ومضات على طريق الغربة “2”

في غربتك ما أجمل أن تكون سفيراً لبلدك وتعكس مدى تميزهم، ليشار إليك بالبنان ليس لشخصك فحسب، بل لدولتك ودينك، وما الجميل أن تشارك في الفعاليات والإحتفالات التي تقيمها الجامعات والمؤسسات والتي يعرض من خلالها الطلبة الأجانب ما يميز بلادهم، وختاماً أقول: أسال الله تعالى أن يردنا واياكم إلى أهلنا وأوطاننا سالمين غانمين، وأن يبعد عنا كل شرٍ، وأن ينفعنا بما عملنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/06 الساعة 04:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/06 الساعة 04:29 بتوقيت غرينتش

اليقِظ في غربته هو ذاك الجميل الذي يسعى لتطوير ذاته كلما لاحت في الأفق فرصة، بل قل يصنع الفرصة بيده ويسخر الامكانيات لذلك، فمن الجيد يا صديقي أن تستثمر وجودك في بلدٍ مكتظ بلغات وثقافات وعادات وامكانيات مختلفة، لتنهل من هذا النهر المتدفق ولتسكب في عقلك ما أعجبت به وما تسعى لتنميه وما تسعى لتحقيقه فأنت في ميدان معبق بكل الوسائل، والقطار يمضي ولن ينتظرك لتستيقظ من ثُباتك وغفوتك..

حتى تلتحق بالجامعة كان لابد من إجتياز لغة تركية لمدة عام تتلقن فيها أمُ اللغة وقواعدها وفنون إستخدامها في معاهد قد أُعدت خصيصاً لهذا الغرض، في غرفة دراستي هناك اجتمعنا من جنسيات مختلفة فهذا الوسيم من سوريا، وتلك الأنيقة من تونس، وهذه الخجولة من البوسنة، وذاك المشاكس من مدغشقر، وتلك الفتاة الروسية صاحبة الشعر الأصفر ، والأفريقي مارلي وغيرهم، كنّا ثلاثةَ عشر طالباً أغلبنا من دول عربية، وكان الجو السائد داخل القاعة الدراسية يسوده الاخوة والتفاعل، رُبما اندماجك مع أناس يتحدثون بنفس لغتك لن يشعرك بالراحة في وصف مُرادك، لكنه وبكل تأكيد سينعكس سلباً على تقدمك في إتقان اللغة التركية.

من واقع تجربتي أنصح الراغبين بتعلم لغة جديدة أن يندمجوا بشكلٍ كبير مع متحدثيها وأن يمارسوا تجارب الحوار والتعلم معهم. ربما تشعر بالحرج من عدم اتقان اللفظ، وعدم توصيل الرسالة بطريقة سهلة وبكلمات واضحة، لكن كُن على ثقة أن هذه اللحظات بمثابة الوقود الذي سيدفعك بقوة في طريق إنجاز هذا اللغة بفترة أقصر وبجودة أعلى، فمن صبر ظفر.

في غربتك احرص أن تبق على تواصلٍ مستمر مع أهلك وأحبابك، وتزود بدعوات امك واستمتع بموسيقى كلماتها الحانية، فأنت طفلٌ وستبقى كذلك في نظرها. واحص كذلك على مساعدة رفاتك والقادمين الجدد إلى المدينة التي تقطن بها، فالمخلص منهم لن ينسَ ذلك المعروف طيلة حياته. في وقت فراغك اخرج والأصدقاء الى حديقة قريبة أو لحضور مسرحية كوميدية. حاول وبكل الوسائل أن يكون رصيدك من الملل صفر، اكتب مذكراتك ودون أجمل لحظاتك، ولا تنس كذلك التقاط الصور، وتزيين أيامك بألوان الفكاهة والمرح بما لا يتعارض مع أوقات الجدية والعمل.

اختر يا صديقي مكان سكنك في غربتك بدقة، واحرص على أن يكن رفاق بيتك أو غرفتك من ذوي الصفات الحميدة والأخلاق الرفيعة، فالصديق بالصديق يُعرف، فصديق الغربة هو عائلتك هنا، يخفف من وحدتك ويكن لك عوناً ورفيقاً. أذكر أنّي قد غيرت مكاني قرابة التسع مرات ما بين سكن حكومي وخاص، حتى رست سفينتي قُبل قرابة العامين في المكان الذي أقطن فيه حتى الآن.

المناسبات في غربتك بمثابة أيام عادية، وهي كذلك نقاط ضعف في حياة المغترب، يشعرها فيها بمرارة الغربة وشدة الشوق لوطنه وأهله. ففي حياتك لن تنسً المراسم التي مررت بها لقضاء العيد الأول في غربتك، وكذلك مناسباتك الإجتماعية. لذا عليك أن تمنح صديق او اثنين وسام الصديق المقرب والمقرب جداً ليكن بذلك سنداً وعوناً لك. فما أجمل أن يسعدك أحدهم بحفلة عيد ميلاد مُنسقة بشكلٍ جيد تحت أغصان شجرة حديقة أنيقة على موسيقى خرير مياه الشلالات.

في باكورة الأيام الجامعية ستشعر بمدى الفارق بين اللغة التي تعلمتها في معاهد اللغة وبين اللغة الأكاديمية المستخدمة في المحاضرات والمدونة بالكتب، وسينعكس ذلك على معنوياتك بتراخي وإحباط، وستفكر بتغيير التخصص أو الجامعة أو ربما الدولة ككل، لا يا صديقي!! تمل، فهذا شيء طبيعي فأنتَ تَعلَّمتَ كيف تهاتف صديقك بلغته وكيف تشتري الخبز والجبن من الماركت القريب، وكيف تطلب من السائق أن يُنزلك بالقرب من بيتك. فمن الطبيعي أن تشعر بصعوبة المفردات العلمية والغير مستخدمة بكثرة في الحياة اليومية، لذا أنصحك أن تبذل جهود مضاعفة في الأشهر الأولى من الفصل الأول وستشعر بمدى التحسن السريع كلما مرت الأيام والساعات.

في مرحلتك الجامعية تعرف على معظم أفراد دفعتك وكن مقرب بشكلٍ أكبر على من شعرت بتميزهم واقبالهم على العلم والتعلم، واياك ان تسلك حذو الكُسالى، فالمميز سيفضي عليك نشاطاً وهمة وستندرج بذلك تحت لواء التميز وأهله، وكذلك سياعدك ان استعصى عليك امراً فأنت أجنبي وقد تعيق اللغة في البداية فهم بعض التفاصيل، وحتماً في الفصول القادمة ستكن النتائج مدهشة، وهناك العديد من النماذج المشرفة والتي تميزت عن أقرانها أهل اللغة الأصليين.

في غربتك ما أجمل أن تكون سفيراً لبلدك وتعكس مدى تميزهم، ليشار إليك بالبنان ليس لشخصك فحسب، بل لدولتك ودينك، وما الجميل أن تشارك في الفعاليات والإحتفالات التي تقيمها الجامعات والمؤسسات والتي يعرض من خلالها الطلبة الأجانب ما يميز بلادهم، وختاماً أقول: أسال الله تعالى أن يردنا واياكم إلى أهلنا وأوطاننا سالمين غانمين، وأن يبعد عنا كل شرٍ، وأن ينفعنا بما عملنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الجزء الأؤل من هذه التدوينة يمكن قراءه هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد