويين رغم بشاعة ما يحدث.

ويوضح السراج أن ما ينتظر سوريا هو التغيير الديموغرافي مثل البوسنة والهرسك ولبنان، ومن ثم التشّيع كما كان يحدث قبل الثورة السورية.

وبسؤاله هل ستعود إلى سوريا، أفاد بأنه يخدم سوريا من موقعه، موضحاً أن في هذا التوقيت سيكون هناك قلة بالوظائف فليس من المنطقي أن أترك مكاني على مميزاته فى ظل ندرة الوظائف عندما تتم عملية الإعمار ولكن لن أبخل عن سوريا بأي خدمة ممكن أقدمها لها.

ويختتم قائلا ً "أنتقم من نظام الأسد بعلمي وتفوقي، أعلم علم اليقين أنهم يملكون السلطة؛ ولكنها مغلفة بالجهل، وأنهم يخشون العلم والعلماء.

ثم قال "لا يمكن أن يستقيم، العلم مع القهر، التفوق مع الظلم، أبيت بين جدران المعامل انتقاماً من الأسد ونظامه".

تحميل المزيد