ممكن أحكِي لك حكاية؟

في داخلي حكاية خفية، ما زلت لا أستطيع أن أقصها على أحد، كانت تدور بخلدي وفي الخلفية كانت أم كلثوم تردد: "ياما حليت لك آهات قلبي.. وهي من قساوتك، انت والأيام عليا"، أعدت تشغيل المقطع؛ لتسمعه صديقتي التي لا تحب أم كلثوم، ووجدتها تلقائياً تقول: "الله.. بتدِب في القلب".

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش

كانت تحدثني عن الصداقة، ورغبتها في صديقة تشد من أزرها، قاطعتُها قائلةً: ممكن أحكِي لكِ حكاية؟
لمَّا تاب الله على كعب بن مالك -بعد أن خُلِّف عن تابوك- ذهب إلى المسجد متهللاً، فقام إليه طلحة بن عبيدالله مهرولاً واحتضنه، ولم يقم أحدٌ من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة.

* ممكن أحكِي لكِ حكاية أخرى؟
حين تخلف عثمان بن عفان عن بيعة الرضوان، وضع النبي يده اليمنى على اليُسرى، وقال: وهذه يد عثمان.. ابتسمَت وابتسمت.

مرت الأيام، وكنا في طريقنا، هي إلى بيتها، وأنا إلى سَكَن الطلبة، حين هاتفها والدها وأخبرها أن جدتها مريضة، بكت وقالت: أنا مش عايزة "تيتا" تسيبني.. بكيت لبُكائها واحتضنتها، حين وصلت السَّكَن، وصلتني رسالة على الهاتف: "لا أنساها لكِ..".

"2"
"أنا وحيدة يا بدر"، قالتها لي وهي في أسوأ حالاتها، وصديقتي تلك لا تستطيع البُكاء، لكنها بَكت، كان الأمر شديداً، قلت لها: مُمكن أحكِي لكِ حكاية؟ حين سار النبي بالجيش إلى تبوك، تأخر أبو ذر الغفاري، أبطأتهُ بعيره، فحمل متاعه ولحق بالجيش ماشياً وحده. نزل الجيش بأحد المنازل، فرأى رجل منهم شبحاً قادماً من بعيد، فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق. فقال النبي: كُن أبا ذر.. حين تأمله القوم وجدوه حقاً أبا ذر، فقال النبي: "رَحِم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.."، ولمَّا مات أبو ذر، لم تَجد امرأته مَن يُصلي عليه، غسلته وكفنته هي وغلامه، ووضعته على الطريق -كما أوصى- حتى مر بالمصادفة قوم من أصحابه، كان منهم ابن مسعود، فبكى، وقال: صدق رسول الله، رحم الله أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده.

حكيت الحكاية وانصرف ذهني عن صاحبتي، وأنا أردد: رحم الله أبا ذر، كيف استطاع أن يمشي وحده! في ذكرى يوم مولدي الماضي، كنت في مدينة أخرى بعيداً عن بيتي، ولما انتصف الليل بكيت وحدتي، أحضرت دفتري لأوثق هذه اللحظات البائسة، وحين فتحته وجدت رسالة كتبتها لنفسي دون قصد: "على درب أبي ذر.. وحيدة. رَحِم الله أبا ذر، كيف استطاع أن يمشي وحده!".

"3"
زميل لي كان قد ترك حبيبته، ساءت حالته ولا يستطيع التركيز في عمله، قلت له: ممكن أحكِي لك حكاية؟
أحد معارفي كان يحب زميلته في الجامعة، واجهتهما عثرات عديدة، لم يَعُد الأمر يحتمل أكثر، ولا بد من قرار، اتفقا على أن يلتقيا غداً أما باب حديقة الحيوانات في حالة ما إذا كانا وصلا إلى قرار الزواج، ذهب صاحبنا وانتظر، وانتظر.. لم تأتِ، فهم الرسالة، مرت السنوات، تزوج، وأنجب من الأبناء ثلاثة، وفي أحد المؤتمرات، رآها.. إنها هي..
* انتظرتكِ..
– وأنا انتظرتُك.
* كيف؟
– كنت أمام البوابة الرئيسية.
* يا إلهي! للحديقة بابان، انتظرتك عند الباب الآخر.
* القسمة والنصيب!
– القسمة والنصيب.
حكيت لزميلي الحكاية، وابتسمت، مر شهر، شهران، سنة، وكنت في إجازة من العمل، حين أرسل لي صورته مع حبيبته يرتديان "دبل الخطوبة"، وقال لي: "القسمة والنصيب".

"4"

في داخلي حكاية خفية، ما زلت لا أستطيع أن أقصها على أحد، كانت تدور بخلدي وفي الخلفية كانت أم كلثوم تردد: "ياما حليت لك آهات قلبي.. وهي من قساوتك، انت والأيام عليا"، أعدت تشغيل المقطع؛ لتسمعه صديقتي التي لا تحب أم كلثوم، ووجدتها تلقائياً تقول: "الله.. بتدِب في القلب".

كنت أجلس مع والدي في جلسة صفاء، نسمع حفلة "الست"، وتصادف أن كانت نفس الأغنية.
"ياما حليت لك آهات قلبي، وهي من قساوتك، إنت والأيام عليا..".
قلت له: "بتدِب في القلب يا والدي"، كنت أنظر له وأردد بيني وبيني: ممكن أحكِي لك حكاية؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد