“العلاج ممكن مادامت الإرادة موجودة”.. نصيحة صحفي ومعلمة من المغرب انتصرا على السرطان اللعين

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/03 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/03 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش

من بين قصص كثيرة لمصابين بداء السرطان واجهوه بكل شجاعة، قرر مغربيان توثيق تجربتهما مع المرض الخبيث في كتب، والعمل في جمعيات ومؤسسات، حتى ينقلا للقارئ العربي ما يعانيه المصاب، وحتى يساهما في تغيير الصورة النمطية عنه، والتي تقول إنه إيذان بالموت المحتوم.

بهيجة ومحمد مغربيان ومثلهما كثيرون، كانا يعيشان حياتهما بشكل عادي جداً، لكنها انقلبت رأساً على عقب بعد علمهما بإصابتهما بمرض السرطان، غير أنهما قاوماه حتى أصبحت قصة شفائهما دليلاً على أن العلاج ممكن، وأن السرطان قد يكون فرصة لإسعاد الكثيرين، مادامت الإرادة موجودة.

رغم أن كثيرين يرون مرضى السرطان كأشخاص محكوم عليهم بالموت، وأن المرض داء لا شفاء منه، إلا أن قصصاً تظهر هنا وهناك، لأشخاص واجهوا الورم الخبيث بشجاعة، وانتصروا عليه بعد ليال من الآلام، تجعلك تغير فكرتك عن الموضوع إلى الأبد.

يوم تغيرت حياتي إلى الأسوأ

محمد الشروق، الصحفي والكاتب المغربي، اكتشف في صيف 2014 إصابته بالسرطان، ويقول "قبل حلول ذلك الصيف، كنت أقوم بعملي وأسهر على تربية أبنائي الثلاثة وأمارس رياضتي المفضلة كرة القدم كلما أتيحت لي الفرصة".

ولو أن نهاية الطريق سعيدة، إلا أن بدايتها كانت مليئة بالمعاناة، حيث يضيف محمد في حديثه مع "عربي بوست"، أنه حوالي 4 أشهر من عام 2014 صام خلالها عن الأكل، "بل حتى الماء كنت أشربه بصعوبة نظراً لاحتراق حلقي ولساني وفمي، لقد عجزت حتى عن الكلام، و فقدت خلال هده الفترة الصعبة أزيد من أربعين كيلو غراماً".

رتبت حياتي بعد السرطان

بهيجة كويمي، مصابة أخرى بمرض السرطان، تحكي لـ"هافينغتون بوست قائلة إن حياتها كانت جد عادية، بسيطة وهادئة، "أقوم بواجاتي كزوجة، كأم ومربية لأولادي، وأجتهد في عملي كأستاذة بالسلك الثانوي التأهيلي والسلك العالي. كل سنة كنت أساهم في تكوين طالبات وطلبة، وأدرس منهجيات ووسائل لتسيير المقاولة وتقنيات للتواصل".

وتضيف بهيجة أنها في خضم حياتها اليومية العادية "نسيت أن أتفقد أحلام الصبا ورصيدي من الأمنيات، وككثيرين، اكتفيت بالنصيب، استسلمت وضعت في الطريق، وفي زحمة القلق ودوامة الروتين فقدت الاستمتاع بالحياة وتقدير كل ما أملكه؛ لكنني أدركت قيمة الأشياء وترتيب الأولويات بعد الإصابة بالسرطان".

وتزيد مسترسلة في الكلام عن تجربتها مع السرطان: " تزاحمت الأفكار والهواجس داخلي: لم أنا؟ وكيف ذلك؟ وهل من علاج؟ وهل مرضي معد؟ هل أصبت بلعنة، هل هو عقاب؟ وهل سأموت وأترك زوجي وأبنائي وكل من أحب؟ رغم إدراكنا التام أننا لسنا خالدين، إلا أننا نرجح دائماً كفة الحياة ونمضي نخطط للمستقبل ونعطي الوعود في تجاهل تام للحتف اليقين".

الصراع الداخلي والمجتمع

في مجمتع كالمغرب لا يعاني مريض السرطان لمصابه، بل تتداخل عوامل نفسية وتقاليد تنظر للسرطان كشيء مخيف، وتقول بهيجة في هذا الإطار "إن الموت هو أجل محتوم لا مفر منه، لكن أحياناً يقتل اليأس أكثر من السرطان، فعدم تقبل الناس الإصابة بالسرطان والمضي قدماً في حياتهم يشكل عائقاً نفسياً قد يسبب الاكتئاب ومن ثم الانتحار أو اليأس القاتل والاستسلام كلياً للموت البطيء، خصوصاً وأن الصحة النفسية والجسدية الجيدة تزيد من فعالية ونجاح العلاج".

