العلمانوية والإسلاموية معركة أثارها الفكر السياسي الغربي المسيطر في الشرق الأوسط بعد سقوط السوفييت؛ لحماية أنظمة مستبدة وفاسدة وخلق ساحة صراع جديدة على مستوى العالم توجت بعنوان الحرب على الإرهاب.
القصة ليست مؤامرة في الغرف المظلمة، بل في أرصدة البنوك، القصة أكثر من واضحة لأي متابع يعيش في الغرب.
العلمانية التي هي سياق مؤسسي لدولة القانون والحريات والنظام السياسي الديمقراطي، هي ليست العلمانوية التي فرضت علينا في هذه المعركة التي تبعد الفعل السياسي عموماً عن مبتغاه.
عندما نضع هذين الخصمين في مواجهة بعضهما العلمانوية والإسلاموية، نجد أن الديكتاتوريات وأنظمة التسلط والفساد والجريمة والطائفية قد سقطت من الحسابات.
الذي كان يريد شيوعية سوفييتية صار يريد بسطاراً علمانياً، والذي يريد الدعوة السلمية للإسلام صار جهادياً سلفياً، والذي كان يريدها ثورة شعبية مسلحة، صار يريدها ثورة على الناس وقتلهم، بحجة أنهم إسلاميون وحاضنة للإرهاب الإسلامي.
شارك الإسلاميون والعلمانيون بالمجزرة، لم يعد هنالك نموذج مثالي لهؤلاء بل نموذج عملي: بسطار الأسد أو ذقن الظواهري، كلاهما صناعة معاصرة تتجدد عناصرها، من أجل تبرئة العلاقة بين البسطار في عالمنا الحالي وبين أرصدة البنوك في دول البنوك.
كتبت قبل عشر سنوات مادة شاركت فيها بفعالية أقامها أحد مراكز البحوث الأميركية، كنت أحاول فيها البرهنة على أن العلمانويين يريدون التركيز على الحرية الفردية فقط دون الاقتراب من الحريات العامة، من أجل أن تبقى السلطة للبسطار القاتل في دولنا، وأن الإسلامويين يركزون على الحريات العامة من أجل الوصول للسلطة، والقضاء على الحريات الفردية.
كان النموذج التركي صاعداً ويثبت جريمة الطرفين، وخلبية المعركة بين العلمانوية والإسلاموية، كان الأميركان معجبين بهذا النموذج وداعمين له، كانوا يرفضون العمل على تعميمه في المنطقة، خاصة في الدول المحيطة بإسرائيل.
هذا ما جعل النقاش معهم صعباً آنذاك، لا تزال هذه الرؤية صائبة بالنسبة لي، ولا يزال الأميركان في حالة إصرار أكثر من السابق، خاصة مع الإصرار على زعزعة النموذج التركي، قبلها الانقلاب في مصر على رئيس منتخب -محمد مرسي- بإشرافهم هم!
وتغطية الجريمة في سوريا الأسد، وتحويل سوريا إلى مأساة يقتل فيها كل الأطراف ما عدا معادلة الديكتاتوريات والأنظمة الفاسدة، التي هي السبب الأساسي والرئيسي لما نحن فيه.
كان لا بد من إيجاد مؤسسات ومراكز بحوث علمانوية وأجهزة مخابرات تعمل ليل نهار مع تنظيمات إسلاموية لهذه المعركة، لكن جوهر الأمر غرف البنوك والأنظمة الفاسدة القاتلة.
تونس نموذجاً لتصدير العلمانوية والداعشية، أسست فيها استخباراتها الكثير في هذا المجال، ليست نظرية مؤامرة إذا وجدنا أن أكبر مصدر إرهابيين لداعش الإسلاموية هي تونس.
أكثر من 5000 تونسي في صفوف داعش، وأكبر مصدر لداعش العلمانوية أيضاً بالجهة المقابلة، بعدما تم القضاء على منجزات الثورة وعودة واجهات الاستخبارات السياسية، منهم قائد السبسي، للضوء كرئيس، وقيادات بعض ما يسمى الأحزاب العلمانوية والقومجية التونسية؛ لتزور الأسد وتغطي جريمته بحق الشعب السوري.
الإسلام ليس بحاجة لإصلاح مختلف عليه فقط، بل هو بحاجة لمأسسة خارج الحقل السياسي، هل يمكن لأنظمة فاسدة تكره القانون والمأسسة أن تقوم بفعل مأسسة للإسلام المعاصر، بعيداً عن حقل السلطة؟ السيسي الذي قاد الانقلاب يستخدم من جديد مؤسسة الأزهر ومؤسسة الإفتاء المصرية وكأنها فرع مخابرات تماماً كالأسد، واستخبارات بن علي في تونس.
السيسي قضى حتى على ما كان موجوداً في عهد حسني مبارك، خاصة في حقل الحريات العامة.
أردوغان في مشروع ترئيسه فهم اللعبة جيداً وحاول ويحاول أن يلعبها ويقلد غيره، لكن خلافه مع الأوروبيين خلاف بنكي في النهاية، سيحل في القريب العاجل، لا يقبل العلمانويون أن الإسلاموية الجهادية الإرهابية هي صناعة غربية معاصرة، بينما يقبلون هم أنهم صناعة غربية معاصرة، لولا الغرب هل كان هؤلاء علمانويين؟
تراجيديا سوداء تدفع ثمنها شعوبنا، فالإسلاميون منذ تأسيس أول حزب لهم جماعة الإخوان المسلمين، وتغطية بريطانيا العظمى لهم وحتى آخر فصيل إسلامي راهن، هي نتاج العالم الراهن الذي تتحكم فيه القوى الغربية، وعلى رأسها أميركا.
علينا الخروج من هذا النفق – الثنائية القاتلة، لكن كيف يحتاج فعلاً العمل عليه حثيثاً، شعبنا السوري بعد ثورته أدخله أوباما هذا النفق، فمورست بحقه كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية، ولا تزال الجريمة قائمة بإشراف أميركي، وأدوات كثيرة روسية وإيرانية وأسدية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.