من الواجب النظر إلى الفترة السابقة -بدءاً من يناير/كانون الثاني 2011 إلى الآن- على أنها وحدة متكاملة لا يجوز فصل أي فترة مرحلية عن أخرى إلا بغرض التحليل، فعند النظر إليها ككتلة واحدة يظهر مدى ارتباط الأخطاء ببعضها.. تلك التي أوصلتنا إلى اللحظة الراهنة، فلا يجوز اقتطاع حدث من سياقه التاريخي والاحتجاج به دون النظر إلى مسبباته ونتائجه.
(1)
خلال الفترة السابقة تعددت الأخطاء وتعدد مرتكبوها، إن شئت أن نعدد بعض محطات الأخطاء الكبرى حسناً فلنفعل: (استفتاء مارس/آذار 2011- عدم الالتحام بالجماهير في أحداث محمد محمود 2011- الأحداث المصاحبة لأول اجتماع لمجلس الشعب المنتخب يناير/كانون الثاني 2012- عدم الاتفاق على مرشح رئاسي واحد يمثل الثورة في انتخابات الرئاسة 2012- أحداث جمعة كشف الحساب أكتوبر/تشرين الأول 2012- كل المشاركين في أحداث الاتحادية ديسمبر/كانون الأول 2012- دستور 2012 -أحداث المقطم "المشاركون والداعون لها"- التنسيق مع تمرد وبالتالي التنسيق مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية 2013- الدعوة والنزول لـ 30/6 -تأييد 3/7 -التفويض -دستور 2014 -انتخابات رئاسة 2014 -انتخابات برلمانية 2015)..
ثم ابحث بعقلك مسترشداً بالوقائع عمن كان السبب في تلك الأحداث وما الذي ترتب عليه مع عدم إغفال الترتيبات والمواءمات التي تصاحب كل حدث، لتجد أن الجميع -كل القوى السياسية بما فيها القوى الشبابية- كانوا مشاركين وكانوا مخطئين.
إن مَن ينكر أحد الأخطاء السابقة وغيرها أو يدعي أنها لم تكن خطأ بالأساس فهو كمن يزور التاريخ ويُحول الجميع إلى شماعات ليعلق عليها أخطاءه، بل ويريد أن يمحو العيب عن نفسه ويبرئها من تحمل تبعات ما حدث وأدى بنا إلى الوضع الحالي.
(2)
وإن جعلنا فوز مرسي بالرئاسة نقطة فصل تحليلية تقسم المرحلة السابقة إلى فترتين (من يناير/كانون الثاني 2011 إلى 29/6 – من 30/6 إلى تنصيب قائد الانقلاب رئيسا) نجد أن بطل الأخطاء في الفترة الأولى هم الإخوان (أو بالأحرى قيادات الإخوان)، وبطل الفترة الثانية النخب والأحزاب وإعلاميون ورجال أعمال بمشاركة من القوى الشبابية، ثم استفرد العسكر بالسلطة بمعاونة بائعي ضمائرهم.
إن من وصل للسلطة يعتقد أن الكل تآمر عليه، حسناً.. ماذا فعلتَ بالسلطة حينما كنتَ بها؟
أصحاب 30/6 يرون في أنفسهم الحق المطلق، حسناً.. ما هي نتائج 30/6؟ وما هو دوركم بعد ثورتكم المظفرة؟ متى تحركتم؟ وبماذا طلبتم حينما طالكم العقاب ولم يرضكم انتهاك مناطقكم الخاصة التي كنتم تعتقدون أن سلطة الانقلاب لن تقترب منها؟
(3)
تظل مطالب الاعتذار مقبولة بل مفروضة على الجميع، القوي السياسية والأحزاب والنخب وحتى القوى الشبابية، اعتذار صريح وعلني وإلى الشعب أولاً.
ويجب التأكيد على تلك المطالب، ولكن ليس من قبيل المكايدات والتناحر بين القوى السياسية أو لمصادرة الحق لطرف دون آخر أو للتباهي السياسي والإعلامي.
بل من أجل توضيح الحقائق للشعب ولضمان عدم تكرار تلك الأخطاء أو مثيلاتها مجدداً في المستقبل، وكخطوة للتقارب بين قوى الثورة وإزالة الخلافات وإعادة بناء الثقة مرة أُخرى.
(4)
تظل أكبر المكايدات هي دعوات العدالة الانتقالية التي يطلقها المتزمتون والأعداء اللِّداد لثورة يناير، لأنها حق يراد به باطل، حق لأن العدالة مطلوبة والقصاص واجب، وباطل لأنهم يقصدون من ورائها محاسبة فصيل واحد فقط وتحميله مسؤولية كل الدماء التي أريقت.
الواقع والحق أن الدماء يتحمل مسئوليتها الكثير، أولهم كل من شغل السلطة في الفترة السابقة (المجلس العسكري وسلطة الانقلاب مروراً بالسلطة المدنية)
وليس آخرهم النخب المتواطئة، بل وبعض الشباب المتهور، والإعلاميون المحرضون، والممولون من رجال الأعمال وأصحاب المصالح، والأجهزة الأمنية، والقائمة تطول.
هنا تبرز تناقضية قبول القتل من مؤسسات الدولة (رغم أنه ظلم بَيّن وإرهاب حقيقي للمواطنين) ورفضه من غيرها.
ولأنه من غير المقبول أن نطلق دعوات العدالة الانتقالية، قاصدين بها فصيلا واحدا فقط، ولا نجرؤ على المطالبة بتطبيقها على الممسكين بزمام السلطة الآن، فلا يمكن قبول تحول مؤسسات الدولة إلى ميليشيات تمارس القتل على المشاع وبشكل مُمَنهج.
على أصحاب مثل هذه الدعوات إعلان نواياهم بدون مواربة وعليهم تفسير تلك التناقضية، وعلى كل من يطالب بالعدالة الانتقالية أن يوضح ماذا يقصد بها ومن يستحق أن تُطبق عليه.
(5)
ولأن من جمعتهم الثورة ما كان لهم أن تفرقهم السياسية، فعلى الجميع البحث عن مخارج لإزالة الحرج والسعي لقبول الطرف الآخر، لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، والوقوف معاً ضد السلطة الانقلابية هو طوق النجاة للجميع.
نحن في أَمس الحاجة إلى إعادة تعريف النضال والعمل من أجله؛ لأنها حياة شعب، ووطن يحتاج لمن ينقذه.
وبالأخير علينا أن نذكر أن التنازل للشركاء السياسيين أفضل من التنازل للسلطة العسكرية، وأن نؤكد على ما أثبته الزمن: "ثورة بلا إخوان لا تنجح.. ثورة إخوان لا تنجح".
ولأن المستقبل أهم من الماضي، فسواء وُجد اصطفاف (وإعادة التشابك الثوري مرة أخرى) خصوصاً في وضعنا الذي نمر فيه بفترة حكم قامع غير مَسبوق أم لم يُوجد، فالأمر يعتمد على القوى السياسية الموجودة في تلك الفترة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.