تحيي تركيا السبت، 15 يوليو/تموز 2017، ذكرى مرور عام على محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. وأعلنت السلطات، الخامس عشر من يوليو/تموز، عطلة وطنية سنوية للاحتفال بـ"الديمقراطية والوحدة"، معتبرة أن إفشال الانقلاب يمثل نصراً تاريخياً للديمقراطية التركية.
وقتل 249 شخصاً ليس بينهم المخططون للانقلاب، عندما أرسل فصيل من الجيش دبابات إلى الشوارع وأطلق طائرات حربية في محاولة للانقلاب على الحكم عن طريق العنف.
إلا أنه تم إحباط المحاولة في غضون ساعات، بعدما أعادت السلطات تجميع صفوفها ونزل الناس إلى الشوارع دعماً لأردوغان، فيما تقول الحكومة إن تنظيم رجل الدين "فتح الله غولن" هو من دبر محاولة الانقلاب.
وكان للمواطنين المدنيين الدور الأهم في إفشال المحاولة الانقلابية، حيث يتذكر الأتراك مغامرات قام بها أناس عُزل لإقناع الجنود بالعدول عن المشاركة في العملية، مثل صفية بايات التي التقطتها العدسات وهي تتجه بشجاعة نحو العساكر الذين أغلقوا جسر البوسفور، أو متين دوغان الذي نام أمام دبابة لمنعها من الحركة بمطار أتاتورك، بالإضافة إلى آخرين كثر.
سيدة تتحدى البنادق فوق الجسر
وقالت صفية عن تلك الليلة إنها كانت قادمة من التسوق حينما فتحت التلفزيون بمنزلها، لتتفاجأ بالأخبار التي تتحدث عن محاولة انقلابية في بلدها.
وأضافت في حوار مع وكالة "إخلاص" للأنباء فوق جسر البوسفور، السبت 15 يوليو/تموز 2017، مرتدية نفس اللباس الذي كان ترتديه قبل سنة في نفس المكان، أنها قررت مباشرة بعدها الخروج للشارع والمشاركة في المسيرات ضد الجيش، "وقد حملت معي داخل محفظتي بطاقة هويتي وتسبيحاً وبعضاً من الأدوية".
حينما اقتربت صفية من جسر البوسفور، وجدت أمامها 8 من رجال الشرطة، علمت لاحقاً أن أحدهم هو مدير شرطة إسطنبول نفسه مصطفى تشاليشكان، الذي كان له دور أساسي أيضاً في إفشال المحاولة الانقلابية. حاول الرجال منعها في البداية من العبور للجسر والاقتراب من الجنود الانقلابيين، لكن إصرارها كان أكبر من ذلك، فاستسلموا لها وتركوها وشأنها تفعل ما قررته.
اتجهت وحيدة إلى الجنود الذين كانوا مستعدين لإطلاق النار، بينما رجال الشرطة وباقي المدنيين يُراقبونها وينتظرون لحظة سقوطها على الأرض ميتة، أو مصابة في أحسن تقدير. وجهت لهم الكثير من الأسئلة والانتقادات، وطالبتهم بأن يُفسروا لها ما يقومون به، "لكنهم كانوا يصرخون فقط ويأمرونني بالابتعاد، ثم يُطلقون النار".
وأصيبت صفية لاحقاً برصاصة في رجلها أثناء تجمهر الناس فوق جسر البوسفور. وبعد انتشار الفيديو عبر العالم، أصبحت رمزاً من رموز ليلة الانقلاب الفاشل، حتى إن رجل أعمال سعودياً قام بزيارتها في المستشفى وقرر التكفل بمصروفات العمرة لها ولفردين آخرين من عائلتها تقديراً لما قامت به.
متين دوغان والدبابات
مطار أتاتورك الدولي كان من أهم البنايات التي سيطر عليها الانقلابيون في البداية، ولذلك دعا أردوغان عبر تطبيق فايس تايم على قناة "سي إن إن ترك" الأتراك للخروج إلى الميدان، والسيطرة على المطار.
وما إن سمع بالأمر متين دوغان، الطالب بكلية الطب حينها، حتى قرر أن يتجه مباشرة إلى مطار أتاتورك، خصوصاً أن طائرة الرئيس رجب طيب أردوغان ستنزل هناك قادمة من مدينة مارمريس، التي أرسل الانقلابيون إليها فريقاً عالي التدريب لاغتياله أو اعتقاله.
