تواجه جماعة الإخوان المسلمين بمصر (تأسست عام 1928)، حالياً خلافات داخلية متصاعدة، وهو ما تزامن مع صدور تقرير بريطاني يدّعي أن بعض الذين انتموا إليها نهجوا فيما بعد منهج التطرف والعنف، ما يضع مستقبل الجماعة أمام خيارات صعبة، وفق خبراء.
الكاتب والمحلل السياسي عزام التميمي، المقيم في لندن، قال لـ"الأناضول": "أزمة الإخوان ليست أزمة غير مسبوقة فقد مرّت الجماعة قبلها بمحن صعبة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي"، في إشارة إلى ملاحقة الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر لعدة آلاف من قياداتها وكوادرها، وإصدار قرارات إعدام بحق العشرات منهم.
واستدرك التميمي: "يبدو أن حجم الأزمة الحالية (مشيراً إلى الخلافات والضغوط الدولية)، أكبر مما سبقها لأن حجم الجماعة حينما وقعت الكارثة كان كبيراً جداً وممتداً جداً، فجاءت التداعيات بحجمه".
وربط التميمي بين استمرار الجماعة وبين تمسّكها بالاعتدال، في قراءة مستقبلية لدور الجماعة قائلاً: "ما يُبقي هذه الجماعة حية ويمدها بالقدرة على الصمود واستئناف المسير، ولو بعد حين، هو الفكر الذي يميزها عن غيرها من حيث اعتداله ووسطيته وشموله".
وأضاف التميمي، مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي في لندن: "لكن من المبكر جداً أن يحكم على الجماعة بأنها وصلت إلى مداها وأن عمرها قد انقضى، خاصة إذا تذكرنا – كما أشرت آنفاً – أن الجماعة بعد ضربتي الخمسينيات ثم الستينيات من القرن الماضي كاد البعض أن يكتب نعياً لها".
ومتطرقاً إلى خيارات الجماعة المتاحة، مضى التميمي قائلاً إن "المعضلة فيما يجري أن لا أحد يملك بديلاً عملياً للجماعة، سواء ممن ينقدها من داخلها أو من يندد بها من خارجها، والبديل الذي يقترحه البعض سبقهم إليه أصحاب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو بديل مدمر، لا يبقي ولا يذر، يبدأ بإهلاك الآخر وينتهي بإهلاك الذات".
ولم يستبعد التميمي انتهاء الجماعة إن لم تتخذ خياراً سريعاً لمعالجة أزماتها، قائلاً: "تبقى الحقيقة التي لا مراء فيها، وهي أن مشروع الإخوان المسلمين مشروع إصلاحي بشري، من يقومون عليه يجتهدون، قد يصيبون تارة ويخطئون تارة أخرى، وهو ككل مشاريع البشر ليس أبدياً ولا معصوماً ولا منزهاً، وإنما يستمر ما قدر الله له أن يستمر، وبحسب ما ييسر الله له من أسباب النجاح".
جماعة الإخوان بنسختها المصرية، بدأت أزمتها الحالية مع انقلاب قادة الجيش على الرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو/تموز2013، ويرى الأكاديمي عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، أنها في مأزق كبير.
وعن رؤيته لواقع جماعة الإخوان قال عبدالله: "أعتقد أنها عاشت عصرها الذهبي خلال ثورات الربيع العربي التي انطلقت في ديسمبر/كانون أول 2010، من تونس، وخلال عهد مرسي، وانتهى هذا العصر، وأعتقد أن يكون بلا رجعة".
وأضاف: "الإخوان اليوم يعيشون واحدة من أسوأ لحظاتهم منذ 80 عاماً، وتقرير الحكومة البريطانية وصفهم بأنهم جماعة بها تطرف، وحتى الآن موقعهم التاريخي أصبح على المحك، وأصبح طريقه أضيق من أي وقت مضى".
وكان ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، أعلن الخميس الماضي، في تقرير عن نشاط الإخوان بدأ العمل فيه من أبريل/نيسان 2014، أن جزءاً من الإخوان "له علاقة غامضة للغاية مع التطرف"، وأن الانتماء لجماعة الإخوان أو الارتباط بها "يعتبر مؤشراً محتملاً للتطرف"، وهو ما رفضته الجماعة، في تصريحات لقياداتها مؤخراً.
وبشأن إمكانية تجاوز الإخوان لأزماتهم والضغوط الدولية الحالية، تابع الأكاديمي العربي البارز قائلاً: "ليس في المستقبل المنظور، ولكن على المدى البعيد كل شيء وراد".
والأزمة الثالثة داخل تنظيم الإخوان خلال العام الجاري بعد أزمتين في مايو/أيار، وأغسطس/آب، وصلت ذروتها الاثنين الماضي عقب إعلان مكتب الإخوان المسلمين في لندن إقالة الشاب محمد منتصر (اسم حركي مقيم داخل مصر)، من مهمته كمتحدث إعلامي باسم الجماعة وتعيين طلعت فهمي "55 عاماً" متحدثاً جديداً بدلاً منه"، وتلا ذلك تدشين موقع جديد، واستمرار بيانات مضادة بين قيادات بالجماعة ومكاتب تنفيذية بها، حول إدارة التنظيم وشكل الثورة التي ينتهجونها ضد السلطات المصرية.
وحول خياراتهم المستقبلية في ضوء تصاعد الخلافات والضغوط الدولية، قال عبدالخالق عبدالله: "الإخوان بين خيارين: إما المسير في طريقهم الحالي، وهذا سيؤدي بهم إلى الانتحار، أو إعادة النظر في تكتيكاتهم، وقياداتهم، وقناعاتهم وهو أمر صعب عليهم".
مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي)، يتفق مع عبدالخالق، في أن مأزقاً كبيراً تعيشه جماعة الإخوان، ويضيف: "بل إنها في أضعف حالاتها".
وحول مستقبل الإخوان قال: "نتحدث عن جماعة لها طابع تنظيمي هرمي، تعيش في ظروف خلاف، وارتباك والتباس بين قياداتها وشبابها، وهناك حالة من حالات الاستقطاب الدولي، والمال يلعب دوراً، لكن هذا كله لا يؤدي إلى زوال الإخوان، هذا مستحيل، ولكن يعمل على إضعافهم".
ورداً على سؤال بخصوص إمكانية تجاوز قرارات الإخوان لمشهد الخلافات والضغوط الدولية، أوضح أنه "في ظل تواجدهم بالحكم وضحت أخطاء استراتيجية وعدم حرفة سياسية، والآن هم يعلمون أنهم في معركة ليست سهلة، وأنها لن تنتهي بسهولة؛ لكن ما قد يتم هم من يجيبون عنه من خلال خياراتهم المستقبلية التي في كلّ الأمور تبدو صعبة".
وأشار إلى أن التقرير البريطاني لن يكون نهاية المطاف بخصوص الضغوط الدولية على الجماعة، مستبعداً أن يطول التحالف الإسلامي الذي أنشأته السعودية مؤخراً جماعة الإخوان.
وحول تقرير بريطانيا حول الإخوان، مضى قائلاً: "كلام ديفيد كاميرون عليه كثير من الملاحظات، فهو متأخر وليس واضحاً مع ولا ضد، وربما خرج بضغوط مُورست على بريطانيا، ولكن هو جزء من حلقة الصراع الدائرة منذ 30 يونيو/حزيران 2013، و3 يوليو/تموز2013 ضد الإخوان".
وأشار إلى "صعوبة رجوع الإخوان بمصر للمشهد في ظل واقع سياسي رافض لها على الأقل الآن، ووجود حركة من حركات الواقع الإقليمي والدولي رافض لها أيضاً، ويضعها في ارتباط مع الإرهاب".
وكانت السعودية قد أدرجت، في السابع من مارس/آذار 2014، الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية التي يقع مركزها الرئيسي بالقاهرة، على قائمة "الجماعات الإرهابية"، وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013، أعلنت الحكومة المصرية جماعة الإخوان "جماعة إرهابية" وحظرت جميع أنشطتها، بعد أشهر الانقلاب العسكري، في 3 يوليو/تموز 2013.