سجل أنا صحفي

وإذا كانت الصحافة النزيهة جريمةً يحاسبك عليها أسياد المال والقوة، فيا مرحباً بتلك التهمة عندما تكون الغاية الأساسية تحرير الكلمة من العبودية، ومنحها حريتها بعيداً عن أروقة المخابرات والأمن والرعب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/04 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/04 الساعة 05:51 بتوقيت غرينتش

عبّر الإنسان بفطرته البدائية عن حاجته للتواصل مع الآخر وتدوين يومياته، ونقل أسفاره ومغامراته في الكهوف والبراري ومع الحيوانات العاشبة واللاحمة، فبدأ بالرسم المبسط على جدران الكهوف مستخدماً أدوات بسيطة كالحجارة والمسامير، مدفوعاً بغريزته إلى تثبيت الوقائع ونقشها بطريقة تحفظ له ذاكرته من النسيان، وتنقل أخباره إلى من يليه في البشرية.

وتطورت حاجة الإنسان مع تطور العصور والحضارات، وظهور الحاجات الملحَّة إلى نقل المعلومات إلى الآخرين والتفاعل معهم، فاستطاع التأثير بمحيطه الأول وبيئته الضيقة؛ لينطلق منها إلى الساحة الأوسع، فظهر المراسلون الذين نقلوا الأخبار بين القبائل والعشائر والجماعات، وحملوا في جعبهم قصصاً من شأنها إشعال الحروب، أو إخماد الفتن، كحال العرب في الجاهلية مع مَن كانوا ينقلون الأخبار بين البوادي، ويلعبون دور الوسيط في المراسلات الحربية أو السلمية بين الشعوب المختلفة.

وبعد مرور الصحافة بتطورات عدةٍ وأشكالٍ صبغت عليها ألوان العصور المتنوعة، وصلت في يومنا الحالي بهيئتها الأحدث وزيها التكنولوجي الرقمي؛ ليصبح كل فردٍ في المجتمع صحفياً يمارس العمل من خلال هاتفه المحمول الذي ينقل الحدث لحظة وقوعه بالصوت والصورة، ويصل صداه أرجاء المعمورة، ويجعل من قريةٍ نائيةٍ في غابات إفريقيا مادةً دسمة تنفرد بها صحافة آسيا، أو صفحةً متخصصةً في إعلام أوروبا؛ لتصبح الصحافة مهنةً عالميةً لا يمكن حصرها في أروقة المؤسسات الإعلامية، ولا تخص فئةً من المختصين دون غيرهم؛ حيث يستطيع مزاولتها كلُّ مَن تمتع بحسٍ إخباري وموهبةٍ في نقل الحدث.

لكن افتقار بعض العاملين في المؤسسات الإعلامية الكبرى إلى النزاهة في نقل الخبر، وبُعدهم عن الموضوعية أثناء عملهم، وحرصهم الدؤوب على إرضاء المصالح السياسية والاقتصادية قبل مصلحة الإنسان، جعل من الإعلام ملعباً ملوثاً تديره قوى متصارعة فيما بينها بعيداً عن الإنسانية والشفافية؛ ليتحول العامة إلى كرةٍ بين فرقٍ متناحرة، كُل يريد الفوز بها دون الاهتمام بإرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها واختيار ما يناسبها ويحقق كرامتها.
الصحافة مهنة إنسانية يعيقُ طريقها أصحاب النفوس القذرة والمسيسة من قبل الحكومات والمصالح الشخصية، ولو تمتع العالم بصحافةٍ نزيهة تنصر الحق وتمحق الباطل، لما عانت بلدان العالم الأخير في فسادها ودمارها.

والحرية مفهومُ سامٍ راح ضحيته ملايين الأبرياء تحت الأنقاض وفي جوف البحار وداخل الزنزانات وخارج البلاد، ولو علمت "الحرية" مقدار الدماء والألم الذي سُكب لنيلها، لما أبقت على وجه البسيطة حاكماً مستبداً ولا سلطاناً طاغياً.

وإذا كانت الصحافة النزيهة جريمةً يحاسبك عليها أسياد المال والقوة، فيا مرحباً بتلك التهمة عندما تكون الغاية الأساسية تحرير الكلمة من العبودية، ومنحها حريتها بعيداً عن أروقة المخابرات والأمن والرعب.

الرحمة لشهداء الكلمة والموقف، والحرية لأرواحنا من القيود والطغاة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد