في ليلة رأس السنة من كل عام، عادة ما تتزين شرم الشيخ المصرية بأبهى الألوان والأجواء الاحتفالية وتعج بالزواج المقبلين على الحياة، وتنتشر أشجار الكريسماس ورجال بلباس "بابا نوبل"، كما تسمع أغاني من كل لغات العالم، لكن هذه السنة كانت المدينة السياحية المصرية الأهم هادئة حزينة، بعد أن غادرها السياح فزعاً إثر تفجير تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الطائرة الروسية.
جولة لـ"عربي بوست" في شرم الشيخ، ظهر الحزن في كل مكان على وجه العاملين، فالمقاهي التي كانت تعج بالسياح، وكان من الصعب الحصول فيها على مقعد شاغر، أصبحت خاوية تستجدي الزبائن المارين في الشوارع، والفنادق التي كانت تتهرب من الزبائن وتضع لافتة "كامل العدد"، انخفضت أسعار الغرف بها إلى النصف في ذروة الـ"هاي سيزون".
مراسل الصحيفة جاب شوارع وميادين وشواطئ شرم الشيخ، من خليج نعمة، إلى السوق القديم، إلى هضبة أم السيد، والتقى بشرائح متعددة، اختلفت مؤهلاتها وأماكن عملها بالمدينة، وكلها اجتمعت على رأي واحد وألم واحد؛ هو ضياع فصل رأس السنة وركود السياحة في شرم الشيخ الجميلة.
بأبخس الأسعار
سامي محمود، رئيس هيئة تنشيط السياحة، يقول إن موسم رأس السنة هذا العام هو الأسوأ على قطاع السياحة منذ السنوات الماضية، حيث كانت نسبة الإقبال ضعيفة جداً مقارنة بالعام الماضي، و"كل شيء متوقف منذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء"، والتي كانت أقلعت من المدينة السبت 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وسقطت بعد 25 دقيقة ما أدى إلى مقتل كل من كان على متنها".
ويؤكد أن حملات الدعاية التي أطلقتها مصر في الدول العربية كالسعودية، والإمارات والكويت، لم تأت بثمارها لأنه تم إطلاقها قبل الاحتفال بأيام قليلة.
"الوضع في المدينة أصيح قاسياً جداً، وإشغال الفندق لا يتعدى 35%، والنزلاء الحاليين هم من دول جنوب شرق آسيا والبلقان، وهم شريحة مختلفة عن السياح الذين كانوا يأتون في الأعوام السابقة يأتون بأبخس الأسعار"، هكذا يقول سالم إبراهيم، الذي يعمل نادلاً في أحد فنادق 5 نجوم بشرم الشيخ.
سالم قال إنه تم استحداث نظام تسويقي سيء، ما سبب ركود السياحة بشكل أكبر، يقوم بموجبه بعض السماسرة بالاتفاق مع الفندق على أفواج محددة من السياح يأتون لزيادة نسبة إشغال الفندق، على أن يحصلوا على امتيازات ضخمة بما يسمى نظام "All-Inclusive"، وهو أن يدفع السائح في البداية مبلغاً من المال شاملاً تذاكر الطيران والانتقالات والفندق بالوجبات الثلاثة بالمشروبات بكل شيء، "فيأتي السائح من بلاده وقد قرر ألا يدفع أي مبالغ أخرى ولا يستفيد منه أصحاب المحلات والمقاهي والبازارات المنتشرة في أنحاء المدينة"، بحسب قوله.
السياحة الروسية كانت عصب الحياة
عبد الرحمن إسماعيل، موظف الاستقبال بفندق 5 نجوم، يقول إن السبب الرئيسي الذي ربما سيمتد لسنوات قادمة في ركود السياحة، أن مصر ليس لها وكلاء سياحة في العالم يطوفون لعرض مميزات المدينة وشواطئها الساحرة، ومعظم وكلاء السياحة في العالم يعملون لصالح "تركيا" في الترويج لمعالمها السياحية.
ويضيف عبد الرحمن "العمود الأساسي للسياحة كان الوفود القادمة من روسيا، حتى أن معظم لافتات المحلات والكافيهات في شرم الشيخ تضع اسمها أو لافتات بالعربية والروسية، ولذلك وبعد الرحيل المفاجئ لأكثر من 40 ألف روسي انهارت شرم الشيخ.
الباعة الجائلون يشتكون
على شاطئ خليج نعمة، التقينا بالطفل عصام حدوتة، بائع الإكسسوارات والمشغولات اليدوية، الذي قال: "قبل حادثة الطيارة المشؤومة كنت أبيع الإسورة بـ 5 يورو، لكن الآن الزبائن معظمهم من المصريين والعرب، ونادراً ما تجد سائحاً أجنبياً، وأتعذب حتى أبيع الإسورة بـ 15 جنيه (أقل من دولارين) "بطلوع الروح" فالزبائن أصبحوا يبيعون ويشترون فيّ واتعلموا "الفصال" كأننا في سوق الخردة مش في شرم الشيخ".
ولكن الشواطئ لا تخلو مع هذا من الأجانب، حيث يقول جوناثان وزوجته ليزا، القادمان من كندا، أنهما يحضران إلى شرم الشيخ في عطلة رأس السنة كل عام للاستمتاع بالأجواء الساحرة والطقس الرائع.
وأكدا أن ما يميز شرم الشيخ هذا العام هو انخفاض الأسعار إلى النصف تقريباً، وأنهما قاما بشراء شجرة الكريسماس من السوق القديم بسعر زهيد.
المقاهي تبحث عن زبائن
في المنطقة المطلة على سوق خليج نعمة، خلت المقاهي والمطاعم تقريباً من الزبائن، لدرجة أن الجارسونات ينادون الزبائن ويقدمون لهم إغراءات بأسعار خرافية للمشروبات.
خالد الحمراوي، بكالوريوس تجارة، الذي يعمل في أحد مقاهي منطقة خليج نعمة، قال وهو يحضر لنا قائمة أسعار المأكولات والمشروبات، إنهم اضطروا بعد ركود السياحة إلى تخفيض الأسعار إلى الربع تقريباً بسبب ضعف الإقبال بشكل منقطع النظير.
وأَضاف خالد أن صاحب المقهى يدفع إيجار 60 ألف جنيه شهرياً، "ولكن للأسف الإقبال ضعيف للغاية، ومعظم الزبائن مصريون ليسوا بسخاء السياح الأجانب، والخسائر فادحة رغم أن موسم رأس السنة بصفة خاصة كان يشهد أزهى عصور السياحة والزحام".