علي عثمان (26 عاماً) هو أحد أفراد المعارضة السورية المنكمشة في منطقة الجبال على الحدود السورية التركية. يواجه علي والمعارضة خياراً مؤلماً في الوقت الحالي: إما القبول بالتسوية مع نظام الأسد، أو القتال إلى جانب مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة.
تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقل عن علي المنشق من الجيش السوري ورفاقه، قوله إنهم تعرضوا للضعف والحصار بعد أشهر من القصف الروسي المستمر الذي دعم موقف نظام الأسد بقوة. وكانت محادثات السلام قد انتهت الشهر الماضي دون تقدم يذكر وسط تصاعد كبير لأعمال العنف في حلب شمال سوريا.
الخميس الماضي، وبعد يوم واحد من إعلان الولايات المتحدة توقيع اتفاق مع روسيا على اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في حلب، قامت مجموعات من المعارضة باستهداف مناطق تابعة للنظام باستخدام الصواريخ وقذائف الهاون ونيران القناصة، بحسب ما ذكره الإعلام الرسمي التابع للنظام السوري، ومنظمة بريطانية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان.
كان علي في زيارة لعائلته مؤخراً في تركيا، وقال: "تتوسل إليّ زوجتي يومياً لأترك تلك الجبال. إنها تكرر عليّ هذا السؤال دائماً: لماذا تستمر في القتال؟".
يعد مصير المعارضة السورية المعتدلة أمراً حرجاً بالنسبة للجهود الأميركية في المنطقة، حيث إذا تركت هذه المجموعات القتال أو انضمت إلى مجموعات أكثر تطرفاً، فستخسر الولايات المتحدة معركتها القادمة في تشكيل المستقبل السوري، كما ستخسر حلفاء محتملين لها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
حالة الجمود ستدفع المقاتلين للرحيل
وحذر بعض قادة المعارضة السورية المقربين من الولايات المتحدة من أن حالة الجمود الدبلوماسي، وتجدد الغارات الجوية على معاقل المعارضة قد تدفع الكثير من مقاتليها إلى أحضان المجموعات المتطرفة مثل جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والتي صنفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منظمةً إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنها مستبعدة من أية تسويات محتملة مع النظام.
وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قال إن وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه الثلاثاء الماضي سينجح فقط إذا استطاعت المعارضة المعتدلة فصل نفسها عن جبهة النصرة وغيرها من المجموعات المستبعدة من الاتفاق، ووافقه على ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قال: "نريد أن يكون المشهد واضحاً حتى نستطيع تحقيق عملية الفصل".
في شمال غربي سوريا، حيث يحاول عثمان وآخرون اتخاذ خطوة أخيرة، وحتى في غيرها من المناطق، تتواجد المعارضة المعتدلة في المناطق ذاتها التي تتواجد فيها جبهة النصرة، ويقولون إنهم مضطرون للتنسيق فيما بينهم وتقاسم الموارد الشحيحة، خاصة عندما يتعرضون لهجوم من النظام وحلفائه.
هذا الأسبوع، أعلنت جبهة النصرة و6 مجموعات أخرى معارضة أنها ستقوم بإنشاء مجلس مشترك للقيادة للانتقام من أفعال النظام السوري الأخيرة.
يحاول كلٌ من النظام والمجموعات المتطرفة استمالة المجموعات الأكثر اعتدالاً إلى جانبهم. يقول عثمان إن جبهة النصرة تحاول تجنيد مقاتلي المعارضة من خلال مقاطع فيديو بارعة في الوقت الذي يواصل فيه النظام إسقاط المنشورات على مجموعته وغيرها في محافظة اللاذقية، التي يسيطرون عليها، مطالبين إياهم بالاستسلام أو الموت.
يقول عثمان إن مجموعته تتلقى دعماً من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وتركيا، إلا أن عدد المقاتلين فيها حالياً أقل من 500 مقاتل، بعد أن كان عددهم حوالي 2800 مقاتل قبل عام.
يقول عثمان: "الكثير من المقاتلين في مجموعتي تعرضوا إما للإصابة الشديدة أو الموت". وأضاف: "لا يمكننا أن نقاتل وحدنا"، في إشارة إلى الحاجة الحالية للتعاون مع المقاتلين الإسلاميين مثل جبهة النصرة، رغم تخوفه هو وآخرون من أعضاء مجموعته منها.
