اتقِ الله وراقِبه في نفسك، واعمل لآخرتك فإنك لست ببعيد عنها، فما الدنيا إلا ظل وخيال، وكلنا إلى زوال.. ما مضى من عمرك محسوب عليك، ولن يعود إليك، ولو افتديته بمالك وآلك، فلا يغرنك عملك أنه يقربك من أملك، قد ترى يومك الجديد أمامك، وأنت لا تدري أنه آخر أيامك، وقد يكون في خطوتك التالية نهايتك، فلا يغرنك طول عمرك أنك هربت بـ"حنكتك" من قدرك، واعلم أن كل يوم يقربك من قبرك.
ضع الموت أمامك عن يمينك وشمالك، وما قدمت يداك فإنك ملاقيه في كتابك فلا تكونن سياطاً على المظلومين، ولا جلاداً على ظهر الذين قبعوا خلف الجدران الشاهقة، وكن عبداً لله -جل في علاه- لا عبداً لمأمور؛ لأن الجراح التي تركها سوطك على ظهر غيرك باتت تشكو إلى الله قسوة قلبك، وموت ضميرك، وقد سمع الله قولها، ووعدها بعزته وجلاله لينصرنَّها ولو بعد حين، واعلم أنك ومأمورك كلاً منكما ثوب سيبلى ليس غير الله يبقى، ومن علا فالله أعلى.
أيها الجلاد.. لا تظن أن الله غافل عما فعلت، لا والله الذي خلقك فسواك فعدلك فاخترت لنفسك عوجك، وأن تكون عبداً لغيره ليأمرك وتخشاه ويزجرك لتُجِله ويمُن عليك فتنسى الله، يضرب بك خصومه، وتحتمي بسلطانه، وتفخر بتراب أقدامه.
يا هذا.. دع عنك جرمك وجرمه، ولا تطِع سيدك في معصية، ولا تلهب جسد غيرك بيدك، فإن ألم العذاب يشق عنان السماء، وأنين المعذبين تتصدع له الغيوم، والدماء إذا سالت تنفطر لها الأرض، فلا يكن حملك في عنقك ثقيلاً، يوم الرحيل لن يحمل عنك من وزرك أحد، وحدك سترتحل، ليس معك من متاع الدنيا ولا زينتها ولا بهجتها مثقال ذرة تنفعك، غير كتاب خط فيه عملك، سيطرح بين يديك ما أظهرت وما أخفيت، وما علمت وما نسيت، كتابك لن يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الله عليك.
أيها الجلاد.. لن تموت إلا إذا سدد جسدك كل لطمة وكل سوط جلدت به غيرك.. لطمة بـ"لطمة" وسوط بـ"سوط" وكيهٍ بـ"كيه"، وقد تجني ألم ما زرعت في جسد غيرك بمرض في بدنك يمزق أوصالك ويقطع أحشاءك فلا تبرح الروح الجسد إلا وقد سددت ما عليها من ظلم للعباد حتى تلقى الله مستوفاة عملها وأجلها.
وقد يكون عذاب المرض بضع سنين، وقد يكون لدقائق معدودات تمر كل لحظة فيها بألف ضربة سيف، فاستعد وأعد العدة لتحاسب على عملك؛ لأنك بعقلك الذي لم يذهب عنك، ولا عذر لك فلا تقل "أنا عبد لمأمور" فهذا شرك بالله تعالى، "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون".
انظر إلى القبور كم حوت من قرون، وكم طوت من أبدان كانت أشد منك قوة ومن مأمورك صولجاناً.. صاروا أثراً بعد عين، ولم يبقَ منهم غير حطامٍ لعظامٍ نخرة، لا فرق بين ملوكها وصعاليكها جميعهم هلكوا.
انظر إليهم بعقلك.. هكذا ستكون، وكتابك في عنقك.. مسجون في قبرك، ولكن رهن عملك.
فاختَر لنفسك يا "صاحِ" ميتة ترضاها
وقل لـ"مأمورك" لن أكون عبداً لغير الله
فاقض ما أنت قاض نفسي للذي سواها
إنما الحياة الدنيا ما بين عشية أو ضحاها
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.