في الوقت الذي تتزايد فيه الضربات على مدينة حلب السورية على مدار أسبوع متواصل من قِبل طيران النظام السوري، يُثار التساؤل حول أهمية هذه المدينة بالنسبة للمعارضة السورية والنظام وحلفائهما على حدٍ سواء.
يمكن اعتبار محافظة حلب وريفها في الشمال السوري مركزاً لتجمّع معظم التشكيلات والقوى العسكرية المتقاتلة على الأرض السورية، إذ يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أجزائها الشرقية وصولاً إلى مدينة مارع والحدود التركية، بينما تسيطر القوات الكردية على الجزء الغربي انطلاقاً من عفرين وصولاً إلى مطار منغ العسكري وتل رفعت. في حين تسيطر قوات النظام وحزب الله والميليشيات الشيعية على أجزاء من الريف الشمالي انطلاقاً من السجن المركزي والمدينة الصناعية، وصولاً إلى نبل والزهراء.
ورغم أن الهدنة في سوريا ما زالت قائمة نظرياً، إلا أن الخروقات المتكررة لها تجعلها في مهب الريح عملياً، فاستئناف القتال شمال وغرب حلب، وفي "سهل الغاب" وشمال "جبال العلويين"، لا يدع مجالاً للشك بأن وقف إطلاق النار الهشّ الذي أُقر في فبراير/شباط قد انتهى إلى الأبد، كما يقول تقرير لمعهد واشنطن.
ويشير التقرير إلى أن استراتيجية نظام الأسد في حلب في هذه الأيام تركز على إقامة حزام مزدوج حول المدينة لعزل الأحياء الشرقية التي يسيطر عليها الثوار العرب والأكراد، والتي ترتبط بمعقل المعارضة في محافظة إدلب، وبخط الإمداد الغربي من تركيا عبر طريق "الكاستيلو".
ومن أجل تشكيل الجزء الأعمق من هذا الحزام، تقدمت قوات الجيش المنتشرة في شمال المدينة نحو مسافة تقل عن كيلومتر واحد من المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في حي "الشيخ مقصود"، من خلال استيلائها على بلدة الملاح في 14 أبريل/نيسان، وتستعد للتقدم أكثر فأكثر جنوباً في وقت قريب.
على ماذا يدور الصراع؟
يدور الصراع في الشمال السوري حول السيطرة على الأرض وأدوار القوى الإقليمية والدولية في المسألة السورية. ويمكن تمييز مواجهتين فرعيتين داخل مشهد الصراع السوري الكبير، بحسب ما يرى الدكتور مروان قبلان في صحيفة العربي الجديد.
الأولى تجري ضد تنظيم الدولة، وفي الجزء من سوريا الذي يسيطر عليه التنظيم، وتستأثر هذه المواجهة تحديداً بتركيز واشنطن. وتدور المواجهة الثانية حول من يسيطر على سوريا ومن يحكمها، وتستأثر بتركيز روسيا وبقية أطراف الصراع في الإقليم. هاتان المواجهتان متداخلتان إلى درجةٍ يصعب التمييز بينهما، فنتائج الواحدة ستؤثر تلقائياً في الأخرى.
وعلى الرغم من محدودية حجم القوات المشاركة في الصراع الدائر هناك، مقارنةً بحجم المعارك الكبرى في التاريخ، فإن نتائج هذا الصراع الذي يشهده الشمال السوري ستحدّد ليس فقط مصير سوريا (كياناً ودولة) ومن يحكمها، بل ستحدّد مستقبل المنطقة كلها، بل وربما مستقبل النظام العالمي، حيث تحاول روسيا، من بوابة الشمال السوري، رسم ملامحه الجديدة.
فيما اعتبرت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية سيطرة النظام على حلب "ضربة مدمرة" للمعارضة السورية المسلحة. وغذت معركة حلب شكوك المعارضة بأن النظام السوري وحلفاءه لا يكترثون للتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية أكثر من اهتمامهم بتأمين نصر عسكري. ويدعم قوات النظام في معركتها هذه مستشارون إيرانيون ومقاتلون من حزب الله اللبناني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقراً له.
وبحسب الصحيفة، تتقاسم القوات الموالية للحكومة وعدد من فصائل المعارضة المختلفة السيطرة على حلب، غير أن مجموعات المعارضة غير متحدة في قتالها ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث ينأى الائتلاف الوطني السوري بنفسه عن التنظيمات الإسلامية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، كما أن وحدات حماية الشعب الكردية تسيطر من جانبها على منطقة شمالي حلب، على حد تعبيرها.
تاريخ المعارك في المدينة
في يوليو/تموز 2012 دخلت المعارضة السورية مدينة حلب لأول مرة، بعد نحو عام ونصف على اندلاع الثورة في سوريا، لتسيطر المعارضة خلال فترة وجيزة على أكبر رقعة جغرافية لها في الشمال السوري. وتوالت هزائم قوات النظام السوري بعدها، وسيطرت المعارضة على مناطق جديدة في جنوب حلب وشرقها وغربها، وبقي للنظام بضعة أحياء غرب المدينة، إلى أن ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في بدايات عام 2013.
خاضت المعارضة معارك جانبية كثيرة مع التنظيم الذي استنزف قوتها، الأمر الذي استغلته قوات النظام السوري لاستعادة مناطق شاسعة، ودخلت القوات الكردية على خط المعارك في وقت لاحق، كما دخل الروس والإيرانيون وحزب الله وميليشيات أخرى، ما غيّر خريطة مناطق النفوذ والسيطرة إلى حد بعيد عما بدت عليه عام 2012.
ومطلع عام 2016 جرت تغيرات كبرى في خارطة القوى العسكرية المسيطرة على حلب والشمال السوري عموماً، إذ تمكنت قوات نظام بشار الأسد، بإسناد جوي روسي، من كسر الحصار على مدينتي نبل والزهراء في الشمال السوري في الثالث من فبراير/شباط، وهو ما شكّل انعطافةً كبيرة في سير العمليات العسكرية، لتُمنى المعارضة بأكبر هزائمها في أكبر معاقلها بالشمال السوري.
وبالتزامن مع خسائر المعارضة أمام الحملة العسكرية للنظام وحلفائه، استطاعت قوات سوريا الديمقراطية الكردية، التي تصنفها كل من أميركا وتركيا بأنها تنظيم ارهابي، بدعم جوي روسي السيطرة على مطار منغ العسكري وعدد من القرى المجاورة وصولاً إلى تل رفعت، وهو ما شكّل ضربة أخرى للمعارضة، تم خلالها فصل مدينة حلب عن ريفها لأول مرة منذ اندلاع الصراع في سوريا.