ديمقراطية سوق هرج

إن سوء تطبيق الديمقراطية في العراق، والتلاعب بأصوات الناخبين قد شوّها المفهوم الديمقراطي عند الفرد العراقي، وقد كان نموذجاً سيئاً للديمقراطية في الوطن العربي، وفي العالم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/08 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/08 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش

قد يتساءل المرء لماذا حصلت كل هذه الفوضى في الحياة السياسية والمجتمع في العراق؟ ولماذا كل هذا الهرج والمرج في مجلس النواب؟ حتى دب الخراب في كل ركن من أركان الدولة، هل نحن شعب متخلف إلى درجة أننا لا نستطيع أن نحكم أنفسنا بالشكل الديمقراطي المتمدن؟

رغم أن كثيراً من الناس بسطاء وأميون، فإنني أعتقد أن الشعب يستحق الحياة السياسية اللائقة به، خصوصاً أن له تجارب ديمقراطية قديمة، كما أعتقد أن السبب وراء كل هذا التهريج والفلتان يعود إلى بعض الطائفيين والعنصريين من الشيعة والسنة والكرد الذين شكلوا أحزاباً وتكتلات باسم الديمقراطية لابتزاز المواطنين ونهب الدولة.

وأساس وجود هؤلاء الساسة الطفيليين الذين لا يملكون أي خبرة في العمل السياسي أو الإداري يعود إلى بدايات الاحتلال، وتنصيب بريمر حاكماً مدنياً في العراق، ويبدو أنه كان مقرراً تطبيق نموذج شكلي من الديمقراطية في العراق لتبرير الاحتلال لهذا البلد العريق، ومن هذا المنطلق تم تأسيس مجلس حكم يضم عناصر دينية شيعية وسنية وكردية من ذوي الفكر المتخلف أو الشوفيني.

هذا كان أساس التجربة الديمقراطية في العراق، وعندما تخطط للأساس فإن شكل البناء سيكون على وفق ما هو مخطط له، وبذلك فإن العملية السياسية استمرت بنفس النهج الذي سار عليه مجلس الحكم، حتى وصلنا إلى مجلس النواب الحالي الذي يضم مجموعة من الأشخاص أصحاب أجندات خارجية غير وطنية، أو من الوصوليين الانتهازيين، تم تقديمهم على اعتبار أنهم ممثلة الشعب.

ونستثني من ذلك البعض من لا حول ولا قوة لهم والمطمئنين على الامتيازات الممنوحة لهم مقابل سكوتهم عن المهازل والمؤامرات التي تحاك في المجلس، مع استمرار الابتزاز والمزايدات من خلال استجواب الوزراء وإقالة البعض منهم حسب الأهواء والمصالح مع إبقاء الفاسدين في السلطة، كل حسب الجهة التي تحميه، مثلما حصل في استجواب وزيرة الصحة مؤخراً.

ولم يكتفِ مجلس النواب بذلك بل إن المهاترات والمزايدات بينهم بقيت مستمرة، وكل يوم يخرج علينا نائب أو أكثر وهو ينهال بالسب والشتم على الكتل الأخرى لمخالفتهم له في مهرجانات مسرحية ممجوجة، حتى امتد الخلاف إلى داخل الكتل والتحالفات الحاكمة، وهو خلاف بعيد كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن، بل هو خلاف للاستحواذ على سلطة أكبر وسلب أكثر للمال العام.

وقد انعكس كل هذا على مؤسسات الدولة، فصارت الوزارات والمناصب تباع وتشترى بملايين الدولارات.

ورب سائل يسأل: كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؟ وكيف حصل هؤلاء النواب على مقاعد في البرلمان وتسببوا في تخريب مرافق الدولة المختلفة؟

إن الجواب أسهل كثيراً من هذا السؤال؛ حيث إن القرارات والقوانين التي سنها الحاكم المدني ابتداء، ثم استكملها رئيس الوزراء السابق قد ضمنت فوز كتلته بعدد كبير من الأصوات، وذلك من خلال تزوير الانتخابات بطرق شتى، وما زالت نتائج الانتخابات الأخيرة المزورة تهيمن على مجلس النواب، وحتى على التحالف الوطني لحصول زعيم هذه الكتلة على نسبة كبيرة من الأصوات.

وقد تحقق له ذلك من خلال قرارات الاجتثاث، وكذلك استبعاد بعض المرشحين من قِبل القضاء المسيس، والتلاعب بصناديق الاقتراع بالتعاون مع المفوضية غير المستقلة للانتخابات.

وعلى هذا الأساس إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن، فإن مجلس النواب القادم سيكون على شاكلة هذا المجلس، بل أسوأ منه، وسنعود إلى ديكتاتورية الأغلبية المزورة لإرادة الشعب.

إننا إذا أردنا تصحيح المسار الديمقراطي في العراق، وعدم تكرار التجربة القاسية السابقة، وما صاحبها من انقسامات وأزمات وحروب أهلية مستترة وعلنية، فيتوجب اتخاذ الخطوات التالية:

* إنهاء التحالفات والتكتلات المذهبية والقومية، والدخول بالانتخابات بقوائم على وفق مناهج عمل محددة، تضم كل طوائف الشعب العراقي؛ حيث أثبتت التجربة فشل التحالفات والتخندقات الطائفية في إدارة الدولة، وتسببت في انقسام المجتمع، وحرضت على الاقتتال الداخلي الذي ما زلنا نعاني منه.
* إعادة تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة تماماً عن الأحزاب الحاكمة، وحسبما ورد ذلك بنص صريح في الدستور.
* إعداد قانون جديد للانتخابات يضمن التعددية والنزاهة.
* تفعيل قانون الأحزاب وبالأخص ما يتعلق منه بميزانية وتمويل هذه الأحزاب.
* توفير الحصانة الكافية للقضاء، وإبعاد أي تأثير سياسي أو إداري عليها.
* إلغاء كل أشكال الاستبعاد والاستثناء من الترشح لأي سبب كان ومن أية جهة كانت.
* عدم السماح للمسلحين والميليشيات بالتواجد في مقرات المراكز الانتخابية.
* معاقبة أي مسؤول في الدولة يحاول التأثير على أصوات الناخبين، عن طريق منحهم عطايا أو وعوداً وهمية.
* ضمان حيادية هيئة الإعلام، وتوعية المواطنين بدل الإيحاء لهم بتوجه انتخابي خاص لأي مرشح أو كتلة أو حزب.

إن سوء تطبيق الديمقراطية في العراق، والتلاعب بأصوات الناخبين قد شوّها المفهوم الديمقراطي عند الفرد العراقي، وقد كان نموذجاً سيئاً للديمقراطية في الوطن العربي، وفي العالم.

إن على دول العالم المتمدن دراسة الظاهرة الديمقراطية في العراق وتقويمها، ومن ثم الإشراف على إجراءاتها ونزاهتها، كما أن الواجب الوطني يدعو كافة المثقفين والطبقة الواعية في المجتمع لنقد التجربة الديمقراطية نقداً بناء، وفضح كل أولئك الذين يحاولون حرفها أو التأثير على نزاهتها، لتفادي حصول كوارث أكثر مما شهدناه في المرحلة السابقة؛ لنكون أمة على قدر المسؤولية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد