تنبيه: المغرب عاد إلى إفريقيا.. وأيضاً بريطانيا العظمى في طريق العودة

وفي هذا الصدد ونحن نتحدث عن الكومنويلث البريطاني وعن الرغبة الواضحة حالياً من قِبَل المملكة المتحدة لإخراجها من حالة البطء في الاندماج والتقدم إلى الأمام عالمياً، ينبغي أن نستحضر عدة عناصر لها ارتباط وتماس مع مصالح المغرب بشكل مباشر أو غير مباشر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/22 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/22 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

عاد المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وقبل العودة توفق في تمتين علاقاته مع دول القارة عبر نسج شراكات اقتصادية وسياسية مهمة، أعطته مصداقية وأكسبته ثقة كبيرة ينبغي الحفاظ عليها واستثمارها بذكاء، خدمة لقضاياه الأولى بالتوازي مع صيانة حقوق باقي الشركاء الأفارقة لمزيد من التعاون والتقدم.

لا داعي للتذكير بأن إفريقيا قارة غنية على جميع المستويات، ولها من الإمكانيات والمؤهلات ما يجعلها قوة عالمية بين باقي القارات، وفي نفس الآن يضعها تحت ضغط الأطماع والتدخلات والأجنبية المختلفة، بل وتجعل منها أيضاً ساحة لصراع المصالح بين القوى العظمى، وهي أصلاً تعيش نوعاً من الانقسام بين عدة انتماءات ثقافية ولغوية واقتصادية بفعل تركة الاستعمار الغربي.

هذه التركة التي تتجسد بشكل ملموس بين توجه فرانكفوني تابع لفرنسا التي تعمل دائماً على توجيهه، أو لنقُل، على الأقل للاتفاق معه على ضمان مصالحها، وبين كتلة أنجلوساكسونية قوية منضوية تحت التاج البريطاني في شخص المملكة المتحدة داخل منظمة الكومنولث commonwealth، التي تم الإعلان عن تأسيسها بشكل رسمي سنة 1949 بعد مشاورات ولقاءات لسنوات، بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة، وعلى ما يبدو فإنها تتجه حالياً نحو إدماج دول لم تكن من مستعمراتها، كرواندا المستعمرة البلجيكية السابقة التي انضمت إليها سنة 2009، كرسالة موجهة بشكل مباشر إلى فرنسا، وأيضا موزمبيق، المستعمرة البرتغالية السابقة، التي انضمت إلى الكومنولث سنة 1995.

دول أخرى ذات توجه فرانكفوني عبرت بشكل رسمي عن رغبتها للانضمام للمنظمة، كالجزائر مثلاً، هذا إلى جانب ازدياد طلبات الانخراط مؤخراً في المنظمة، طلبات من داخل القارة الإفريقية كطلبات غامبيا وجنوب السودان.

هناك أيضاً تحرك بريطاني هادئ ودون ضوضاء، لضم دول إفريقية أخرى كالتوغو التي زارها مؤخراً توني بلير، الوزير الأول البريطاني السابق على رأس وفد مهم وتباحث مع رئيس الدولة هناك حول إمكانية تعزيز صفوف الدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة بدولة التوغو.

من جانب آخر يعبر كبار المسؤولين داخل الكومنولث عن رغبتهم في فتح فروع لها في أوروبا الاسكندنافية، وفي الولايات المتحدة الأميركية، التي يراهنون على انضمامها في عهد الرئيس دونالد ترامب.

تضم مجموعة الكومنولث حالياً 52 دولة، من بينها دول قوية مثل كندا وأستراليا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والهند وباكستان وغيرها، في غياب تام من بين أعضائها لأي مستعمرة بريطانية سابقة من المنطقة العربية.

تهتم المنظمة بنشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتبادل الخبرات في مختلف المجالات، ولأجل ذلك تعقد لقاءات رسمية منتظمة للبحث في سبل التعاون، خصوصاً بعد إحداث صندوق للتعاون التقني بين دول المنظمة.

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصبحت الكومنويلث أولوية كبيرة في السياسة الخارجية البريطانية، تهدف إلى استثمارها في الجانب الاقتصادي مع إمكانية تطويرها في الجانب السياسي؛ لتصبح تكتلاً دولياً قوياً موحداً ومندمجاً.

مؤخراً بعد البريكسيت، وخلال اجتماع لوزراء تجارة الدول الأعضاء في المنظمة في لندن، تم الاتفاق على وضع مقترحات وقواعد عملية في الأفق المنظور، قصد توسيع مجال التعاون التجاري بين دولها بهدف تحقيق اندماج وتكامل اقتصادي قوي يعود بالنفع على جميع الدول الأعضاء.

وفي هذا الصدد ونحن نتحدث عن الكومنويلث البريطاني وعن الرغبة الواضحة حالياً من قِبَل المملكة المتحدة لإخراجها من حالة البطء في الاندماج والتقدم إلى الأمام عالمياً، ينبغي أن نستحضر عدة عناصر لها ارتباط وتماس مع مصالح المغرب بشكل مباشر أو غير مباشر.

بداية ضعف المبادلات التجارية والاستثمارات المباشرة بين المغرب ورأس الكومنويلث، المملكة المتحدة أو بريطانيا كما هو شائع، والتي لا ترقى إلى مستوى الاستثمارات الفرنسية والإسبانية أو الأميركية والألمانية والسويسرية أيضاً، ناهيك عن استثمارات الصين، هذا الضعف قد يدفع المسؤولين البريطانيين إلى إعطاء الأولوية إلى الدول الإفريقية التي تربطها معها علاقات اقتصادية وثقافية متينة، الشيء الذي قد يكون له انعكاس غير إيجابي على مستوى العلاقات السياسية، آخذين في الاعتبار قوتها العسكرية وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وفرضية لعبها دوراً في خلق توازن أممي فيما يتعلق بالقضية الوطنية، الشيء الذي يمكن استخلاصه من خلال ملاحظاتها مؤخراً على الصيغة الأولية لقرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء المغربية، معتبرة إياه غير متوازن، مما أفضى إلى تعديله وتبني الصيغة المعروفة.

بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي تبحث عن تدعيم مصالحها وتعويض ما قد تخسره من أوروبا في أسواق جديدة أكثر قوة وأكثر نفعاً وانصياعاً لها.

من جهة أخرى، تعمل المملكة المتحدة على استثمار علاقاتها داخل الكومنولث مع الدول الإفريقية الأعضاء للتوسع في الشراكات الاقتصادية، التي قد تكون مناقضة ومنافسة لمصالح المغرب وفرنسا التي لا تتمتع بنفس السمعة والمكانة الرمزية للتاج البريطاني داخل القارة.

عودة بريطانيا إلى القارة الإفريقية عن طريق رابطة الشعوب البريطانية، أو ما يصطلح عليه بالكومنولث، والتي تسري في شبه هدوء إعلامي وتواصلي، في انتظار نتائج الانتخابات المقبلة خلال شهر يونيو/حزيران، قد يمس بمصالح المغرب، ويجعله أمام توازنات سياسية واقتصادية جديدة داخل القارة، في حالة إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بجدية وبالسرعة اللازمة، بعد وضع استراتيجية استباقية محكمة وقادرة على إدارة كتلة تناقضات المصالح، وعلى تجنيب المملكة الدخول في متاهات الصراع البريطاني الأوروبي والفرنسي على وجه التحديد.

التعامل مع الكومنويلث من الجانب المغربي يقتضي بداية تدعيم العلاقات مع بريطانيا، وتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، مع التفكير بجدية في خلق اتفاق ثنائي للتبادل الحر، ثم التفكير في خطوات أكثر جرأة وشجاعة، كبحث مسألة طلب الانضمام إلى الكومنولث البريطاني.

هذه الرغبة قد تصطدم ببعض العراقيل النفسية والثقافية المرتبطة بطبيعة النظام السياسي المغربي، الذي هو نظام ملكي يجسد إمارة المؤمنين، وذو طابع إسلامي، الشيء الذي قد يجعل من وجوده داخل منظمة دولية تحت رئاسة مملكة أخرى، ذات أصول مسيحية غربية، مختلفة معه من حيث الهوية وعدد من القيم الثقافية والحقوقية، مسألة غير مستساغة وأيضاً مغضبة لفرنسا.

ومع ذلك، فإنه من منظور براغماتي، يمكن في البداية، على الأقل، طلب صفة عضو مراقب وإبرام شراكات وعقود ذات بعد اقتصادي قوي، في انتظار تطور العلاقات مع الزمن لتهيئة الظروف والشروط الملائمة واكتساب مزيد من الثقة، ثم بعد ذلك النظر في إمكانية الانضمام التام.

هذا الانضمام سيبني للمغرب جسوراً جديدة مع قارات العالم عبر هذه المنظمة، وسيقوي مكانته على الساحة الدولية على مستوى الأسواق الاقتصادية الجديدة، هذا إلى جانب اكتساب ثقافة أنجلوساكسونية تدبيرية غنية، كما سيمكنه من استثمار هذا الفضاء الدولي الكبير لصالح القضية الوطنية، وتحديداً داخل القارة مع الدول الأنجلوساكسونية، بالإضافة إلى خروجه من دائرة الضغوط الصادرة عن الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالشراكات الاقتصادية، وعلى رأسها الجانب الفلاحي، واستيراد الفوسفات.

خلاصة القول: إن أي تأخير في التفكير في الوضع الدولي لبريطانيا حالياً، كفاعل حر يبحث عن وجود عالمي قوي، وفي تقييم حقيقي وواقعي لنفوذها الملموس والمفترض داخل القارة الأفريقية من خلال رغبتها الواضحة والقوية، التي أصبحت واضحة وضوح الشمس في الأشهر الأخيرة في تعزيز وتطوير الكومنويلث وتحويله إلى قوة اقتصادية مندمجة في الأفق القريب مع ما يرافق ذلك من تنسيق سياسي على المستوى الدولي والقاري مع الشركاء الدول الأعضاء، سيضع المغرب من جديد في وضع صراع جديد من أجل صيانة مصالحه السياسية والاقتصادية، خصوصاً أن الجزائر حالياً مأزومة اقتصادياً ومعطوبة على مستوى النخب السياسية، قد تصبح نداً قوياً للمملكة من داخل الكومنولث، في حال تمت الموافقة على انضمامها لها على المدى المتوسط.

بريطانيا تفكر في توسيع الكومنويلث وفق منظور اقتصادي تحكمه الرغبة في استعادة الأمجاد والقوة الدولية المؤثرة، وهي بصدد وضع الخطط والقواعد الجديدة لضم قوى جديدة، خصوصاً في أوروبا الشمالية وأميركا الشمالية، مع حرصها على تعزيز وجودها في إفريقيا، كما تعتزم إعطاء هوية جديدة للكومنولث، وإخراجه من زمن الرمزية إلى زمن الفعل الحقيقي؛ لذلك لا ينبغي أن تمر هذه الإشارات الرمزية مرور الكرام على المغرب، بل يتعين تفكيك شفراتها، بغية استباق النتائج وبغية خلق موقع له على الخريطة التي تسعى بريطانيا العظمى لرسمها في إفريقيا من جديد، في حلقة جديدة من الصراع الدولي بينها وبين فرنسا تحديداً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد