منذ تفتّح وعيي، وأنا أشعر بالنفور تجاه مفهوم الزواج السائد في مجتمعنا، بكل تفاصيل منظومته؛ بداية من التكاليف المبالغ فيها لمشروع الزواج؛ مرورًا بالأشياء التي يزرعون داخلنا أن لولاها ما اكتملتْ شرعية الزواج، كـ "النيش" مثلًا رمز الأشياء التي لا فائدة منها، انتهاء بالشكل الممسوخ المعتاد حاليًا لحفلات الزفاف في قاعات الأفراح؛ مما جعل حضور الأفراح عبئًا يُشكّل ضغطًا نفسيًا عليّ، أهرب منه عادةً.
المشكلة الرئيسية أنك كشاب مصري يُزرع بداخلك، منذ فترة المراهقة، أن الزواج هو الجائزة التي ستفوز بها عندما تكبر.. ستتعلم، وتعمل، بعد أن تعاني من أجل الفوز بفرصة عمل، ربما تتغرب خارج وطنك، وتفقد شغفك بالحياة في الطريق، يدب الشيب في روحك قبل جسدك؛ تحت ضغط الهرولة من أجل لقمة العيش.
كل هذا و"الزواج" أمام عينيك هو الهدف الأهم، وممارسة الجنس الحلال هي الجائزة الكُبرى؛ هو التفاحة المُحرمة التي ستصبح حلالًا بعد أن يعلنك المأذون زوجًا لفُلانة.. في فيلم "678" ترفض الزوجة التي تعاني من التحرُّش الجنسي في المواصلات أن تضاجع زوجها؛ بسبب نفورها من جسدها والجنس بشكل عام؛ فيسألها زوجها مستنكرًا: "أومال انا متجوزك ليه؟!"؛ فتجيبه وعلى وجهها أمارات الدهشة: "هو أنت متجوزني عشان كده بس؟!"؛ فتأتي إجابته الصادمة الصادقة: "آه متجوزك عشان كده بس!"
بالطبع الزوج في الفيلم، الذي أدى دوره الفنان "باسم سمرة"، ظهر لنا في ثوب الشرير، الذي يتعامل مع زوجته كأداة جنسية؛ دون استيعاب معاناتها، دون أن ندرك الجانب الآخر من الصورة؛ وأن هذا هو نهاية الطريق الذي يُدفع إليه كل رجل مصري مثله؛ فمَن يقبل أن تتمنع عنه زوجته بعد صوَّروها له على أنها الجائزة الكُبرى؟
(2)
لا وجود للمفاهيم الدينية الراقية المتعلقة بالزواج، كالمودة والرحمة والتشارك، على أرض الواقع الآن.. كلما قادتني الظروف لأحضر جلسة من جلسات الاتفاق على إجراءات زواج تقليدي؛ يصيبني الغثيان وأنا أسمع وأرى التفاوض بخصوص الماديات؛ وكأنها مجرد صفقة تجارية، يسعى كل طرف فيها للفوز بأكبر مكسب وأقل خسارة.. قرأتُ مرة عن أن بعض العائلات في الصعيد تشترط أن ترتدي العروس في ليلة زفافها ما يساوي كيلو جرامًا من الذهب!
المنظومة تخبرك كرجل أن عليك أن تدفع؛ لتشتري الزوجة؛ فتصبح ملكًا لك.. بالطبع هذا الكلام لا تنطقه الألسن، لكن تقوله كل الأفعال، حتى لو أنكرها أصحابها في العلن.. في إحدى المرات رأيتُ بعيني أبًا يطرد ابنته التي أتته غاضبة؛ بعد أن اكتشفت خيانة زوجها لها.. سألها: "ضربك؟"؛ فردت بالنفي؛ فبادر بطردها وهو يأمرها أن ترجع لبيت زوجها فورًا.. وكأن الرجل الذي عمل وكدّ، ودفع مقابل الزواج، وأدّى ما عليه ماديًا واجتماعيًا، لا يجب علينا الالتفات لفعلة تافهة يرتكبها كخيانة زوجته.
(3)
لم أشعر يومًا أنه يمكنني أن أكون زوجًا لفتاة في هذه المنظومة المريضة؛ ربما لأنني لستُ ممن يملأهم الزهو والسعادة بإحساسهم بالسيطرة وتملُّك الأشياء.. لم أكن أريد جارية، بل كنت أبحث عن زوجة، والتعبير الأنسب هو "شريكة حياة".. لا أريد فتاة تتلقى الأوامر وتنفذ دون فهم أو نقاش، بل حلمتُ بفتاة ذكية تجيد النقاش، تدافع عن وجهة نظرها، وتُبصّرني بأخطائي عندما أخطئ.. لا أتقبل أن أتحمل كل المسئولية في علاقة من المُفترض أن يتشارك طرفاها المسئولية، كما يتشاركا الأحزان قبل الأفراح.. لا أريد أن أشتري زوجة بالمال، بل أردتُ أن أجد فتاة أحبها وتحبني؛ فتصبح شريكة لي في وحدتي.
والحمد لله أني وجدتُ مَن كانت تبحث عما كنتُ أبحث عنه؛ فليس من السهل- في هذا المجتمع- أن تجد شريكًا للحياة، لا يبحث عن صفقة يحقق النصر فيها؛ الزواج الذي لا يصح أن يكون صفقة من الأصل، ولا أن تحكمه علاقة "السيد والعبد".
– تم نشر هذه التدوينة في موقع العدسة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.