عقدة الخوف وضرورة انتصار الثورة السورية

يقول بعض الدارسين للتاريخ الإسلامي، إن المسلمين لم يستطيعوا أن يحققوا تقدماً حقيقياً على الصليبيين إلا بعد أن حُلت "عقدة الخوف" لديهم، والتي تمثلت بتحرير إمارة الرها الصليبية على يد القائد عماد الدين زنكي، حيث انتشرت فكرة لدى سكان بلاد الشام وقتها أنه من الصعب أن يهزم الصليبيون وأنهم أقوياء للغاية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/09 الساعة 01:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/09 الساعة 01:47 بتوقيت غرينتش

يقول بعض الدارسين للتاريخ الإسلامي، إن المسلمين لم يستطيعوا أن يحققوا تقدماً حقيقياً على الصليبيين إلا بعد أن حُلت "عقدة الخوف" لديهم، والتي تمثلت بتحرير إمارة الرها الصليبية على يد القائد عماد الدين زنكي، حيث انتشرت فكرة لدى سكان بلاد الشام وقتها أنه من الصعب أن يهزم الصليبيون وأنهم أقوياء للغاية.

وإذا اجتررنا هذه الفكرة إلى الواقع.. نجد أنه من المعلوم وقوع العالم العربي والاسلامي ضحية لعقدة خوف مزمنة جراء أنظمة الحكم العسكرية والديكتاتورية، والتي كممت الأفواه وملأت السجون، وجعلت البلاد أشبه ببيت أشباح يخلو من الأفكار والحراك الإنساني الحضاري.

استطاع الربيع العربي في أوج شعبيته أن يكسر حاجز الصمت، وأن يقلع الخوف من قلوب الناس إلى حد ما، وهذا ما جعل الثورات تنتشر انتشار النار في الهشيم، وبدأت الأنظمة المهترئة تهتز وتتساقط كأحجار الدومينو، حتى لملمت الأنظمة نفسها وأطلقت العنان للثورات المضادة وحاصرت ما تبقى من الثورات في المنطقة.

والخوف هذا بتنا نلمحه في عيون الجميع، فالكل يخاف أن يكون مصير بلاده مشابهاً لدول الربيع وأن ينتهي به الزمان لاجئا يعيش في خيمة لا تقي من برد ولا من قيظ.
حتى أن الردة عن الحرية باتت شرعية وأصبحت هي الرأي الأكثر انتشاراً في المنطقة، وهذا ما أراده أرباب الثورات المضادة أصلاً.
وإذا قمنا بجرد حساب للربيع العربي في نهاية عام 2015، نجد أن الثورات كلها إما نجح الانقلاب عليها أو تم تدجينها وتحويلها لمشروع موائم لأنظمة الحكم الموجودة، ما عدا الحالة السورية..

الحالة السورية رغم تعثرها وفوضويتها واستحالة رؤية الأفق لمأزقها، صمدت بوجه كل الألاعيب والأكاذيب والتحالفات، والراجح أن ستكون مضرب مثلٍ أسطوريٍ في الصمود قريباً، حيث إنه رغم محاولات العالم وضعها بين ثنائية داعش والأسد، ورغم تواجد كثير من أسلحة الجو العالمية وأجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية، ورغم الحصار وقلة الموارد والفرقة بين أجنحة الثورة، وفقدان الجسم السياسي والمدني للثورة إلا أنها مستمرة، وما زالت تحتفظ بهدفها الرئيس القاضي بمنع سرقة حرية ومستقبل شعبها تحت أي مسمى كان نظام الأسد أو داعش أو غيرهما.

وإذا ما أخذنا عينة من سكان المناطق "المحررة" في سوريا، وسألناهم عن رأيهم، ستجد إصراراً عجيباً على النصر، ومواقف صلبة لأجل الكرامة والحرية لا تجد لها مثيلاً، ما يعني أن القضاء على فكرة الثورة أمر عصيٌّ على الحدوث.
بالمقابل فإن شعوب المنطقة التي ترى أن الربيع العربي أصل كل بلوى خوفاً من الحرب وأملاً في الاستقرار تعيش حالة يأس من الأنظمة، إلا أنه الخوف وهو طبيعي بالمناسبة.
وإذا كان أكبر مغذٍّ لهذه العقدة هو تعثر الثورة السورية وانتصارها، وما حل بالسوريين من دمار وقتل وتشريد، فإن انتصار الثورة السورية سينفخ الحياة مجددا في مشروع الشعوب، إلا أنه لن يكون شعبوياً بالشكل الكبير الذي حدث في الموجة الأولى.

في الحقيقة كسر الخوف، وإحياء مشروع الشعوب مجدداً سيعطي زخماً لهذه الأمة وسيحيي القضية الفلسطينية مرة أخرى، فالموانع من الاهتمام بالقضية ستنتهي حتماً في حال تحررت الشعوب مجددا.
ولا بد من التنويه إلى أن هذه الأمور لا تحدث بشكل سريع بل تحتاج عدة سنوات لتتبلور وتأخذ شكلها ومجراها، بمعنى أن انتصار الثورة السورية سيكون فقط لحل "عقدة الخوف" عند البقية، لكنه لا يعني أن الأمور ستتبدل لحال أفضل بشكل سريع.

وهذا ما حصل في الحقيقة تاريخياً.. إذ إن تحرر الشعوب وتوحد الأمة وتحرير بيت المقدس من الصليبيين، أخذ وقتا بعد عماد الدين وابنه نور الدين، وما يقارب العقدين من قيادة صلاح الدين للأمة.
في الغالب لا يريد الناس تصديق مثل هذه الأفكار، فهي إن صحت وصارت واقعاً تعني أنهم سيدخلون في حروب قد لا تنتهي قبل 10 أعوام، ولكن من أراد أن يرى بلاده حرة وعلى رأسها القدس فعليه أن يضحي، ولكم في حياة الأمم وسيرتها عبرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد