كتب الصديق أيمن العبيدين يوماً منتقداً صورة التابعين في التاريخ الإسلامي، وأنهم "مجموعة من الفزعين البكائين المنتحبين الذين لا يتكلمون إلا حول كيف أن هذه الحياة بائسة حقيرة"، بالتوازي مع ذلك أراني مقتنعاً بأن حركة التطور والتنوير في المجتمعات الإسلامية توقفت فجأة كنتاج للظروف السياسية والعسكرية التي مرت بها المنطقة من غزو المغول والصليبيين -كما أوضح السيد وضاح خنفر في مقاله الأخير- الأمر الذي أدى لاجترار التاريخ ومواقفه منفصلاً عن سياقه، وتقديمه كحل أوحد لا شريك له.
مذ وعيت على الدنيا وعبارة "وينكم يا عرب" تتكرر من حين لآخر، حالة من العجز المتردي المسيطرة على شعوب المنطقة، وقناعات سياسية أوجدتها الحكومات مدعمة بأحداث تاريخية -كما قلت صدر المقال- وأخرى دينية -طبعاً- نطق بها شيوخ ومستشيخون قناعة وتملقاً.
لا يمكن أن تفهم سياسة النفَس القصير في هذه المنطقة، جاء نبي مبشر بدعوة عالمية، وما أن توفاه الله حتى رأيت الناكصين من كل حدب، مَن ارتد ومَن ادعى النبوة، ثم من تمعمع في الفتن في عصر عثمان وعلي، قبل أن "تفرط" بالمرة مع قدوم معاوية، وبالقفز إلى عصر الاستعمار، تجد انتفاضات وثورات وحركات تحرر وطني طردت المستعمر، ثم أبقت على سياساته ونظمه، ثورات عارمة اجتاحت المنطقة بعد أكثر من خمسين عاماً على ذلك، لكنها أطاحت بالرؤوس، وتركت الجذور.
حلب تقصف، ولا تكاد بقعة في هذا الفضاء العربي إلا وقصفت في يوم قريب، والشعوب هي الشعوب، بقلة حيلتها، واستسهالها للحلول، وقناعتها الساحقة بقلة الحيلة. وفي حين ظهر الإعلام الجديد بقوة منذ حوالي خمس سنوات، وعلت أصوات مستبشرة بما سيقتل حجج المواطن العربي الدافعة للتراخي، إلا وقد أضاف صبغته على كل ذلك، واختزله بممارسة العجز مجدداً، مع ما يتطلب الأمر من بكائيات ولطميات على العجز ذاته الذي اختار ممارسته.
لا يمكن غض البصر عن أن نسبة ضخمة من الأحداث يتحكم بها الساسة، لكن هذا نتاج لما كسبت أيدينا، فكل محاولات الانعتاق السياسية والفكرية والدينية رميت بالأحذية لتغرق في بحر الاستجرار.
الحلول -شئنا أم أبينا- لن تخرج عن شقين: طويلة المدى وقصيرة المدى، الأولى قضينا عليها ضاحكين، بقي منها طرف يحارب لأجل سوريا حرة ومنطقة حرة، مع ما شابه من شوائب ومصائب أكبر من طاقتنا عن تجنب الحديث عنها، والثانية قصيرة المدى، لكنها غير مباشرة، ونحن شعوب تعشق النتائج الآنية.
ناقشت أختي الصغيرة يوماً خلال إحدى النكصات، تحدثنا عن كيف أن رسماً خرج على دفتر خرابيشها يمكن أن يحفز عقل مدرستها الباطن على إقناع زوجها بالتبرع لمؤسسة إغاثة، يستلهم مديرها فكرة إنتاج فيلم سينمائي من عائلة سمع قصتها، إلى أن يصل الفيلم للأوسكار ويكون رأياً عاماً ضخماً يضغط على صناع القرار، واسبحي -يا أختي- في بحار خيالاتك.
مذ تحولت قنوات التواصل الاجتماعي لوسائل لبث الزفرات، وهي تكون حالة بائسة من الإحباط المركب، كفى لطماً ولوماً، ولنكن أصحاب مشاريع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.