ما إن وصل بوابة المطار حتى شاهد الشاب الذي اشتهر في تركيا والعالم بعدها، الدبابات والجنود بأسلحتهم الثقيلة. حاول في البداية إقناعهم بالاستسلام من خلال الحديث إليهم، ثم وقف بعدها أمام دبابة أملاً في أن تتوقف، لكن الجنود بدوا عازمين على الاستمرار في مخطتهم، فقرر أن ينام أمامها ويضع جسده عند العجلات، حيث لا يُمكن أن تمر دبابة من دون أن تسحقه.
شريفة بوز.. سائقة الحافلة
النساء كان لهن دور كبير في إفشال الانقلاب، وشريفة كانت واحدة منهن، حتى إنها أبكت رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، عند مشاهدته صورها وهي تنقل المتظاهرين بالشاحنة إلى الميادين للتصدي لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وأصبحت شريفة حديث وسائل الإعلام العالمية كلها، حين بثت صورها وهي محجبة تسوق إلى جانب جارتها غير المحجبة حافلة مخصصة لنقل مواد البناء، لكنها نقلت بها تلك الليلة الشباب الذين كانوا بحاجة للوصول إلى الساحات بسرعة من أجل الوقوف أمام الدبابات.
أئمة المساجد
في ليلة 15 يوليو/تموز 2016، كانت المساجد التركية أيضا من أبرز نجوم مواجهة الانقلاب العسكري الذي كان يحاول تثبيت أقدامه.. رسالة نصية قلبت الموازين وجنّدت 120 ألف خطيب لإخراج الناس إلى الشوارع، ولكن القصة أكثر إثارة في تفاصيلها.
وقال محمد غورماز، رئيس الشؤون الدينية في تركيا (بمرتبة وزير) وصاحب فكرة دعوة الناس للخروج إلى الميادين من خلال المساجد، إنه حصل في تلك الليلة على معلومات تفيد بأن هناك تحركاتٍ من الجيش لتنفيذ عملية انقلاب.
وأضاف في حوار سابق مع "عربي بوست" أنه سأل حينها نفسه كرئيس للشؤون الدينية حول ما يمكنه "أن يقوم به من أجل شعبه ومستقبل أمته"، وأمام العدد الكبير للمساجد وموظفيها، حيث بلغت 90 ألفاً، يعمل بها أكثر من 100 ألف من الأئمة والخطباء والمؤذنين، خطرت بباله ذكرى من الطفولة.
وعندما كان غورماز طفلاً يبلغ الـ12 من عمره بدأت حرب قبرص التي شاركت فيها تركيا بعد دعم اليونان للانقلاب على نظام الحكم في الجزيرة، وكان أبوه حينها إماماً للمسجد. اجتمع الناس حول الإذاعة لمتابعة الأخبار، لكن الأب طلب من غورماز الصعود الى المئذنة والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بأعلى صوته، ثم دعوة الناس بعدها للاجتماع داخل المسجد.
وأكد الرجل أن نجاح ما قام به حينها في جمع الناس هو الذي دفعه لأن يقوم به مجدداً ليلة المحاولة الانقلابية، "فهو تقليد من تقاليد الدولة العثمانية، التي كان أئمتها يساهمون الناس أفراحهم وأحزانهم بالصلاة والسلام على النبي في المآذن والمساجد".
وقام غورماز ليلتها، بعد استشارة أردوغان وموافقته، بكتابة رسالة قصيرة على الهاتف وإرسالها لأكثر من 120 ألف موظف تابع لرئاسة الشؤون الدينية في كل مدن وقرى تركيا، طلب فيها فتح المساجد وجمع الناس داخلها والصلاة والسلام على النبي، وهو ما تم بالفعل.
ويُفسر استجابة الناس لدعوة المساجد بأنهم "كانوا بحاجة إلى قوة معنوية، وحينما سمعوا الأذان في تلك الأوقات الصعبة استجابوا الدعوة، ثم إننا لم نكتف بالصلاة والسلام على النبي فقط، بل دعونا الشعب للميادين ليحافظوا على حقوقهم والوقوف مع الشرعية".