أمام اصطدام وفد (الهيئة التفاوضية) مرة أخرى في جنيف 5 بالجدار المسدود وانسداد الآفاق أمامه لأي اختراق محتمل، وأمام حالة الإحباط المستمرة، خاصة بعد إعلان الموقف المعلن للإدارة الأميركية الجديدة، باعتبار رحيل الأسد ليس من الأولويات، في حين كانت وما زالت المعارضة تتمسك به كشعار وحيد، مع قبول ضمني لبقاء النظام ومؤسساته.
يعتقد البعض أنه حان الوقت لغياب كل مسميات المعارضة عن المشهد من ائتلاف وبقايا المجلس ووفد الهيئة التفاوضية، وإفساح المجال لتشكيلات الجيش الحر وفصائل الثورة والحراك الوطني المدني وتجمعات الشباب لإعادة هيكلة نفسها، وتعزيز وحدتها، عبر مؤتمر وطني عام.
وكما يبدو فإن العقبة الأساسية أمام هذا الاحتمال هي أن القوى الخارجية المعنية بالملف السوري، وبرضا وتشجيع النظام وحلفائه وأتباعه وميليشياته، لن تسمح بحصول ذلك، وستواظب على رعاية أطياف المعارضة الراهنة، ومدها بأسباب الدوام والاستمرارية من مالية ولوجستية في سبيل إدامة أمد إدارة الأزمة السورية على قاعدة توافقات توزيع مناطق النفوذ، وليس حلها، ولن تجد أفضل من مثل هذه الهياكل المعارضة لتنفيذ المهمة.
فمنذ الإعلان عن المجلس الوطني السوري بتركيبته الحزبية التقليدية المشوهة، ومن ثم ترحيل أمراضه إلى الائتلاف، الذي رهن نفسه للنظام العربي – الإقليمي الرسمي، وأنجب الهيئة التفاوضية كمولود غير شرعي، ومنذ أن ظهر المجلس الكردي من نفس الطينة الحزبية البالية، قالت الغالبية الوطنية كلمتها للجميع: إذا كنتم تريدون تمثيل ثورتنا عن حق، عليكم العودة إلى الشعب وإعادة بناء مؤسسات ثورية ديمقراطية منتخبة ومخولة عبر المؤتمرات الوطنية الجامعة، من دون وضع الملامة على آخرين، واختلاق الذرائع والتهرب من المسؤولية، كما يفعل الائتلاف أو تضليل الناس (بالانسحاب أو نصف الانسحاب أو ربعه)، كما يفعل المجلس الكردي.
أما بشأن متاجرة القوى الخارجية والنظام وأعوانه بمسألة الحرب على الإرهاب، نقول: هناك فرق شاسع في منطلقات ودوافع محاربة تنظيم داعش الإرهابي بين فريقين في سوريا خصوصاً، والمنطقة عموماً: واحد مبدئي من أجل القضاء على مجموعة إسلامية سياسية خطيرة تهدد المجتمع بالفتنة والإبادة، وفي سبيل السلم الأهلي والتفرغ لنصرة الثورة ولمواجهة إرهاب الدولة الذي يقوده نظام الاستبداد، وفريق آخر يرفع شعار (محاربة داعش) لأهداف سياسية بغية الاغتسال من وصمة الإرهاب، والتستر على إرهاب النظام، وتطبيق الأجندة الحزبية، ومواجهة الثورة، ومحاربة الجيش الحر، وإثارة المعارك الجانبية، وإطالة أمد خراب سوريا وأزمتها، وخلق سلطات أمر واقع مستحدثة وخرائط جديدة بقوة سلاح الميليشيات، وبمعزل عن الإجماع الوطني الشرعي، وباستطاعة أي وطني سوري وبسهولة معرفة أطراف الفريقين.
الورقة الكردية السورية والبازار السياسي
في الساحة الكردية تبدو الصورة أشد قتامة، وما يضاعف من تعقيداتها جهل الآخرين لتفاصيلها وحقائقها وخصوصياتها، ابتداء من أطياف المعارضة، ومروراً بالجوار والمحيط العربي، وانتهاء بالأميركان والروس والأوروبيين، فمنظار كل طرف يستند إلى مصالحه، وتتحول القضية الكردية لديهم إلى سلعة للمقايضة وورقة للاستخدام، ولا يهم لديهم من يمثل الكرد والحركة الوطنية الكردية، ومن يحمل أجندات إيرانية أو يمارس الإرهاب الأيديولوجي، أو يعمل بالمنطق الحزبي الضيق، ومن يحمل مطامح الشعب الكردي ويؤمن بالثورة والتغيير الديمقراطي والعيش المشترك في سوريا حرة تعددية تشاركية موحدة، كل ما يهمهم هو مدى استعداد طرف كردي ما للرضوخ لشروطهم، وتقديم من يقاتل على الأرض تحت إمرتهم وفي خدمة أهدافهم.
المشكلة أن نظرة المحيطين الداخلي والخارجي للشأن الكردي السوري لا تتعدى القشور؛ حيث تستند إلى مقاييس خاطئة بالتعامل مع الأحزاب واعتبارها (الممثل الشرعي والوحيد) للشعب الكردي، متجاهلة وجود غالبية المجتمع الكردي خارج التنظيمات الحزبية، ودور الوطنيين المستقلين والحراك الشبابي الثوري وممثلي منظمات المجتمع المدني، الذي يشكل بمجموعه الكتلة التاريخية الضامنة للحركة الوطنية الكردية، والمعبرة عن طموحات ومصالح الشعب.
والمشكلة الأخرى أن هذا الواقع ينطبق على الحالة الوطنية السورية أيضاً فمن يدعي الآن التمثيل الشرعي الوحيد للسوريين وثورتهم يجافون الحقيقة والواقع، ولا يمثلون إلا أنفسهم، وهنا تختلط الأمور ببعضها، وتغيب الحقيقة، وتسود قوى الظلام، ويحل الزائف محل الأصيل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.