اليونان تراوغ: لا للانقلاب.. نعم للانقلابيين

فبعد الموقف التضامني اليوناني مع الحكومة التركية الشرعية، الذي عبر عنه رئيس الوزراء اليوناني "ألكسيس تسيبراس" في بيان خاص بقوله: "إن الحكومة والشعب اليونانيين يراقبان التطورات في تركيا عن كثب، ويدعمان الديمقراطية والنظام الدستوري"، ورفض السلطات اليونانية طلب اللجوء الذي تقدم به الجنود الانقلابيون الثمانية الفارون من تركي

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/04 الساعة 02:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/04 الساعة 02:15 بتوقيت غرينتش

الخلاف التركي – اليوناني من أقدم الخلافات بالمنطقة، بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية ودخول الدولتين في حرب طاحنة من سنة 1919 حتى 1922، الحرب المعروفة باسم الحرب في آسيا الصغرى، أو الحملة اليونانية في حرب الاستقلال التركية أو نكبة آسيا الصغرى، والتي انتهت بانسحاب اليونان من كل الأراضي التركية التي احتلتها، واعترافها بقيام الجمهورية تركية.

تركيا واليونان وحالة الاستقرار منذ 1999
وبعد استسلام ساسة اليونان في محاولتهم المستمرة لزعزعة استقرار تركيا عبر الدعم اللامحدود لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، إثر اعتقال زعيم المنظمة عبد الله أوغلان، ومبادرة حزب الاشتراكي اليوناني "البازوك" في محاولته الدفع بالعلاقات التركية – اليونانية إلى مزيد من التعاون، وسعيه قادته لتجاوز الخلافات المعقدة والملفات التي تؤثر على العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين.

وبسبب السياسة المعتدلة من الجانبين، سواء من الساسة الأتراك ونظرائهم اليونانيين، واعتماد اللغة التصالحية المتسامحة من طرفين، عاشت العلاقات التركية – اليونانية مرحلة من الاستقرار -منذ تولي العدالة والتنمية الحكم- والنجاح في تطوير العلاقات الاقتصادية، وتنفيذ عدة مشاريع كبرى خدمت مصلحة الشعبين الحالين.

كما ساعدت سياسة "صفر مشكلات مع الجيران" التي انتهجتها الخارجية التركية، على استمرار هذا الاستقرار لأكثر من 15 سنة، واعتبرت سياسة ناجحة بشكل كبير مع الجارة الغربية "اليونان"، وكان من ثمارها وعداً يونانياً بإنشاء مسجد كبير بالعاصمة أثينا، استجابة للطلب المتكرر من القادة الأتراك، وتلبية للمناشدات المتواصلة من مسلمي اليونان.

لكن رفض المحكمة العليا باليونان إعادة 8 عسكريين أتراك إلى أنقرة، شاركوا بمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي جرت منتصف يوليو / تموز 2016، قد يكون شرارة لتوتر العلاقات التركية – اليونانية بعد مرحلة الاستقرار الطويلة هذه.

تناقض اليونان تجاه الانقلاب والانقلابيين

فبعد الموقف التضامني اليوناني مع الحكومة التركية الشرعية، الذي عبر عنه رئيس الوزراء اليوناني "ألكسيس تسيبراس" في بيان خاص بقوله: "إن الحكومة والشعب اليونانيين يراقبان التطورات في تركيا عن كثب، ويدعمان الديمقراطية والنظام الدستوري"، ورفض السلطات اليونانية طلب اللجوء الذي تقدم به الجنود الانقلابيون الثمانية الفارون من تركيا، كأن الحكومة اليونانية تتراجع عن تضامنها هذا، ووقوفها مع الحكومة الشرعية والإرادة الشعبية الرافضة للانقلاب والانقلابيين، بعدم تسليمها بعض المتورطين في هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة.

فقد أعرب وزير الدفاع التركي "فكري إشيق" عن خيبة أمل بلاده تجاه قرار القضاء اليوناني عدم تسليم تركيا العسكريين الفارين إلى اليونان، عقب تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة، قائلاً: "إن قرار المحكمة اليونانية العليا مخيب للآمال، وأقولها بصراحة: إن هذا القرار ليس قضائياً، بل هو قرار سياسي، وإن اليونان بقرارها هذا تؤكد أنها تتبع أسلوباً خاطئاً في محاربة الإرهاب" وكالة الأناضول.

قضايا عدة عالقة بين البلدين تمنع الوصول بالعلاقات إلى التعاون الاستراتيجي، الذي يخدم مصلحة الدولتين اللتين يجمع بينهما التاريخ والجغرافيا، فقضية جزيرة قبرص، وتنازع السيادة على جزر بحر إيجة وترسيم الحدود المائية، ملفات عالقة بينهما تأخر حلها، ولا ينبغي إضافة ملف جديد إليها يُحيي التوتر ويجدد العداوة.

تركيا تهدد ثم تجدد طلبها

فهل بقرار القضاء اليوناني السالف ستتحول اليونان لمأوى للانقلابيين والإرهابيين -أعداء تركيا- بعد الولايات المتحدة وألمانيا؟
قرار السلطات اليونانية عدم إرجاع الانقلابيين إلى تركيا يوحي بهذا الأمر، وخصوصاً أن بعض وسائل الإعلام اليونانية نظرت للقرار القضاء اليوناني من الجانب الحقوقي والإنساني، وبالتالي فإن تسليم هؤلاء الجنود لتركيا في نظرهم هو أشبه بالحكم عليهم بالإعدام.
هذا الذي رد عليه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بقوله: "نعم يجب خضوع الانقلابيين الفارين إلى اليونان لمحاكمة عادلة؛ لذا يجب إعادتهم إلى مكان وقوع الجريمة (تركيا)؛ ليتسنى لهم المحاكمة العادلة".

وغلبت اللغة التهديدية على تصريح وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" لوسائل الإعلام التركية، قائلاً: "تركيا ستتخذ خطوات لازمة ضد اليونان، بما فيها إلغاء اتفاق إعادة قبول المهاجرين بعد قرار المحكمة اليونانية العليا، هؤلاء الخونة الثمانية استهدفوا رئيس جمهوريتنا، ونعتقد أن هذا القرار ليس قانونياً، انظروا إلى أي دستور أو قانون، فليس فيه أي شيء من قبيل حماية الإرهابيين والانقلابيين والخونة.. لا ننظر بإيجابية إلى دول تحمي إرهابيين وانقلابيين وخونة، وينبغي على اليونان أن تعلم ذلك" (الأناضول).

تركيا تصر على استرجاع الانقلابيين الهاربين إلى اليونان، فقد أرسلت وزارة العدل التركية إلى السلطات اليونانية طلباً جديداً لإعادتهم إلى تركيا.

فهل ستتجاوب السلطات اليونانية مع الطلب الجديد، وتمنع نشوب توتر جديد مع تركيا، خاصة أن اليونان تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية خطيرة، مع احتمال إعلان إفلاسها في حالة عدم إتمام مفاوضاتها مع البلدان الدائنة، كما تحتاج حزمة إنقاذ رابعة، وإمكانية عدم موافقة دول الاتحاد الأوروبي على برنامج حزمة الإنقاذ هذه، مما يعني عدم استطاعة تأمين قرض ينقذ اليونان من مواجهة الإفلاس الذي سيكون كارثياً على الشعب اليوناني واقتصاده؟
سيكون الجواب من أخبار الغد، وإِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد