فشل اليمين المتطرف المعادي للاجئين في فرنسا في الفوز بأي منطقة في انتخابات مجالس المناطق التي جرت الأحد 13 ديسمبر/ كانون الأول 2015، بعدما تكتلت ضده الأحزاب التقليدية لمنعه من ترجمة تقدمه التاريخي في الدورة الأولى إلى فوز غير مسبوق قبل 16 شهراً فقط من الانتخابات الرئاسية.
وشكلت هذه النتيجة نكسة كبرى لأبرز 3 شخصيات في حزب الجبهة الوطنية، بدءاً برئيسته مارين لوبن (47 عاماً) التي كانت الخاسر الأكبر في الشمال، وابنة شقيقتها ماريون ماريشال-لوبن (26 عاماً) التي هزمت في الجنوب وفلوريان فيليبو (34 عاماً) المخطط الاستراتيجي للحزب والذي خسر في الشرق.
وبحسب النتائج شبه النهائية فإن اليمين فاز بـ 7 مناطق بينها منطقة باريس التي انتزعها من أيدي الاشتراكيين منهياً بذلك احتكاراً يسارياً استمر 17 عاماً.
بالمقابل تمكن الحزب الاشتراكي الحاكم من أن يحد خسائره بفوزه بـ 5 مناطق من أصل مناطق البلاد ال13، في حين فاز القوميون في جزيرة كورسيكا المتوسطية محققين فوزاً تاريخياً غير مسبوق.
وأعلن وزير الدفاع الفرنسي جان-إيف لودريان الذي فاز برئاسة منطقة بريتانيا (غرب) أنه لن يتخلى عن الحقيبة الوزارية وسيشغل في آن معاً منصبي وزير ورئيس مجلس محلي.
لا تبعث الشعور بالانتصار
ورحب رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس بنتائج الانتخابات، محذراً في الوقت نفسه من أنها لا تبعث على "الارتياح أو الشعور بالانتصار، لأن خطر اليمين المتطرف لا يزال قائماً".
بدوره اعتبر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي زعيم المعارضة اليمينية أن هذه النتائج "يجب ألا تجعلنا تحت أي ذريعة ننسى ناقوس الخطر" الذي قرعته نتائج الدورة الأولى.
بالمقابل أكدت مارين لوبن أن "لا شيء سيتمكن من إيقافنا"، منددة بالنداءات التي دعت إلى صد تقدم حزبها وب"الانحرافات والمخاطر المتأتية من نظام يحتضر".
أما ابنة شقيقتها فقالت "هناك انتصارات يخجل منها المنتصرون".
ولكن رغم هذه الخسارة فإن الجبهة الوطنية حصل على جائزة ترضية في الدورة الثانية تمثلت بتحقيقه رقماً قياسياً في عدد الأصوات التي حازها على المستوى الوطني والتي فاقت تلك التي حصل عليها في الدورة الأولى.
وحصل اليمين المتطرف في الدورة الثانية على 28% من الاصوات (6,8 ملايين صوت) أي أكثر ب400 ألف صوت من النتيجة التي أحرزها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، رغم أن نسبة المشاركة يومها كانت أكبر ب20%.
وفي حين اعتبرت صحيفة ليبراسيون اليسارية في عددها الصادر الاثنين أن النصر الذي تحقق على اليمين المتطرف هو في الواقع "لا هزيمة" أقرب مما هو إلى نصر فعلي، معتبرة أن "ما حفز اليسار هو الخوف من اليمين المتطرف وليس الانصهار"، اعتبرت لوفيغارو اليمينية أن النتائج تفرض على خصوم الجبهة الوطنية "أن يبرهنوا أنهم على مستوى الثقة التي جددها بهم الشعب".
الجبهة الوطنية أمام طريق مسدود
وبحسب الخبير السياسي جان-إيف كامو فإن نتيجة الدورة الثانية "تؤكد وصول الجبهة الوطنية إلى طريق مسدود، فقد حقق الحزب نتيجة ممتازة في الدورة الأولى لكنه عاجز عن الذهاب أبعد".
وترجح معاهد استطلاعات الرأي بالنسبة لانتخابات العام 2017، أن تتصدر مارين لوبن الدورة الأولى وتتأهل إلى الدورة الثانية.
وأعيد ترسيم المناطق الفرنسية العام الماضي بخفض عددها من 21 إلى 13 ليصبح حجمها أقرب إلى حجم المناطق الألمانية وتصل موازنتها الإجمالية إلى 29 مليار يورو سنوياً. وهي الهيئات الوحيدة القادرة على مساعدة مؤسسات بشكل مباشر.
وخلال الدورة الأولى التي جرت في ديسمبر/ 6 كانون الأول الجاري سجل حزب الجبهة الوطنية نتائج غير مسبوقة على المستوى الوطني بلغت 28% من الأصوات كما تصدر النتائج في 6 مناطق من أصل 13.
وكانت الجبهة الوطنية تراهن لتحقيق فوز تاريخي في الدورة الثانية على عاملين هما رفض الأحزاب التقليدية غير القادرة على حل الأزمة الاقتصادية والخوف الناجم عن الاعتداءات التي نفذها جهاديون في باريس في نوفمبر/ 13 تشرين الثاني وأوقعت 130 قتيلاً.
ولكن نسبة المشاركة في الدورة الثانية أتت أعلى بكثير مما كانت عليه في الدورة الأولى (59% مقابل 50%)، في ارتفاع أشاد به زعماء اليمين واليسار على حد سواء واصفين إياه ب"الانتفاضة الجمهورية".
وفي الدورة الأولى حققت مارين لوبن وابنة شقيقتها ماريون ماريشال-لوبن في الشمال (شمال با دو كاليه/ بيكاردي) والجنوب الشرقي (بروفانس/آلب/كوت دازور) أفضل نتائج على الإطلاق تحصل عليها الجبهة الوطنية بحصول كل منهما على أكثر من 40% من الأصوات.
وحزب الجبهة الوطنية الرافض لأوروبا والمعارض لاستقبال مهاجرين يترأس حوالى 10 بلديات في فرنسا لكنه لم يحكم أي منطقة أبداً.
وتأسس حزب الجبهة الوطنية عام 1972 وترأسه منذ 2011 مارين لوبن التي نجحت في تقديم "صورة مختلفة" عن الحزب الذي ساهم والدها جان ماري لوبن في تأسيسه وعبر التخلي، على الأقل جزئياً، عن ناشطين معادين للسامية ولمثليي الجنس.
تصريحات معادية للسامية
وحتمت عملية إعادة تنظيم الحزب هذه عليها إبعاد والدها الذي كان يثير فضيحة تلو الأخرى بتصريحاته المعادية للسامية وهجماته على المهاجرين. ففي مطلع مايو /أيار 2015 وعلى إثر تصريحات جديدة معادية للسامية أطلقها جان ماري لوبن، وقعت القطيعة نهائياً بين الأب وابنته التي عمدت إلى إقصائه من الحزب خلال الصيف.
وقبل 16 شهراً من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية حيث تتقدم مارين لوبن نوايا التصويت، ستترك نتائج انتخابات المناطق آثاراً كبيرة على الاقتراع الرئاسي خصوصاً في صفوف اليمين الذي حقق في الدورة الأولى نتائج مخيبة للآمال (27%).
ونتائج الاقتراع قد تضر بطموحات الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (2007-2012) لعام 2017 الذي يواجه خصمين محنكين ورئيسي وزراء سابقين داخل معسكره هما آلان جوبيه وفرنسوا فيون.
ولم تنجح استراتيجيته التي تكمن في المنافسة مع الجبهة الوطنية إزاء المواضيع الرئيسية التي يراهن عليها اليمين المتطرف مثل الأمن والهجرة والهوية الوطنية، في منع توجه قسم من الناخبين اليمينيين المعتدلين إلى الجبهة الوطنية. كما تسببت هذه الاستراتيجية بانقسامات داخل كتلته.
وفي معسكر اليسار، يرى البعض أن "الجبهة الجمهورية" لمواجهة الجبهة الوطنية التي دعا إليها الحزب الاشتراكي، استراتيجية ترمي إلى تقديم الرئيس فرنسوا هولاند الذي تحسنت شعبيته بعد اعتداءات باريس، كأفضل مرشح لاستحقاق عام 2017.