اشتهر في مدينة القضارف، شرق السودان، شخص يُدعى "الفكي أبو نافورة"، وقصته ترجع إلى عام 1967، عندما ضرب الجفاف المدينة، واتجه أبناؤها إلى البحث عن المياه الجوفية، وبدأوا بحفر بئر ارتوازية، وكانت المفاجأة بعد أن حفر المهندسون عميقاً أن اندفعت المياه بضغط عالٍ إلى عنان السماء، ففروا خوفًا، إثر ذلك انتشرت إشاعة في البلاد وهي أن مفجِّر هذه البئر هو شيخ لُقب "الفكي أبو نافورة" وأشيع أن الماء المنبثق عنها يعالج كل داء، وتوافد الناس من جميع أنحاء السودان يطلبون التداوي من أمراضهم ومِنهم مَن يطلب الرزق ومِنهم مَن يطلب الزواج، كان ذلك في وقت انتشرت فيه الأمية وساد فيه الجهل.
أما اليوم، فالمتأمل في إعلانات بعض الفضائيات العربية يجد "الفكي أبو نافورة" وبئره، ولكن في صورة حديثة.
من السهل في التلفزيون أن تجد إعلانات لـ"أصحاب الطريقة النورانية الروحانية لعلاج السحر والمس وطرد الشياطين"، وأخرى لـ"رد المطلقة والهارب وتحويط الجن وفك المربوط وإسعاد العاجز وترحيل الأشرار والظالمين من المنازل ودفع الحسد وفك التابع وطرد القرين ورجوع الغائب". وإذا واصلت المشاهدة فستجد "علاج العجز الجنسي والعقم وغير ذلك".
أرقام الهاتف متوافرة ومتعددة على الشاشات، كما تتعدد جنسيات الشيوخ، فتجد الشيخ المغربي الذي يجلب الحبيب في عشر دقائق، والشيخ السوداني الذي يعالج من العجز الجنسي ويرد للمجنون عقله والشيخ الهندي الذي يفك السحر الأسود والسحر الأحمر والسحر الهندي وغيرهم، وظهرت نساء يكشفن ما قُدر لك في مستقبل أيامك، لم يبقَ لهؤلاء القوم إلا القول بأنهم يردون الروح للميت.
لكن في الحقيقة فليدعوا ويقولوا ما يشاءون، إن الخطأ هو خطأ المشاهد والمتابع لهذه القنوات أساساً، وخطأ الذين ذهبوا إلى تصديقهم والترويج لهم.
لكن قد لا يتحملون وحدهم كل الوزر؛ لأن انتشار ظاهرة أصحاب القوة الخارقة وأصحاب الضعف المهين إنما هي نتاج ما لدينا من حكومات تستثمر في التفاهة وتسوِّق للدجل والشعوذة، بعدما فشلت في إقامة تنمية حقيقية تعمل على تطوير الإنسان والسير إلى المستقبل.
إن برزت هذه الظاهرة في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، لالتمسنا لأبناء تلك الحقبة العذر؛ حيث كانت تسود الأمية والجهل، ولكن الآن مع انتشار العلم والعولمة وازدياد أعداد المتعلمين والمتخرجين من الجامعات، والذين نالوا أرفع الدرجات، ما عذر البعض وهم يركضون إلى شيخ متهالك في غرفة مظلمة معبأة بالبخور والسموم حتى ينال منه بعض أمل أو وعد بتغيير؟ ويبلغ العجب منتهاه عندما تجد أصحاب أعلى الشهادات العلمية وأرقى المناصب السياسية يزورون هؤلاء المشعوذين.
إنه بحق زمن الخواء وزمن الحكومات التي تقود أفرادها إلى الفراغ. والنفس البشرية إن لم نشغلها بالحق، انشغلت بالباطل، فلا تنمية ولا مشاريع ناجحة ولا أمل يلوح في الأفق يوعدنا بحل جميع مشاكلنا وقضايانا الملحَّة مثل البطالة والتدني الاقتصادي.
لا يمكن نفي أننا أمة تؤمن بأن للأنبياء معجزات أيدهم الله بها، لكن وجب النظر إليها في سياقها وأطرها، ولكن أن يخرج علينا في زماننا من يضعون أنفسهم موضع الأنبياء، وبعضهم ينسب لنفسه ما اختص به ربنا سبحانه وتعالى، فذلك ما لا يقبله عاقل، وإننا نطالب أساتذة وطلاب علم الاجتماع وعلم النفس بأن يدرسوا هذه الظاهرة لخطرها واستثمارها في الوهن الاجتماعي والضعف المجتمعي، إنها مخدر أشد فتكاً من المخدرات، وعلى الباحثين والعلماء أن يستنبطوا الحل قبل أن تنهار مجتمعاتنا، إن التغيير إذا لم نسعَ إليه لن يأتي، وإن الأمل إذا لم نصنعه فلن يولد من عدم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.