لم تتأخر المرأة عن الرجل في الانخراط بالأحداث التي تدور في منطقتنا العربية، فقد كانت شريكة الرجل منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة التونسية وما تلاها من أحداث وصفها البعض بـ"الثورات"، فيما ذهب البعض الآخر إلى تسميتها "مؤامرة".
فقد اختارت راغبةً أو مكرهةً أن تكون مع أحد الفريقين؛ لانخراط عائلتها أو لتعاطفهم مع طرف من الأطراف أو لرأي كوَّنته نتيجة متابعتها للأحداث.
بل إنها كانت في بعض الأحيان مضطرة لأن تكون مع الطرفين معاً، فكم من أم تبعثر أبناؤها بين الأجهزة الأمنية والمنتفضين في الشوارع، وكم من زوجة اصطف زوجها مع طرف وكانت عائلتها مع الطرف الآخر؛ لتكون هي ضحية الاصطفافات السياسية.
ولم يكن دور المرأة أقل أهميةً من دور الرجل خلال تلك الأحداث، فقد لعبت دوراً هاماً في الإعلام وإيصال الأخبار لتمكنها من الحركة بسهولة أكثر من الرجال، ومع تطور الأحداث وانتقالها إلى العسكرة في بعض الأحيان، لعبت المرأة دوراً أساسياً في المشافي الميدانية وحتى في المشافي الخاصة والحكومية التي لا تخلو من وجود الممرضات والطبيبات، وكثيراً من الأحيان كان من ضمن مهامهن تأمين الأدوية اللازمة للمناطق المحاصرة لإنقاذ حياة المصابين خلال المعارك أو جراء القصف هنا وهناك، كما لعبت دوراً مهماً في المجال الإغاثي، بالإضافة إلى مهام أخرى لا تقل خطورة عن الوقوف على الجبهات مثل نقل الجرحى من مكان إلى آخر وجلب الذخيرة من جبهة إلى أخرى وغيرها الكثير.
وقد نالَ المرأةَ ما نال الرجلَ في الأحداث الجارية من اعتقال واختطاف وملاحقة أمنية وتعذيب وغيرها، إلا أن أرقام النساء المعتقلات والمختطفات غير دقيق وذلك بسبب تكتم الكثير من العائلات على اعتقال بناتهم خوفاً على "سمعتهم" بسبب الممارسات التي قد تطال النساء داخل المعتقلات أو من قبل خاطفيهم، فمن منا لم يسمع بإيمان العبيدي التي صرحت بأنها تعرضت للاغتصاب على يد ميليشيات تتبع للقذافي في ليبيا، ومن منا لم يسمع بفحص العذرية الذي تعرضت له المعتقلات في مصر، ناهيك عن آلاف القصص التي ترد من سوريا عن حالات اغتصاب لفتيات في المعتقلات.
وإن كانت بعض المعتقلات شرحن في مقابلات معهن ظروف اعتقالهن والممارسات التي طالتهن داخل المعتقلات، إلا أن المعلومات عن ظروف اعتقالهن تبقى شحيحة في ظل التعتيم الذي يخيم على هذا الملف.
فضلاً عن استخدام النساء للضغط على المطلوبين لتسليم أنفسهم؛ حيث يتم اعتقال الأم أو الزوجة أو الأخت؛ للضغط على المطلوب اعتقاله؛ حيث يُشترط عليه تسليم نفسه في مقابل إطلاق سراحها، أو يتم استخدامها للضغط على المعتقل لانتزاع المعلومات منه تحت التهديد بالاعتداء عليها أو اغتصابها، وفي حالات أخرى يتم استهداف عائلة المطلوب كعقاب له.
وعلى الرغم من كل التضحيات التي قدمتها المرأة ومشاركتها في الأحداث مناصفة مع الرجل وإن كانت بطريقة مختلفة، فإن المجتمع لم ينصفها بإعطائها حقوقها الاجتماعية والسياسية التي تستحق.
فعلى الصعيد السياسي وفي الدول التي نجحت فيها "الثورات" بالإطاحة برأس الحكم، كما في تونس وليبيا ومصر، لم تحصل المرأة إلا على عدد محدود من المقاعد في البرلمانات التي يفترض أنها تمثل الشعب، والأمر كان مشابهاً في الحكومات المشكّلة؛ حيث لم تتخطَّ مقاعد المرأة المقعدين أو الثلاثة في أحسن الأحول، في وقت لم نسمع فيه عن ترشح أي امرأة للرئاسة.
وفي المناطق التي لا تزال تشهد صراعاً مسلحاً كما في سوريا، تم تهميش المرأة بشكل كامل تقريباً، فنادراً ما نسمع عن مشاركة المرأة في المجالس المحلية التي تشرف على الحياة اليومية في المناطق الخاضعة للمعارضة، والأمر نفسه يتكرر في المحاكم الشرعية أو السلطات التنفيذية في تلك المناطق.
أما على الصعيد الاجتماعي فقد خلفت الأزمات التي عصفت بالمنطقة عدداً كبيراً من القتلى متسببة في ارتفاع عدد الأرامل بشكل كبير، تاركة إياهن بين عدة خيارات أصعبها إيجاد طريقة لإعالة أطفالها بعد أن أصبحوا بلا معيل، وأسهلها "من الناحية النظرية" القبول بزواج قد لا يكون متكافئاً فقط بغرض "السترة" وإيجاد معيل للعائلة، ومن ناحية أخرى فقد أُضيفت أعباء جديدة ومهام إضافية للمرأة خلال الأحداث التي تشهدها المنطقة، فنظراً لغياب الرجل لوقت طويل عن المنزل بسبب وجوده على الجبهات أو لأنه ملاحق من جهة ما، كان لا بد للأم من تعويض الفراغ الذي تركه غيابه على الأسرة، فأصبحت مطالبة بأن تكون الأم والأب معاً.
بالإضافة إلى الممارسات التي تطال النساء في أماكن سيطرة المجموعات المتشددة؛ حيث تفرض عليهن تلك المجموعات طريقة معينة في اللباس، أو فرض قوانين للحد من خروجهن من منازلهن، أو إلزامهن بوجود مرافق ذكر "مُحرم" عند خروجهن من المنزل، وفي حال مخالفتهن لأحد القوانين فإنهن يُجلدن عقوبة لهن وإنذاراً لغيرهن!
"وراء كل رجل عظيم امرأة" كلمات تُنسب لنابليون بونابرت، الإمبراطور الفرنسي الذي لم ينسَ في ظل انتصاراته وإنجازاته أن يثني على دور المرأة في حياته ودورها فيما وصل إليه، كما أن تاريخنا العربي زاهر بإنجازات عظيمة لنساء تولين سُدة الحكم وأسسن لإمبراطوريات ودول يذكرها التاريخ حتى اليوم، والأديان السماوية في مجملها حضّت على إعطاء المرأة حقوقها غير منقوصة، فمن أين جاءت ثقافة الإقصاء لدور المرأة، وإن كانت من ممارسات "الاستبداد"؟ لماذا يستمر تطبيقها في زمن يوصف بالربيع العربي للشعوب العربية!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.