زيادة شعبية النصرة
في المقابل، حقق رفض جبهة النصرة لمحادثات السلام في جنيف صدى واسعاً بين المعارضين الذي يعتبرون أن أي اتفاق مع النظام يعد خيانة. يقول خالد واليو (27 سنة)، وهو عامل بناء انضم لمجموعات المعارضة تماماً مثل عثمان، "بالتأكيد لن تقبل جبهة النصرة بأية اتفاقات تتضمن وجود بشار الأسد وسيواصلون قتاله"، قبل أن يؤكد أنه سيكون أول الملتحقين بهم في هذه الحالة. كان خالد يتحدث من أحد المنازل التي يتواجد فيها مصابو المجموعة، حيث يعتني بأخيه البالغ من العمر 20 عاماً، الذي فقد كلتا ساقيه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما أكد أنه سيعود للقتال بمجرد أن يحصل أخوه على أطراف صناعية.
في الوقت نفسه، يشعر الكثير من مقاتلي المعارضة بتردد شديد في قتال أو مواجهة جبهة النصرة؛ نظراً لأن أغلب مقاتليها ينتمون لنفس القرى والمدن التي ينتمون لها، في حين أن الكثيرين – مثل عثمان – هم من المسلمين السنة الذين انتفضوا بالأساس ضد نظام بشار الأسد العلوي ذي الروابط الشيعية.
قبل انطلاق الاحتجاجات في سوريا في مارس/آذار 2011، كان عثمان يعمل بأحد محلات أنظمة تكييف الهواء في اللاذقية، وكغيره من الشباب، كان محتجاً على ما يراه من غياب العدالة والفساد في الدولة البوليسية، وقال عثمان إنه مع استخدام النظام للعنف، قُتِل أقرب أصدقائه بين يديه برصاص قوات الأمن. في ذلك الوقت، كان نظام الأسد يتهم أطرافاً أخرى بقتل المتظاهرين لإثارة التعاطف معهم.
اضطر عثمان إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية وأُرسِل إلى دمشق، حيث قال إنه شهد هناك قتل المدنيين في المناطق السنية التي تسيطر عليها المعارضة. وفي عام 2012، قرر الفرار والعيش بين الجبال.
كانت المجموعة المعارضة التي انضم لها ترغب بالأساس في تحرير تلك المنطقة والوصول للساحل، كما ذكر أنه قاد الكثير من الهجمات ضد مواقع للجيش، ما منحه لقب "رامبو" بين رفاقه المقاتلين، حيث يقول: "كنا ننتصر وكان الناس يحبوننا".
وفي مطلع عام 2013، بدأ مقاتلون أجانب من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية يدخلون إلى المنطقة ذاتها، وقاموا بجذب الكثيرين من خلال الحديث الديني، إلا أنه لم يتأثر بهم. وبحلول الصيف الماضي، استطاعت جبهة النصرة وحلفائها تحقيق انتصارات واسعة ضد النظام، كما استطاع عثمان ورفاقه السيطرة على المزيد من المناطق في اللاذقية، في الوقت الذي بدا فيه موقف الأسد خطيراً.
التدخل الروسي في سوريا
في سبتمبر/أيلول الماضي بدأ التدخل الروسي المباشر. يقول عثمان متحدثاً عن الرئيس الروسي: "تحطمت كل آمالنا في إحياء الثورة السورية على يد بوتين".
وجه عثمان اللوم للدول الأجنبية الداعمة للمعارضة قائلاً: "كان عليهم أن يعطونا على الأقل أسلحة مضادة للطائرات بالتزامن مع التدخل الروسي. أنهم يزعمون أنهم يدعموننا، لذلك، يجب أن يستمروا في ذلك طوال الطريق، أو ألا يقوموا بذلك من البداية".
عثمان أضاف أنه خضع مع 100 مقاتل آخر لتدريبات في قطر في عام 2015 استمرت لمدة شهر، وأن التدريب كان على يد القوات الأميركية التي وفرت لهم التدريب والأسلحة المضادة للدبابات، قبل أن تقوم الولايات المتحدة في وقت لاحق بإلغاء هذا البرنامج بزعم أن أغلب مقاتلي المعارضة يرغبون في مقاتلة النظام فقط وليس المجموعات المتطرفة الأخرى.
في نوفمبر/كانون الثاني الماضي، وُلِدت أخت عثمان الصغرى بعيداً عن مناطق المعارضة، حيث قام والده بالانتقال مع زوجته والأطفال الصغار إلى تركيا.
وكان الأسد قد عرض سابقاً العفو عن الجنود الهاربين من الخدمة مقابل عودتهم، إلا أن عثمان قال إن أحد أصدقائه ممن التحقوا بالمعارضة الذي قبل بعرض العفو الذي قدمه الأسد وقرر الاستسلام في نهاية عام 2014 تعرض للسجن في مكان غير معروف حتى الآن، وأكد قائلاً: "لم أر حالة واحدة لشخص قرر تسليم نفسه وعاش بحرية بعد ذلك".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.