أمر يؤكده محمد شروق بالقول "في مجتمعاتنا العربية يصعب على المريض حتى النطق باسم السرطان، لأن هده المجتمعات تتعامل معه وكأنه محكوم عليه بالإعدام، يحملون له الكفن ويهيئون له القبر، أما أنا فقد قلبت الطاولة على السرطان. كنت أحاوره بصوت حاد و مرتفع. كنت أقول له: أنت تخيف الناس، لكن أنا سأربحك وسأجعلك أضحوكة أمام العالم.. هكذا كنت أواجهه وأعبئ نفسي في جبهة القتال!".

هل يعالج السرطان؟

لم يستسلم أي من بهيجة أو محمد للأمر الواقع، دخلا معركة العلاج الكيميائي مسلحين بإرادة وعقيدة لا تتزعزع بأن الشفاء هو المآل، فتم العلاج ونجح الأمر!.

تقول بهيجة "بكل بساطة قررت أخذ زمام الأمور بيدي، أن أثقف نفسي حول مرضي لأن الخوف يكون من المجهول، ثم كان لابد من تصحيح الإيمان أولاً في إمكانياتي، ثانياً في كل ما يوفره الطب الحديث".

نجح الأمر مع كل من بهيجة ومحمد؛ خاضا مرحلة العلاج وتخطيا المخاوف التي تسود الناس من العلاج وآثاره، التزما بالعلاج فنجح الأمر.

يقول محمد: "الحمد لله أن حالتي الصحية تتحسن باستمرار وهو ما تؤكده المراقبة الطبية التي أخضع لها بصفة دورية"، وهو التحسن الذي يرجعه دائماً إلى العامل النفسي الإيجابي.

وتقول بهيجة هي الأخرى " أنا اليوم بصحة جيدة أواصل مهامي وعملي وأعيش حياتي بشكل طبيعي مع المراقبة الطبية لحالتي بشكل منتظم. أصبحت أهتم بالتغذية الصحية والمتوازنة واعتمدت أسلوب حياة سليماً ومراقبة أكثر لصحتي وصحة أبنائي. الآن أنعم بحياة أفضل والحمد لله، وأداوم على تتبع حالتي الصحية كل ستة أشهر".

اليوم..حياتي سعيدة

لم يتوقف الجانب السعيد من حياة محمد وبهيجة عند هذا الحد، بل قررا أن يساعدا المصابين أينما كانوا على تخطي هذه التجربة.

محمد شروق كتب كتاباً بعنوان "أنا والسرطان"، وبهيجة كذلك كتبت أربعة كتب حول حياتها مع المرض وانتصارها عليه، كما أسست جمعية لمساعدة مرضى سرطان الدم.

يقول محمد " شرعت في الكتابة على سرير العلاج بالمصحة. كان الدواء ينساب إلى داخل الجسم عبر الأكياس وحبر القلم يسيل فوق الورق.. كتابة بأحاسيس ومشاعر حقيقية ووسط نظرات المرضى والفريق الطبي، يتضمن الكتاب بعض تدويناتي على صفحتي الفيسبوكية التي كنت أنشر في مرحلة العلاج وصور جميع من زارني في بيتي.

وحسب الأصداء التي تصل محمد من شركة التوزيع ومن أصدقائه بكل المدن المغربية، فإن كتابه يلاقي القبول من طرف القراء الذين يريدون التعرف على تجربة صحافي مغربي مع السرطان، "لأن مثل هذه الكتب تعد على رؤوس الأصابع وسط المكتبات العربية".

أما بهيجة فهي فخورة بجمعيتها، وتعبر عن ذلك بالقول: "هناك إقبال كبير للمرضى والأسر على الخدمات التي تقدمها الجمعية من تحاليل مجانية، تتكفل بمصاريف التنقل للمرضى المعوزين، دعم نفسي وتوجيه، أنشطة تحسيسية وأيام دراسية، استشارات مع الطاقم الطبي، وأكثر من 15 نشاطاً سنوياً نؤثث به فضاء المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش، أحس كأنني أقدم خدمة للمرضى مثلي وأجمل ما في الأمر أنني أصبحت أملاً للكثيرين، هكذا أضمن بصمة في الحياة وبسمة على الشفاه".

تحميل المزيد